الاثنين، 6 ديسمبر 2021

التأسيس للمعنى من خلال عتبات ديوان "شذرات من ذاكرة أنثى" لعائدة دشراوي بقلم الكاتب: محمد المهدي حسن.

 التأسيس للمعنى من خلال عتبات ديوان "شذرات من ذاكرة أنثى" لعائدة دشراوي:

.........................................
تقدّم الكتب للقرّاء على شكل علب مغلقة أ صدفات ملتصقة لا أحد يدري ما تحتويه من محّار أو جواهر. لكنّ هذه الهدايا المثيرة للحفيظة لا بدّ أن نجد لها مفاتيح لنفكّ شيفرتها ونطّلع على مكنوناتها. قد يستعصي الأمر على المتسرّعين أو يعزّ على الفرحين بهديّتهم أن يمزّقوا أغلفتها منذ أوّل لحظة.
هديّة عائدة للقرّاء تتمثّل في ديوان بكر عنونته بـ "شذرات من ذاكرة أنثى"، كتاب أنيق يزينه غلاف جمع بين الألوان الساخنة و الدافئة ، يحيط بها السواد كإطار محتشم.
لعلّ محتوى وشكل الغلاف يكون أوّل العتبات التي يتوقف عندها القارئ قبل أن يرتمي في حضن الصفحات كإرتمائه في مياه البحر.
على غلاف ديوانها، فرشت عائدة أزهارا بألوان عديدة ثم رسمت بالورود طريقا يصّعّد إلى الأعلى مستعملة تقنية الــperspective لتجعل الطريق يتجه إلى عمق اللوحة أو إلى مستواها الثاني point de fuite مخترقا مسافات متصحّرة أو مغيّمة توحي بالرّحيل إلى آفاق بعيدة : من الأراضي الخصيبة مثلا نحو الصحاري القاحلة أو من العالم الأرضي نحو السّماء، طريق رسمت عليه بالورود الزّاهية آثار مرور أنثى مغيّبة الملامح، نراها تقف بكلّ شموخ ، هناك، أعلى الصورة و تمسك برمز القلب بشكل مضخّم حتّى لكأنّ الشاعرة أرادت أن تقول أنّ الفناء مصير الجسد لكنّ الخلود للأحاسيس النبيلة والمحبّة: ماذا يمكن أن تكون مدلولات هذا الاختيار غير رؤية حصيفة مشحونة بالحسّ الإنساني الرّفيع الذي لا يغيب على شاعرة.
العتبة الثانية المتاحة قبل اكتشاف القصائد قطعا ستكون العنوان: "شذرات من ذاكرة أنثى"
و الشذرات هي ما رقّ من الشيء وتبعثر حتّى صار يوحي بمادّته ولا يعرّف به كفاية.
شذرات من ذاكرة، والذاكرة قد تكون وعاءا مثقوبا يسقط منه البسيط التّافه و يرسّخ المهمّ القيّم.
أمّا الذاكرة هنا فهي ذاكرة أنثى، أنثى تظلّ مبحثا مغر للنقّاد والفلاسفة و علماء الاجتماع فهي قطعا إشارة للمرأة في محيطها الجغرافي والتاريخي والحضاري.
من خلال هذه العتبة، يمكن للقارئ أن يطمئنّ لكون مواضيع القصائد ستتناول المرأة كموضوع رئيسي لكن لحد هذه اللحظة يصعب الجزم بأن حديث المرأة الكاتبة سيكون سيرة ذاتيّة أو بحثا مجرّدا. حتما سنستقصي هذا من خلال تفحّص عتبات أخرى قبل أن ننصرف لفحوى القصائد.
العتبة الثالثة اخترناها فهرس القصائد. ونرى أن عائدة دشراوي وزّعت قصائدها بعد التقديم وكلمة الافتتاح، في أربع باقات أولاها بعنوان "هوية الانثى الكاتبة" ولعمري ليس أوضح من هكذا عنوان حتّى تكون علاقة القارئ بالأثر بمثابة غوص لاستكشاف رؤية كاتبة تنصّلت من جنسها حسب التقويم الاجتماعي و الطّبيعي وتلبّست بهوية الكاتب أو الشّاعر الذان يصعب تحديد جنسهما، حيث تقدّمت الشاعرة للقرّاء على شكل "معزوفة قلم" يسأل "من أكون؟" ويجيب علي السؤال سريعا بقصيد "أنا".
لكن قد لا تفي القصائد الستّة للتعريف بهويّة الكاتبة عندها عمدت عائدة دشراوي للتعرّي برمزيّته الدلالية وجعلته عنوان الباقة الثانية ، وهي الأطول، فهل ثمّة ما أسهل من اكتشاف أنثى بدون قناع؟
تفاجئنا في الباقة الثالثة بعنوان "عتاب" وتستهلّها بقصيد "من أنت؟" لتحيل على الرّجل او الذكر ذاك الذي يكره الصّراحة "صارحني" ويلبس القناع "انزع قناعك" ويتصور نفسه الأقوى أو "المغتصب"، لكنّها سرعان ما تعلن ضدّه المعركة وتأمره بالرحيل "ارحل" و تنهي معه التفاوض بقولها "كش مات" إعلانا لإنتصارها عليه.
إنّه لتمشّ مدروس عن وعي ربّما سنلمس أبعاده في الباقة الأخيرة بنفس العنوان "وعي". لكن قد تشتبك المفاهيم ويستعصي على القارئ الحسم في جنس هذه الكتابة لأنّ عائدة تطرّق لمواضيع سياسية وايديولوجية يشترك في الاهتمام بها الرجال والنّساء من حاملي القلم بدون فوارق.
جاءت العتبة الرّابعة على شكل قصيد مطبوع على الوجه الخلفي للغلاف وكان مدلوله مميّزا، لأنّه من المؤكّد أن الشاعرة اختارته لغاية في نفسها ولتوجّه قرّاءها قبل أن يغامروا بالغوص في بحر كلماتها الدافئ.
الكاتب: محمد المهدي حسن.
Peut être une image de 1 personne et texte

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق