حتى لا ننسى الكاتب الروسي العملاق دوستويفسكي..
"..لقد رفض هذا الكاتب العالمي البيروقراطية التي تسمح لقلة ان تنعم بالرخاء،بينما الأغلبية ضعيفة ومقموعة ومُستغَلة –بفتح الغين-."
“لا يمكن للإنسان ان يتعلم فلسفة جديدة وطريقاً جديداً في هذه الحياة دون ان يدفع الثمن”.(دوستويفسكي)
"لم لو يكن الله موجوداً..لغدا كل شيء مباحاً حتى الجريمة”(دوستويفسكي)
من أشهر اعماله الروائية “الجريمة والعقاب” كان صادقاً مع نفسه. هو القائل “لئن لم يكن في هذا العالم شيء أصعب من الصدق والصراحة فلا شيء اسهل من التملق”.
بطل روايته طالب جامعي اسمه روديون سوّلت له نفسه وهو الفقير المعدم ان يقتل مرابية عجوزاً وسرقة أموالها. بعد جريمته أحس بالذنب.
صراع نفسي تملكه حتى آخر حياته.
وعن قصته يقول هذا الاديب: “قصتي تحتوي إضاءة على فكرة ان العقوبة القانونية المفروضة على جريمة ما هي أقل تخويفاً بالنسبة للمجرم مما يعتقده رجال القانون لأنه هو نفسه يطلبها اخلاقياً”.
وفي كتابه “العقل أولاً..العقل لا نهائياً”.
أطلق الباحث والمفكر د. هشام غصيب على أدب دوستويفسكي “أدب استغراب”.
كان هذا الاديب الروسي “صاحب مشروع خلاصي للفرد ولأمته وللعالم”.كما يقول د. غصيب كان صادقاً مع نفسه.
ومن أقواله: “ولم لو يكن الله موجوداً لغدا كل شيء مباحاً حتى الجريمة”،و”الحاكم الذي يعتمد على طبقة الأغنياء كمن يبني فوق الرمال”. و”ان كل ما في الكون بريء وكامل الا الانسان”.
دوستويفسكي حز في نفسه ما تعانيه البشرية من آلام.وقد اطلق د. غصيب على الوعي الذي ينشده هذا الاديب الروسي “الوعي المفوّت” الذي سيتحول الى قوة ثوريه من اجل تغيير واقع بائس يسوده الاستغلال وغياب العدالة.
دعا دوستويفسكي الى عرفان معنى الحياة والتي لا يعرفها من فقدها أو أوشك على فقدانها.
في كل اعماله الإبداعية كان رؤوفاً بحال الانسان العادي.ونصيحته للمبدع ان يكون مستعداً للتضحية ودفع الثمن: وهو القائل : “لا يمكن للإنسان ان يتعلم فلسفة جديدة وطريقاً جديداً في هذه الحياة دون ان يدفع الثمن”.
وهنا أتساءل : متى يستوعب كتابنا وادباؤنا العرب فلسفة هذا الاديب العالمي فلا يتملقون مستبداً ابتغاء مال او منصب وشهرة؟
والجدير بالذكر ان مدة اعتقاله ونفيه في سيبيريا هي التي اوحت اليه برواية “الجريمة والعقاب”.
في جميع اعماله الإبداعية وبخاصة “الجريمة والعقاب” قدم دوستويفسكي تحليلاً عميقاً للنفس البشرية كما قدم تحليلاً للحالة السياسية والاجتماعي والروحية لروسيا في القرن التاسع عشر. لم يكن اديباً فحسب بل فيلسوفاً ايضاً.
وبسبب صراحته ونقده للنظام القيصري الذي كان سائداً في روسيا حكم عليه بالاعدام ثم خُفف في اللحظات الأخيرة من تنفيذه.
قضى صاحب “الجريمة والعقاب”اربع سنوات في الاعمال الشاقة وبعدها ستسنوات من الخدمة العسكرية في المنفى.
ومن مؤلفاته الشهيرة الأخرى “الاخوة كارمازوف” في روايته هذه يدعو الانسان ان يميز بين الخير والشر. اشخاص هذه الرواية منهم الشقي العربيد، ومنهم النقي الورع.
هذا ديمتري الضابط الطائش زير النساء في لحظة مراجعة للنفس يشعر بأن ضميره يعذبه. مخاطباً ربه يقول: “يا رب انني أظل ابنك، احبك، وفي نفسي رغبة ارضائك”.
وبعد، ان شخصيات رواياته التي تعاني من التمزق تشعر في النهاية بالندم والتوبة الى الرب.
شخصيات رواياته تعاني اضطرابات نفسية عنيفة. بعضها ينهي حياته بالانتحار وبعضها يقدم على الجريمة. انه تصوير لعلاقات اجتماعية غير سوية عاشها المجتمع الروسي في زمن القياصرة.
تُرجمت كتب هذا الاديب الروسي لاكثر من 170 لغة.وقد تأثر به العديد من ادباء روسيا والعالم ومنهم غوغول وبوشكين وشكسبير وديكتر وبلزاك وآخرون.
يبقى ان أقول ان في بنية شخصيات دوستويفسكي رؤى فلسفية عميقة تحدثت عنها رواياته.
وكمثال على ذلك قصة “المجانين” التي تفضح نمط حياة مبتذلة شهدها عصره حياة الغش والنفاق، قصة تحاكم الفترات الشاذة في التاريخ وشخصياتها لا ترسوا على موقف واحد كشخصية “ستيبان” الذي يوهمك انه مؤمن بالحرية وحتمية الثورة على الأوضاع الشاذة في بلاده، لكنه في موقف آخر يبدو انتهازياً على عكس ما يدعو اليه من أفكار.
أما شخصية “استافروجين” وهو بطل القصة،فمتشبع بافكار استاذه ستيبان،سلوكه مضطرب يعيش القلق الذي يعيشه الكاتب نفسه. اما “كيرلوف” وهو مهندس مثقف يريد الإصلاح ولا يقوى عليه وفي رأيه ان السائد في بلاده القيصرية هو التماثل في الكذب والغش.
وكما ذكرت سابقاً فشخصيات دوستويفسكي قلقة مضطربة،“فكيرلوف”وهو المثقف حين شعر انه يعيش في مجتمع يسوده الكذب والنفاق رفض ان يواصل درب الاصلاح متسائلاً ما جدوى الحياة التي يسودها الكذب مما حمله على ان ينهي حياته منتحراً.
وبحق فإن قصته هذه وسائر اعماله الإبداعية تدين اليبرالية المتطرفة.
لقد رفض هذا الكاتب العالمي البيروقراطية التي تسمح لقلة ان تنعم بالرخاء بينما الأغلبية ضعيفة ومقموعة ومُستغَلة –بفتح الغين-.
متابعة محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق