( ملامح التجديد في الشعرالعربي ) القسم الرابع
.
ملامح التجديد في الشعرالجاهلي
.
بقلم : فالح الكيـــــــــــــلاني
.
وفي أواخر العصر الجاهلي بدأت ملامح جديدة تظهرفي القصيدة الجاهلية نتيجة حنكة الشاعر او ميله لتحسين شعره او قصائده خاصة عندما يلقى قصائده في مجالس الملوك والامراء او نتيجة الاحتكاك بالحضارات والأمم الأخرى فنلاحظ ملامح تجديدية او نعتبرها كذلك . بدأت تدخل الى القصيدة الجاهلية ونذكر منها من هذه الامور :
1- اتسمت القصيدة ببعض اليسر والسهولة والبعد عن التعقيد، بعدما كانت صعبة تتميّز بالصلابة والألفاظ الغريبة الوحشية وتميزت بانتقاء الكلمات السهلة المعبرة عما يروم ااشاعر ومثال ذلك قول عنترة:
ولقد ذكرتك والرمــــاح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فَوَدِدْتُ تَقْبِيلَ السُّــــــيُـوفِ لأَنَّهَا
لَمَعَـــتْ كَبــَارِقِ ثَغْرِكِ الْمُتَبَسِـــــــّـمِ
2- اتسمت القصيدة الجاهلية المتجددة بالاقتصار على موضوع واحد من بداية القصيدة حتى نهايتها، بعدما كانت مقسّمة إلى أجزاء كلّ جزء منها يتحدّث عن موضوع مُستقل بذاته، بذلك ظهرت في القصيدة الوحدة الموضوعية.لدى بعض الشعراء وخاصة في قصائد الغزل مثل قول الشاعر عبد الله النهدي في حبيبته هند :
خليليّ زورا قبل شحط النوى هندا
ولا تأمنا من دار ذي لطف بعـدا
ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجـة
أغيّا يلاقي في التعجل أم رشـدا
ومرا عليهـا بـارك الله فيكمـا
وإن لم تكن هند لوجهيكما قصـدا
وقولا لها ليس الضـلال أجازنـا
ولكننـا جزنـا لنلقاكمـا عمـدا
غدا يكثر الباكـون منـا ومنكـم
وتزداد داري من دياركـم بعـدا
3- اتسم الشعرالجاهلي في دخول موضوعات جديدة إلى شعر القصيدة الجاهلية كالحكمة والمنطق والفلسفة.
والحكمة: قول موجز مشهور فكرته صائبة رائع التعبير، يتضمن معنى او كلاما مسلماً به، بهدف الخير والقول الحسن اوالصواب او هو تعبير عن خلاصة خبرات وتجارب قائلها في الحياة.
تأتي الحِكَمة في بعض أبيات النص الشعري ، وتمتزج بالإحساس والعاطفة المؤثرة. قد شاعت الحكمة على ألسنة العرب لاعتمادها علي التجارب واستخلاص المعنى او العظة من الحوادث ونفاذ البصيرة وتمكن الشاعر من ناحية البلاغة في شعره .
ومن الخصائص الفنية لأسلوب الحكمة، روعة التعبير، وقوة اللفظ، ودقة التشبيه، وسلامة الفكرة مع الإيجاز.
فهي اذن تمثل صوت العقل عند قائلها لأنها قول موجز يقوم علي فكرة سديدة بعد التأمل والتفكير وموازنة الامور فيها واستخلاص العبرة منها ولذلك فهي تعبير حاذق في الرأي والعقل.
ومن الحكمة يقول الشاعر زهير بن ابي سلمى :
ومَن لم يُصانِعْ في أمـــورٍ كثيرةٍ
يُضرَّسْ بأنيابٍ ويُوطَأ بمَنسِمِ
ومَن يَجعلِ المعروف مِن دون عِرضِه
يَفِرْهُ ومَن لا يتَّقِ الشَّتمَ يُشتَمِ
ومَن يكُ ذا فَضْلٍ فيَبخَلْ بفَضلِه
على قومِهِ يُسْتَغْنَ عنه ويُذمَمِ
ومَن يُوفِ لا يُذمَمْ ومَن يُهدَ قَلبُهُ
إلى مُطمئنِّ البــرِّ لا يَتجَمْجَمِ
ومَن هاب أســــبابَ المَنايا يَنَلْنَهُ
وإن يَرقَ أسباب السماءِ بسُلَّمِ
ومَن يَجعل المعروف في غيرِ أهلِه
يَكُن حَمدُه ذمًّا عليه ويَندَمِ
لسانُ الفتى نِصفٌ ونِصفٌ فؤادُهُ
فلم يَبْقَ إلا صورةُ اللحمِ والدمِ
وقد اكثر منها في قصائد اخرى له كثير ة .
4- ارتقاء لغة القصيدة من حيث ألفاظها وتراكيبها فكان الشعراء الجاهليون يغرقون قصائدهم بالألفاظ الخشنة الفخمة والكلمات الصعبة ، بينما نجد بعضهم اخذ يميل إلى الرقّة والسهولة والكلمة الاسمى والافضل بانتقاء الفاظ اسهل قولا واسنى نوعا وافضل اتساقا فظهرت ملامح جديدة في الشعر الجاهلي نتيجة تطلع بعض الشعراء الى حضارات الأمم المجاورة لهم وتمازجها فاتسمت القصيدة العربية باليسر والسهولة والبعد عن التعقيد، بعدما كانت صعبة تتسم بالشدة والألفاظ الغريبة الوحشية او الصعبة واخذت القصيدة تعتمد موضوعا واحدا بعد ما كانت تعتمد مواضيع شتى .
لاحظ قول الشاعرالنابغة الذبياني :
اتاني ابيت اللعن انك لمتني
وتلك التي اغتم منها وانصب
فبت كأن العـــائدات فرشنني
هراسا به يعلى فراشي ويقشب
حلفت فلم اترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مطلب
لأن كنت قد بلغت عني وشاية
لمبلغك الواشي اغش واكذب
ولكنني كنت امرءا لي جانب
في الارض فيه مستراد ومذهب
ملوك واخــــوان اذا ما اتيتهم
احكم في احوالهم واقرب
فانك شمس والملوك كواكب
اذا طلعت لم يبد منهن كوكب
ولست بمستبق اخا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب
فا ن اك مظلوما فعبد ظلمته
وان تك ذا عتبى فمثلك يعتب.
5- وكانت القصائد الجاهلية بعيدة عن البلاغة والمحسنات البديعية الا ما جاء عفويا بينما اصبحت في نهاية العصر الجاهلي غنية بالبلاغة وبالمحسنات البديعيّة، كالطباق والجناس .فكان الجاحظ يعجب إعجابًا شديدًا بوصف عنترة لبعض الرياض وتصويره للذباب وحركة جناحيه حين يسقط، حيث يقول:
جادَت عليهـــــا كلُّ عَيْـــــنٍ ثَرَّةٍ
فتركْنَ كلَّ حديقــــــةٍ كالــــــدِّرْهَم
فترى الــذبابَ بِها يُغَنِّي وحــــده
هَزِجًا كفعل الشـــارب المترنـــــــم
غَرِدًا يَحُــــــكُّ ذِرَاعَه بذراعـــــهِ
فعل المُكِــــبِّ على الزِّنادِ الأَجْـــذم
6- اتجهت القصيدة الجاهلية لتكون وليدة الطبع والموهبة وهي في اغلبها وليدة الطبع والموهبة ، كقول طرفة بن العبد:
وتبســـــمُ عن ألمَى كأنَّ مُنوراً
تَخَلّلَ حُرَّ الرّمْلِ دِعْصٌ له نَدي
سقتهُ إياة ُ الشمس إلا لثاتهُ
أُســـــف ولم تكدم عليه بإثمدِ
ووجهٌ كأنَّ الشمس ألقت رداءها
عليه، نَقِيَّ اللّــــــونِ لمْ يَتَخَدّدِ
7- ظهر لدى بعض الشعراء من اهتم بشعره كثيرا فكان يراجع قصائده وشعره على مدار السنة فسميت هذه القصائد بالحوليات حيث يبدأ بتنقيح القصائد من حيث اللغة والصورة الشعرية والاسلوب والمعاني الجميلة ورقة ودقة كلماتها بحيث تعتبر مستحدثة كلما روجعت وجددت كما كا ن يفعل الشاعر زهير بن ابي سلمى في شعره وقصيده يقول في احدى قصائده :
.وَلا تُكْثِرْ على ذي الضّعْفِ عَتْباً
وَلا ذِكْرَ التّجَرّم للذّنـــــُوبِ
وَلا تَسْألْهُ عَمّا سَوْفَ يُبدي
وَلا عَنْ عَيْبِهِ لكَ بالمَغيبِ
مَتى تَكُ في صَديقٍ أوْ عَدُوٍّ
تُخَبّرْكَ الوُجُوهُ عنِ القلوبِ
اما من حيث الوزن فقد انحرف بعض الشعراء في بعض قصيده عن الوزن فكان الشاعر منهم ان وقع في سهوة او هفوة ساهية كما فعل الشاعر عبيد بن الابرص في قصيدته :
أقفـرَ من أهلهِ مَلْحـوبُ فالقُطبيَّــات فالذَّنــــوبُ
فَراكِــــسٌ فثُعَيـلٍبــاتٌ فَـذاتَ فَـرقَـينِ فالقَـلِيبُ
فَعَـــرْدةٌ، فـَـقـَفــا حِـبِرٍّ لَيـس بِها مِنهُــمُ عَـريــــبُ
أرضٌ تَوارَثَهـا الجُدو بُفَكُـلُّ من حَلَّــــهأأأـ ا مَحْـروبُ
إمَّـا قَتيـلاً وإمَّـا هَلْكـًا الشَّيــــــــْبُ شَـيْنٌ لِمَنْ يَشِـيبُ
وبُـدِّلَـت أَهـلُـهـا وُحــوشـاًوَغَيَّـرَت حالَهـا الخُـطـوبُ
أَرضٌ تَـوارَثَـهـا الـجُـدودُ فَكُـلُّ مَـن حَلَّهـا مَحـروبُ
عَيـنـاكَ دَمعُهُـمـا سَـروبُ كَـأَنَّ شَـأنَيهِمـا شَـعـيـبُ
فَكُـلّ ُ ذي نِعمَـةٍ مَخـلـوسٌ وَكُـلُّ ذي أَمَـلٍ مَــكــذوبُ
وَكُـلُّ ذي إِبِــلٍ مَــوروثٌ وَكُـلُّ ذي سَلَـبٍ مَسـلـوبُ
وَكُـلُّ ذي غَـيـبَـةٍ يَـؤوبُ وَغـائِـبُ الـمَوتِ لا يَـؤوبُ
وَالمَـرءُ مَا عَـاشَ فِي تَكذِيـبٍطـولُ الحَـيــاةِ لَــهُ تَـعــذيـبُ
حيث حيرت العروضيين والنقاد في وزنها وانتقاء موسيقاها وتحديد البحرالذي جاءت فيه . فكان شطرها الاول على وزن :
مستفعلن \فاعلن \فعولن
اما عجز البيت فكان على وزن :
متفعلن- فاعلن – فعولن
اضافة الى دخول الزحافات الكثيرة اليها وقد حذا حذوه غيره من الشعراء مثل المرقش والمهلهل وعلقمة بن عبدة والاسود النهشلي وغيرهم .
واما القافية فقد ولدت مع الحداء وتقطيعاته ونهاياته المترقبة من مستمعيه، ومن بعد كست الشعر بهاءً ورونقاً ونغماً جميلا..
بذلك اتسمت القصيدة الجاهلية الجديدة بالوحدة الموضوعية. و دخول موضوعات جديدة إلى الشعر الجاهليّ، كالمنطق والفلسفة. وارتقت لغة القصيدة من حيث ألفاظها وتراكيبها الى الرقة والسهولة وغنى القصيدة الجاهلية بالمحسنات البديعيّة كالطباق والجناس وجاءت وليدة الطبع والموهبة لاحظ قول الشاعر السموأل :
إنّ امرَأً أمِنَ الحوادثَ جاهِلٌ
ير جو الخلودَ كضاربٍ بقداحٍ
منْ بعدِ عاديَّ الدهورِ ومآربٍ
ومَقاوِلٍ بِيضِ الوجوه صِباحِ
وإذا عمدتُ لصخرة ٍ أسهلتها
أدعو بأفلحْ مـــــــرة ً ورباحِ
لا تَبعَدَنّ فكُلُّ حيّ هالِكٌ
لا بدّ من تلفِ فبنْ بفـــــلاحِ
إنّ امرأً أمِنَ الحوادثَ جاهلاً
ورجا الخلودَ كضاربِ بقداحِ
ولقدْ أخذتُ الحقَّ غيرَ مخاصمٍ
ولقدْ بذ لتُ الحقَّ غيرَ ملاحِ
ولقدْ ضربتُ بفضلِ مالي حقهُ
عندَ الشتاءِ وهبة ِ الأرواحِ
لطفا يرجىة مراجعة مؤلفاتي 1- الموجز في الشعرالعربي م1 ج1 2- شعراء جاهليون - المجلد الاول من موسوعتي شعراء العربية 3- دراسات في الشعرالعربي 4- ملامح التجديد في الشعرالعربي
.
امير البيـــــان العربي
د. فالح نصيف الكيـــلاني
العراق - ديالى - بلـــد روز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق