عن السّعادة
يولد الفرد وسط عائلة فيلعب الأب دورا معيّنا في تربيته وتنمية شخصيّته وللأمّ دور آخر إضافة إلى مساعدة الأب فيما هو مناط بعهدته. كما يتدخّل المحيط العائليّ الأكثر اتّساعا للعب دورا مهمّا هو أيضا في تربية الصّغار على أسس معيّنة. ثمّ يكبر الولد فيرى بعينبه ويحسّ بجوارحه ويفهم ما بذله الوالدان لكي يسعد أفراد العائلة ويتعلّم هو بدوره كيف يمرّر لخلفه ما تعلّمه . ثمّ قد تعيش العائلة- متفاعلين مع محيطها- سعادة لا يمكن أن يقدّر حجمها غير أفرادها، لا يمكن أن تكون لنا نفس الرّؤية للسّعادة وبالتّالي يصعب على أيّ كان أن يحكم على أحد أو على مجموعة أنّهم سعداء أو عكس ذلك إلاّ بقدر ما يظهرونه أو يبوحون به. وفي نفس الوقت لا يمكن لأحدهم أن يعطينا مفهوما للسّعادة ويجبرنا على اتباعه لنسعد. المهمّ أنّ العائلة تعيش بما أتيح لأفرادها حياة على وقع وتيرة خاصّة بهم وهم الّذين يقدّرون أن كانت سعيدة أو غير سعيدة فالسّعادة في الحقيقة هي سعادات، بمعنى أنّ ما يسعدني لا يعني بالضّرورة أنّه يسعدك والعكس صحيح. ثمّ إنّ السّعادة تتحقّق بقدر ما وضع لها أصحابها من مقاييس إذ أنّها قد تكون مادّية صرفة أو ثقافيّة بحتة أو هي ربّما كلتيهما وعند البعض الآخر قد تكون بعيدة عن هذه المقاييس كأن تكون توفّر الصّحّة الجسديّة وما قلّ من المال ليسمح بالعيش. وقد يذهب البعض الآخر إلى أنّ السّعادة هي وجدانيّة بالضّرورة ولا دخل لأيّ مقياس آخر في تحقيقها. أقول، إنّه جميل جدّا أن ينام كلّ واحد منّا على الجنب الّذي يريحه، بل هذا أكثر من جميل إذ أنّ النّاس بهذا المعنى تختار وتعيش كما تختار. لكن متى يكون أجمل وأجمل بسنوات ضوئيّة؟ عندما يحترم كلّ واحد فينا رغبة الآخر الّذي بدوره وجب أن يسلّم بتلك القاعدة. وهنا وجب أن لا ننسى في هذا الاحترام المتبادل أن نحقّق بعض التّناغم حين يتعلّق الأمر باستحقاقات المجتمع ككلّ فليس لك ولا لي ولا للآخر أن يفرض رؤيته للسّعادة على كافّة المجموعة. لماذا؟ لأنّ سعادة المجتمع تتحقّق عندما نراعي اختلافاتنا أوّلا ثمّ نفهم ونعي جيّدا ما يربطنا ببقيّة الإنسانيّة في العالم فنحن شئنا أم أبينا نشترك معهم في أشياء ونختلف في أشياء أخرى، والتّعامل معهم ضرورة حياتيّة كما هي بالنّسبة لهم. وبالنّظر إلى إمكانيّاتنا وما يسمح للمجتمع ككلّ بالتّناغم، نقدّر حجم مطالبنا، ما أقصده بالإمكانيّات كلّ ما يمكن استعماله لجلب السّعادة من موارد بشريّة وطاقات علميّة وماديّة وأسس أخلاقيّة ومبدئيّة. ربّما نختلف كثيرا أو قليلا في المسألة الأخلاقيّة لكن هناك ثوابت لا محيد عنها. وما أقصده بما يسمح للجتمع بالتّناغم هو مراعاة اختلافاتنا العقائديّة والفكريّة والقدرات العلميّة والماديّة.
رشدي الخميري / جندوبة/ تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق