قراءة نصية لقصائد وطنية في ديوان
"اعترافاتٌ لسيِّدِ العشق" للشاعرة ميساء دكدوك
- هاشم خليل عبدالغني
ميساء دكدوك شاعرة تتمتع بثقافة واسعة ،لإطلاعها على القديم والحديث ، وغزارة قاموسها اللغوي والمعرفي ،وتدل ثقافتها على مجموعة من السمات التي تتميز بها شعرياً،من ابرزها ،التمسك بالقيم الأخلاقية والانضباط ، والتعاطف حتى يسود السلام والأمان،وفهم المعنى الحقيقي للحياة ،إلى جانب حماية الأجيال ،من الثقافات المدمرة البالية التي تفرق ولا تجمع ،وتزويدهم بالمعرفة وتغذية حس المسؤولية لديهم وكل ما يضيءعقولهم ويهذب أذواقهم،كما أن الشاعرة دكدوك ، تواكب التغيرات الحاصلة في مجتمعها والعالم يلمس هذه السمات كل من يقرأ اشعارها بروية وتمعن وحياد .
الشاعرو دكدوك من الشعراء العرب المناهضين للحرب والمناوئين لدعاتها، لنتائجها الكارثية، التي أدت إلى إبادت جماعبة ،وخراب عميم وموت مجاني ، وتشريد الملايين عبر البحار والحدود ،في حروب إقليمية وداخلية لا مبرر لها .
تعالج الشاعرة ميساء دكدوك في ديوانها "إعترافات لسيدِ العشق" قضيتين متداخاتين ،" في كل قصيدة من قصائد الديوان" القضية الأولى قصائد وجدانية والثانية قصائد وطنية ،وسنلقي في هذا المقال المتواضع الضوء على بعض قصائدها الوطنية .
في قصيدة ( أغنيتي أمام الكون ) تعلن الشاعرة امام العالم ما لحق بوطنها سوريا من ظلم ، هذا الظلم الذي شاركت به قوى عالمية متعددة ،ترك في نفس الشاعرة آثاراً مؤلمة وأوجعاً في كيانها ، هذا الحريق الذي أتى على كل جميل في حياتنا كأنه السم الزعاف ، وفرق شمل الجماعة وجعل بنية المجتمع تتطاير شظايا متناثرة بفعل الدخلاء على الوطن السوري ، ورغم كل ذلك، تتحدث الشاعرة عن عظمة ومهابة الشعب السوري، الذي يعشق السلام ويدعو له ، إخلاصاً للحب الكبير ومحافظة على العهد عهد التوافق والعشرة والصحبة والأمن والأمان ، تقول الشاعرة :
(أموتُ ، و أحيا... أتشظَّى منثورَ هباء ..صرتُ أجزاءَ الأجزاءِ
حبَّاً بالسلام ...و عِشقاً ... وفاءً للودِّ .. للمحبةِ و الوئام )
ولكن الرغبة بالسلام قابلها الإرهاب ،بهدف خلق الذعر بين الناس والاخلال بالأمن العام في بلاد الياسمين ، ارهاب تتبناه وترعاه بعض حكومات الدول، بشأن التحريض على الإرهاب في سوريا ،وبث الفكر المتطرف والنعرات الدينية والطائفية والمذهبية ،بهدف تأجيج الأزمة في سوريا وفي دول أخرى في المنطقة ، رغم ذلك تؤكد الشاعرة إنتمائها للوطن الكبير للعروبة ،وأن الإخلاص والتفاني للحفاظ على سلامة كل شبر من أراضيه هما الوطنية الحقة، وهذه أمور لا تتغير مع تغير الزمن وتقلبات البشر.
( فإذا بالأشلاءِ تصيحُ... ترُجُّ الجبالُ..و أراها ضاحكةً في مآقي الليل ..و في خافقي .. يَنداحُ دويٌّ...و صدري هذا المعبأُ بالتَّوقِ...مازالَ طفلاً ... يأبى الرَّحيل .. عربيُّ الهوى ..عالميُّ النُّزوعِ.. أنا و هوَ، عُمقُنا البحرُ..قاماتُنا الدَّهرُ.. طِينُنا واحدٌ أحدٌ...)
عن العشق الدمشقي العفيف المتسم بطابع مثالي تتحدث "ميساء دكدوك" في قصيدة " الهوى بين إشراق وليل " دمشق الشام أغنية السلام وروح الحب والوئام ،دمشق روضة تلوح على جنباتها زهور الياسمين ،(هناك حكاية معروفة عن الياسمين الشامي، وهو ياسمين لا يعيش إلا في دمشق الشام، لونه أصفر، ويسكن المدينة منذ كانت )إنه شخصية الشام الهوى الدمشقي كما تراه " ميساء دكوك "شعر وموسيقى ،الشام ودودة ، حنونة ، أحلامها مؤنسة ،الهوى الدمشقي يتوضأ بالوجد والهيام .. تقول الشاعرة :
( قال: حدِّثيني عن الهوى الدِّمشقيِّ ..كيفَ يكون؟ ..كانَ الهوى الدِّمشقيُّ يا سميناً ... في الدماءِ و الهواء ...ديوانَ أشعارٍ ..تتراقصُ على بحورِها السماء .. تزيِّنُ ذُرا الجبالِ.. بالدَّانتيلِ و المِرجان ..كان الهوى الدِّمشقيُّ...انهماراتٍ من الوجدِ و الهُيام )
هكذا كانت الشام قبل ( الإمتحان ) أما الأن ،بعد التمرد والعصيان ،سالت دموع دمشق بغزارة ،حزنا وبكاءُ ، وكثرت الثرثرة في رفع الشعارات الفارغة ، بلا فائدة في خلط واضح بين الغث بالسمين ، وغدت البلاد مأدبة للردى والهلاك ، يًدّعى لها من هب ودب ، من شذاذ الآفاق ومحترفي الإجرام ، الذين يروجون لأفكارهم الخبيثة، بزخرف الكلام ومعسوله ، ظاهرها جميل، وباطنها كله تمويه وكذب وتضليل وأفتراء .
( هذا قبلَ الامتحان .. و الآن... تمرَّدَ الزمان .. فاضتِ السِّلال
من فوضى الهُيام .. صارَ الهوى ولائمَ ثرثرةٍ .. و صارَت الأمصارُ و البلاد.. مأدُبةً للرَّدى... يثورُ مِنْ أرحامِها الدُّخان )
تشير الشاعرة في قصيدة (أنــــا و الحيــــــاةُ و المــــــــوت) إلى أن المجرمون القتلة اعداء الحياة ،لهم اجندات تنسجم مع ترويج اجندات ثقافة الموت والتدمير،لا يريدون أن يصنع السوريون الحياة والرفاه وتؤكد الشاعرة رغم مظاهر الدمار والاعتداءات الهمجية ،التي لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً، فإن طعم الحياة عند المواطن السوري، دائماً ما كان يتغلب على مذاق الحصار والموت، ويحول الصورة الدامية لأخرى أكثر حباً وأملاً،ويصنع من أدوات الموت – الحياة - ويحصد من القتل والدمار الأمل والمستقبل".
( سأجعلُ من بندقيةِ قاتلي ..مجدافاً من خشب ..ناياً مِن قصب ..و أهشَّ من جُنحِ الذُّباب ...وداعاً أيا زمنَ الذبيحةِ ...و الخراب ...سأُورقُ في زمنِ اليباب ...و أصوغُ صُبحاً أنصعَ ...من غيمةٍ ربيعيَّة ...في جنانِ الياسمين ..في (دِمشقانا)...في البلدِ الأمين )
ميساء دكدوك تعبر في قصيدتها ،(عروس الفراتين ) عن وقوفها قلباً وقالباً مع بغداد ،وبكل ما تستطيع تقديمه في سبيل بلسمة جراح بغداد ، ومساعدتها بما يلزم ، لخروجها من محنتها ومن الكارثة التي حلت بها ، معتبرة أن الوقوف إلى جانب بغداد من اوجب الواجبات ،لتعود بغداد حاضرة للثقافة والعروبة كما كانت على مر العصور مؤكدة على أن اهل بغداد ودمشق إخوان في المحنة والنصر .
فتقول : إن بغداد عادت وبقوة ووعي لتضميد ومعالجة جراحها وأوجاعها التي خلفها المحتل الأمريكي ، بحنكة أهلها وروحهم الوطنية المنتمية للوطن ، ثم تتابع الشاعرة ،فتثني على قلمها الى منحها واهداها قدرة التغني بجمالها الفاتن ، وتاريخها الحافل بالجد والعزة والعلم ، ثم تتساءل بحب واحترام ، ماذا أكتب في حضرتك ، أيتها الأبية العزيزة التي ترفض الذل، وكل ما يشين ، هل أكتب عن نحيلك وسحرك ، أم عن ابناؤل الذين هاجروا إلى المنافي في بقاع الأرض ، هربا من القتل والموت المجاني .
هذهِ(بغدادُ)،تُبَلسِمُ الآلام .. تضمِّدُ الجراح... الحمدُ لمجدِ القلمِ
أَهداني مِداداً... لأرسمَ وجهَكِ البهيَّ...أيَّتها الصبيَّة
ماذا أكتبُ في حضرتكِ يا الأبيَّة؟... أَكتبُ عن النخيلِ والسَّحَر؟!
و العصافيرِ المهاجرةِ إلى المنافي...هرباً منَ القنَّاصةِ
تؤكد ميساء دكدوك ،رغم شدة ظلمة الليل .. بغداد لن تخيب الأحلام ولن تحطمها ، بغداد كعبة المجد والخلود ،ستظل تحلم بالنهضة والاصلاح والتجديد ، فأهلها أهل العُلى والمجد ، فالعراقيون بطبيعتهم تواقون للحرية ،ولا يقبلون العيش تحت وطأة أي محتل ،غريب على هويتهم الوطنية ، وستظل بغداد الحب والأمل في التجديد والكفاح .
كما تتحدث ميساء دكدوك عن الأخوة بين دمشق وبغداد عاصمتا المجد العربي، ومهد البعث العربي،اللتان تخوضان الان معارك التحرير، ضد الجهل والخرافة وضد التتار والمغول، وستظل بغداد كما ترى" ميساء دكودك " مفخرة الدنيا ومنارة العلم،وقبلة العلماء، مدينة الخير والكرم والكرامة وحاضرة العزة والمجد، وترى أيضاً أن التغير قادم لعراق العز والمجد ، والأمن والسلام .
( أنتم خضابُ الشِّعرِ في مَسرى بَياني .. أَهلي و خلاَّني
(بغدادُ) يا تنفُّسَ الصبحِ في حالكِ الدُّجى
يا المُشتهى .. و المُرتجى.. يا أختَ الشآمِ
يا اتّقادَ الكوكبِ الدُريّ.. و مفخرةَ الأنامِ..تصبحينَ على (عِراقٍ)
مِن عقيقٍ .. مِن ياقوت.. تُصبحينَ على سلام )
تتغنى الشاعرة ميساء دكدوك في قصيدة (معتَّـــــــــقٌ عِشـــــــــقي لــــكِ) بدمشق او الشام كما يحب أن يدلعوها ابناؤها ،كما تغنى بها الشعراء على مر القرون (فنظموا القصائد بسحرها وجمالها، وتغنوا بقاسيون وبردى والغوطة الخضراء، وجمال الدمشقيات الساحر ) فالتغني بدمشق لا ينتهي ، دمشق مدينة تزدهي بحكايا الزمن الجميل وأثاره ، فهي موطن للحب والخضرة وخصب الأرض وطيب الماء، وهي قبلةٌ للجمال وموئلٌ للشغف، وكما قيل فقد خلق العشق لدمشق .
تقول ميساء دكدوك في مطلع قصيدتها ، معبرة عن اشواقها المزمنة لدمشق، ولمفردات الحياة فيها، فتؤكد أن حبها لدمشف قديم ويطيب ويزداد مع الأيام ،حبها خالص الهب مشاعرها كعاشقة مولعة ، لا تصبر علىى مفارقة عشقها، يتملكها شوق قوي لزيارة دمشق ،لأن قلبها متعلق بها تعلقاً شديداً ، فحب دمشق لدى الشاعرة عفيف متسم بطابع مثالي صرف.
تخاطب الشاعرة دمشق الأبية ،لقد آن أوان الجد والاجتهاد لتهطل قطرات الفرح والسعادة لربوعك ،لننتشي بأمجادك ، لنستمتع بمحاسنك ،بغوطتك ومتنزهاتك وجامعك الأموي وياسمينك ، أليس دمشق واحدة من أفضل المقاصد السياحية في العالم ؟.
( أَمشي إلى غرامكِ يا(دمشقُ) مُحترقة
أطوي مسافاتِ المدى عِشقا .. إنيّ قطيعٌ من غيومٍ لا عدادَ لها
مثلُ الورودِ،لا تضنُّ شذىً، عبَقا .. أيُّها المدى، قلْ شيئاً يُفرحُني
طالَ اشتياقي، وحلوُ الصَّبرِ قد نفقَا
أمضي إليكِ ياشامَ الهوى ،أمضي ..عطشى أنا لنبيذِ حبٍّ تعتَّقا
آنَ الآوانُ يا (دمشقُ) ألا اهطِلي .. أغمارَ عشقٍ، وفيضي رونقاً، ألقَا
أرى الشمسَ في وجنتيْكِ ياشامُ مَعقلُها .. تهلُّ بالنورِ بعدَ النورِ مُؤتلِقا
سلامٌ لكِ مِن مُدنَفٍ خَبِرَ الهوى .. من ياسمينكِ ،قدِ انتشى وتنشَّقا )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق