سورة وعبرة
يتوجه العزيز الحكيم في سورة الشرح إلى رسوله الكريم صل اللهم عليه واله الطيبين الطاهرين مذكّرا إياه بالنّعم التّي حباه بها وما يستوجب واقع الحال من تصرّف حكيم ومسايرة وتماهي مع الحقّ.
لقد ذكٌره سبحانه بأنه قد شرح له صدره لمّا وجده ضالاّ فلقد هداه ووضع عنه الاثقال والإنهاك ورفع ذكره علوّا وإرتقاء معنوي وتميّزا على سائر البشر مرسلين وأنبياء وعامة البشر ،وزاده طمأنة بأنّ عُسر الحال والوضع يعقبه يُسر وكذلك عُسر التّفكير في وضعيّة العُسر إلى زوال بحلول اليُسر .
فلا يُمكن لإنسان صاح فطن كيّس أن يكون لامبالي بما يعانيه من متاعب وصعوبات وعراقيل، إذ التّفكير مصاحب لوضعيّة الحالة التّي يعيشها ،فمهما تكيّف مع واقعه يظل مهتمّا بما ألمّ به وما يصبو لتحقيقه من أهداف ساميّة راقيّة.
كما أرشد العزيز الحكيم عبده ورسوله إذا فرغ من هموم ومشاغل الحياة من متطلبات الدعوة والرسالة الربانيّة أن يسعى للعبادة وتحقيق عبوديته وأن يسعى لربّه وحده راغبا متعبّدا مخلصا بصدق التوجّه .
كما تحيل سورة الشرح إلى تدبّر معانيها فهي سورة حاملة لمعاني وحقائق وجه وقفا ،فالوجه موجّه لرسول الإسلام عليه السلام أما قفاها فهي موجهة لكل البشريّة .
فدون هداية رب العالمين يظلّ الإنسان ضال عن طريق الحقّ في وضعية الخسران ، فكلما طال الزمان زادت الشواغل والمشاغل الدنيويّة وزادت معها الاوهام وإنحراف النّفس وتشبّث الهوى بتلابيب الدّنيا وزخارفها وبهجتها إلا ما رحم اللّه سبحانه ليزيد الإنسان لثقله المعنوي ثقلا وإنهاكا جسديّا وفكريّا ( والعصر إنّ الإنسان لفي خسر ) ، ولا مخرج من ظلمات الدّنيا وغشاوة الواقع إلاّ بنور من اللّه رب العباد
( اللّه وليّ الذّين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النّور ) .
فلا وعى العبد التائه عن عبادة مولاه المنصرف لقضاء شؤونه الدنيويّة بكل حرص وطمع وجشع عن عُسر وضعه وسوء وضعيته العبوديّة لربّه ، فلقد طمس حقيقته ومعناه ونسى ذكره بغياب حقيقته ومعناه .
فلا نهض هذا العبد الآبق عن سيُده ليُشمّر عن ساعد الجّد ويركب مطايا العزم ، فلقد تباعد اليُسر وإنفراج حاله بإنشغاله وإنصرافه وتوثّبه وتمكّن هموم ومشاغل الدّنيا منه فرغب في حُطام الدُنيا ونسي ميثاق فطرته والغاية من وجوده ومآله .
واللّه يقول عزّ وجلّ في محكم تنزيله ( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ).
الأستاذ : شكري بن محمّد السلطاني
تونس
22 فيفري 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق