الاثنين، 20 سبتمبر 2021

( أقدار ) " قصة حقيقية " للأديب الشاعر ايمن عزالدين سكورى

 •••••••••••••••••• ( أقدار ) ••••••••••••••

" قصة حقيقية "
قصة / ايمن عزالدين سكورى .
فى اربعينات القرن الماضى بإحدى قرى الصعيد النائية ينشأ جيل من الأطفال يحمل سمات تلك البيئة الجميلة وقد أكسبتهم الطبيعة بسحرها الأخاذ جمالا فى الطباع والسلوك ؛ وكان من بين تلك الأطفال مجموعة ارتبطت ببعضها البعض ؛ فجمع بينهم -- كأى أقران -- اللعب واللهو بين الحقول وعند السواقى ؛ والجلوس ليلا على ضفاف النيل ؛ وكذلك جمعت بينهم المذاكرة الدراسية سواء فى ديارهم أو على المصاطب خارج المنازل بين الهواء الطلق والأنوار الخافتة ؛ ورويدا رويدا يشتد عود تلك الأطفال ؛ فيأتى مطلع الستينات لتصير أطفال الأمس شبابا وتباعد بينهم الأيام ليذهب كل منهم فى طريقه ؛ فمنهم من يتزوج وينشغل بحاله ؛ ومنهم من يسافر للخارج ؛ ومنهم من يصرفه العمل عن الحياة الإجتماعية ويجعله يتنائي عن أصدقاءه ؛ هكذا فرقت السبل الأقران والخلان إلا " صابر " و " فتحى " فهما فقط استمرت صداقتهما بل توطدت بينهما الصداقة أكثر فأكثر ؛ حيث كانا يعملان سويا فى فلاحة الأرض ؛ وفى فترة الراحة كانا ينتهزان الفرصة ويجلسان سويا يأكلان تحت ظلال الشجر ؛ وبعد العمل يستبدلان ملابسهما ويذهبان للتنزه ؛ وفى الليل يجلسان على ضفاف النيل فيتسامران ويتضاحكان ويفيضان فى سرد الذكريات والحكايات الطريفة ؛ وذات مساء ذهب " صابر " إلى مقهى بسيط ؛ وما إن جلس حتى سمع صوتا من صندوق موضوع على الرف بالحائط ؛ وما كان هذا الصندوق إلا ( المذياع أو الراديو ) ؛ فأنصت له مبهورا مفتونا بالصوت الوافد من ذاك الأثير الذى بهر الناس حينها ؛ حيث كانت الإذاعة مفتتحة حديثا وشيئا جديدا لم يعهدها الناس ؛ فانتاب " صابر " احساسا عجيبا وداعب خياله حلم أعجب ؛ وهو أن يكون " مذيعا " وينطلق صوته عبر الأثير الذى فتن به ؛ وهذا ماجعله ساهما فى جلساته مع صديقه " فتحى " وفى إحدى اللقاءات سأله " فتحى " عن تلك الحالة التى جعلته سارحا ساهما باستمرار وليس حاضر الذهن ومنطلقا فى حديثه كما هى عادته ؛ ظنا منه بأنه ربما وقع فى حب فتاة أرقت مضاجعه ؛ ولكن " صابر " بادر صديقه " فتحى " بأنه يريد أن يصبح " مذيعا " وأن تلك الأمنية لاتبرح ذهنه ؛ فنظر له " فتحى " باندهاش وضحك عاليا ثم قال له : " ماذا !؟ تريد أن تكون مذيعا مثل الذين نسمعهم فى المذياع ؟ كيف ؟ وأين تذهب ؟ وما المفروض أن تفعله ؟ " وكل تلك الأسئلة لم يكن عند " صابر " إجابة عليها ؛ فاسترسل صديقه " فتحى " : " احلم ياصديقى حلما على قدر المستطاع ؛ وهيا نعود للمنزل لننام حتى نذهب باكرا إلى العمل بكامل نشاطنا " واستمرت حياة " صابر " على هذا المنوال ؛ مشغول بأمل يريد تحقيقه ؛ أما صديقه " فتحى " فيريد انتزاع تلك الفكرة عن ذهنه ؛ وذات صباح ذهب " فتحى " إلى عمله بالأرض ولم يجد صديقه " صابر " فقلق عليه ؛ وذهب بعد العمل إلى منزله ليسأل عنه ويطمئن عليه ؛ فأبلغته والدته بأن صابر سافر إلى القاهرة لإجراء اختبار " بالإذاعة " فانصرف " فتحى " حزينا على فراق صديقه الذى لم يفارقه يوما والذى لم يعلم متى سيلتقى به لو صار مذيعا وسكن القاهرة ؛ وبعدما مر أسبوع اشتاق " فتحى " لرؤية صديقه فأخذ أول قطار وسافر إلى القاهرة وسأل عن مكان الإذاعة فوصفوها له ؛ وذهب إليها ودخلها بكل سهولة حيث كانت أجراءات الدخول إليها غير مشددة ؛ وصعد " فتحى " أحد الأدوار وأخذ يتنقل بين حجراتها باحثا عن صديقه وكأنه سيجده فى إحداها ؛ ولكنه لم يجد أحدا ؛ فصعد الدور الأعلى وفتح غرفة فوجد رجلا أنيقا فى واجهته يجلس على مكتب فاخر وعلى جنبات الحجرة أجهزة وسماعات فنظر إليها مبهورا ؛ فسأله الرجل مستعجبا : " من أنت ؟ وماذا تفعل هنا ؟ " فأجابه : " أنا فتحى " فقال الرجل : " فتحى من وماذا تريد ؟ " فرد عليه : " أنا من الصعيد وجئت أرى صديقى صابر فإنه أتى هنا لإجراء اختبار بالإذاعة ؛ فأين هو !؟ " فنفخ الرجل وقال له : " صابر من ؟ وفتحى من ؟ وصعيد إيه ؟ واختبارات ماذا !؟ ؛ اذهب يا ابنى وابحث عن صديقك فى الشارع هنا الإذاعة " فجز " فتحى " على أسنانه وهم منصرفا ؛ وما إن وصل إلى باب الغرفة حتى نداه الرجل بأن يأتى ؛ فعاد " فتحى " إليه خائفا من أن يطلب له الأمن ؛ فقال له " ماذا تريد ؟ " فقال له الرجل : " اذهب إلى هذا الميكروفون الموجود هناك " فذهب " فتحى " إلى الميكروفون قلوقا ومندهشا من طلبه هذا وسأله لماذا ؟ فقال له الرجل : " ستعرف حالا " وبعدما وقف قليلا طلب منه الرجل أن يتحدث ؛ فسأله " فتحى " ماذا يقول ؟ فقال له الرجل : " قل أى شئ يحلو لك " فتحدث " فتحى " بصوته الرخيم الذى أكسبته البيئة الريفية عمق وفخامة ؛ وأنصت الرجل إليه جيدا إعجابا بتناعم صوته وفصاحة لسانه وسلاسة حديثه ؛ علاوة على سلامة مخارج الحروف لديه وصحة نطقه للكلمات ؛ وما إن انتهى " فتحى " من حديثه إلا وأخذه هذا الرجل -- الذى كان مسئولا بالإذاعة -- من يديه لينهى اجراءات تعيينه كمذيع ؛ فصار " فتحى " الباحث عن صديقه مذيعا لامعا ؛ بينما صديقه " صابر " الذى وضع آمالا عراضا فى أن يصبح مذيعا كان قد أخفق فى اختبارات الإذاعة فلملم متعلقاته وعاد حزينا إلى موطنه بالصعيد !!!
ملحوظة : تلك القصة الواقعية قد ذكرتها الإذاعة المصرية منذ عدة سنوات ولكن ليست نصا ؛ وأننى تلقفتها بمعناها وقمت بسردها وتحويرها باسلوبى وقد راعيت فى السرد عملية البناء والحبكة حتى تتناسب للقراءة ؛ وذلك دون المساس بالمضمون والخط العام للقصة الحقيقية ؛ وإن كان هناك تغيير فالتغيير فقط فى المعالجة وعنوان القصة وأسماء " شخوص " الحدث •••
الأديب الشاعر
ايمن عزالدين سكورى
الإسكندرية
Peut être une image de une personne ou plus et ciel

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق