—-عيـــون وقحـــــة—
في شرفة المقهى المتاخم لكل شيء جلست الى طاولة وراحت تتأمل كل شيء من حولها —-شارع متعرج مصابيح مصطفة أشجار تعانق السماء والتقية من أغصانها ساجدة في خشوع ومارة اما يمشون الهوينا أو يسارعون الخطى وكل يعتبر نفسه محور دوران الأرض
محلات بيع الورد، باب المسرح البلدي الصامد يفوح منه عطر عظمة من وقفوا على ركحه.....رفعت نظرها للسماء وهمست لنفسها:يا الله ما أرحب الأفق؟
وعادت من رحلة التأمل على صوت النادل
استاذة اتريدين احتساء
قهوتك هنا
في الشرفة ام في زاويتك المعتادة داخل المقهى؟
انتفضت وقالت:
في نفس المكان، وتبعته الى الداخل
جلست في ركنها المعتاد
وراحت تمسح زوايا المقهى المتعددة بعينيها الحالمتين
في إحداها طالعها وجهان بريئان لشاب وشابة يجلسان قبالة بعضهما وكأن الأيادي المتشابكة والممتدة فوق الطاولة صنعت جسر عبور للمشاعر وكلاهما ينظر في عينيْ الآخر في صمت مهيب
وسمعت العيون تتكلم
عيون تلقي قصيدة عتاب وتشتكي طول الغياب
ولوعة الشوق والعذاب
في الركن الآخر
عيون تحتسي الدمع
وتقرع الأكواب
وعيون ترنو الى الفراغ
وتسافر على أجنحة السراب
وتخترق نوافذ الصبر وتقرع كل الأبواب
وعيون متعبة تلهث عليها آثار غبار الطريق
تنشد راحة وسكينة والسبل بها تضيق لتتّسع
وتتّسع لتضيق....وأحلامها عطشى...ومنها تفجّرت الينابيع تسقي الوجنات فينبت العشق على الشفاه وتزهر القبل وتيْنع وقد يتأخّر موسم قطافها الى حين تنام العيون التي لا تنام ،تلك العيون التي تضع كل حركة تحت المجهر فتتضخم لدرجة ان دبيب الهمس يتحول الى ضجيج مزعج......
حولت بصرها عن العيون البشرية
فإذا كل جداريات المقهى عبارة عن عيون لكائنات حية مرسومة بحرفية وفن ...
شد انتباهها عيون الذئاب في الظلام تشتعل نارا وفيها إشعاع غريب يخبو ويتوهج
تعلوه كبرياء متغطرسة وجمال عفوي وحشي..وأدركت كم الذئاب بريئة من كل التهم الأسطورية المنسوبة إليها،وكم الذئب وفيٌّ لبني جلدته،فهي ما سمعت أبدا عن ذئب أكل لحم ذئب آخر حتى وان هلك جوعا...بل رأت آكلات لحم البشر ومصاصي الدماء من بني الانسان يجوبون الاوطان الآمنة ويقطفون الأرواح ويقيمون صلاة الجنازة بعد ان يتوضّأوا بالدم..
كما رأت عيون بعوضة تتّسع وتكبر وأرجلها تتضخّم وتتحول الى أذرع أخطبوط تلفّ رأسها وتعصر أفكارها
فتتهاوى فكرة فكرة أشلاء ممزقة متناثرة...
فتحتار وتصاب بالارتباك
وسؤال يجلدها-كيف تجمعها وتعيد ترتيبها في الصندوق الأسود لذهنها؟
وما زال السؤال عورة يسترها الجواب،ولكن أين الجواب؟؟؟
ورأت بأم عينها بنات أفكارها تُغتصب وتُسرق وتُنهب ولغيرها تُنسب..
وما غاظها وأحرق دمها هو الاعتداء على فكرة الحرية حيث تمّ السطو عليها وإفراغها من مضمونها ومحتواها وصارت جوفاء يُسمع لها مكاء وتصدية
وبات من يتذلل ويلحس النعال ويصفق للظلم وينصر الظَّلمة ويُستعبد أكثر ويتنازل عن طيب خاطر عن انسانيته ويلقي بها في برك النفاق الآسنة -هو—-الحـــر—
ظلمونا وظلموا الحرية
عبثوا بنا وبمقدساتنا
سيّسوا الدين وألبسوا السياسة الجلباب والنقاب لتبيض وتفرّخ العهر السياسي في أمان...
وفي زواية معزولة رأت عيون المنية تلعب لعبتها المفضلّة -سلب الحياة من الحياة——رأت جثثا بلا عيون مزروعة على ارض الوطن العربي
ترى اين اختفت عيون المحبة التي جاءت الى هنا تبحث عنها؟
رأت عيونا جاحظة تنزف وتبكي بدل الدمع دما...
ارتعدت فرائسها وانتفضت كالمذبوح او كالمطعون غدرا.....
وصوت النادل يقول بأدب (فنحان قهوة سكر وسط كالعادة استاذة؟
وعادت من جولة العيون
بقلب مقبوض لان العيون
مسجرة يتطاير منها شرر الفتنة فيخبط خبطة عشواء
والغريب انه يحرق الأبرياء ،والعيون العربية معرضة للفقأ
كما الفكر العربي مصادر
حتى تغيب عنه الحقائق
ويمعن في الجهل
وما حاجة الوجوه للعيون
اذا كانت البصيرة عمياء
واقع مكبّل بكل مقاييس القيم والإنسانية .....
فائزه بنمسعود
6/9/2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق