الخميس، 5 أكتوبر 2023

مطاردة قصة قصيرة / بقلم الأديب محمد الهادي بن عبدالله / تونس

 قصة قصيرة / بقلم : محمد الهادي بن عبدالله / تونس

** مطاردة **
السيارة الرباعية الدفع الرمادية ، تتدحرج بين كثبان الرمال العالية.. ساعات وساعات ، وهي مرة تصعد كثيبا وأخرى تنزلق من آخر ..
الصياد الماهر والسائق المحنك ، الخبير بمتاهات الصحراء ، يسيطر مليا على سيارته القوية ..
ها هو مع مرافقه يبحثان عن طريدة يصطادانها ..
المرافق" لزهر" يمسك ببندقية الصيد ،والسائق" عبدالعزيز"
يشد على مقود السيارة ، ويضغط على دواسة الوقود
لتنط السيارة و تركض فوق الكثيب كنمر هائج ..
شمس الضحى تزين وتنير الصحراء الشاسعة ، والنباتات الصحراوية الجافة متناثرة هنا وهناك في هذا المنبسط العريض ..
الطقس ربيعي ، لكن الحرارة الخفيفة جعلت السائق يوقف العربة .. إنه وقت الإستراحة .. اكلة خفيفة ، وبعض العصائر كافية الآن ..وكذلك كأس شاي ..
نصب الرجلان خيمة صغيرة ، وأخلدا لراحة قصيرة بساعة واحدة ...
أشعل" لزهر" سيجارة وراح ينفث دخانها وهو يسرح نظره في أرجاء هذه الصحراء المترامية الأطراف ..
كم من جمال جابت هذه الصحراء الشاسعة؟ ..وكم من حيوانات صحراوية عمرت هذه الأماكن القفر ؟..وكم من حشرات وزواحف مشت وزحفت على هذه الرمال الذهبية؟...
إغفاءة خفيفة كادت تذهب بعيني "عبدالعزيز" إلى نوم ثقيل ، الذي كان يقود السيارة لمدة ثلاث ساعات متتالية ، وهو يصارع هذه الكثبان الكبيرة ، خوفا من السقوط في حفرة ، أو غوص و تغلغل العجلات في الرمل المتحرك ...
قام الرجلان ، وواصلا جولتهما الصحراوية الصعبة ..
مازالت السيارة تسيطر على الفضاء الشاسع ..
في لحظة ، صاح السائق وأشار بإصبعه إلى ناحية اليسار .. في تلك الجهة البعيدة ظهر خيال حيوان صحراوي ..
نظر مرافقه إلى تلك الناحية .. ضحك كمجنون ..
صارت السيارة كمارد هائج إنطلق من قمقمه..
غزالة تلوح في الأفق العريض ...
أخذ "لزهر" بندقيته وآستعد للقنص ..
زاد السائق في السرعة ، وبدأت المطاردة على أشدها ..
المسافة بدات تقصر بين السيارة والغزالة المفجوعة ..
المطاردة تواصلت لنصف ساعة أو أكثر ..
جميلة .. رقيقة .. وديعة هذه الغزالة ..
حاول" لزهر" إطلاق النار ، لكن الغزالة راوغت وقفزت خلف الكثيب العالي ...
السائق" عبدالعزيز" وثب فوق الكثيب وثبة عملاقة كادت تقلب السيارة الضخمة ..
الغزالة تنطلق كالسهم ، وتنعرج يمنة ويسرة في محاولة لتعطيل حركة السيارة المجنونة ..
الغزالة المسكينة تنظر بعينيها الجميلتين هنا وهناك ، كأنها تبحث عن شيء فقدته ، وهي تقفز خائفة من هذا الغول المتوحش الذي يقتفي أثرها بسرعة رهيبة ..
"لزهر " يصوب بندقيته نحو الغزالة الفارة من الموت المحتوم ..
فجأة تسقط الغزالة لاهثة بين شجيرات صحراوية كثيفة ..
تقف السيارة .. وينزل الرجلان بسرعة للقبض على الغزالة المنهكة ، والملقاة على الأرض ..
لكن ، هنا ...
هنا في هذا المكان ...
هنا بين الشجيرات ، حيث سقطت الغزالة المسكينة ، توامان صغيران ينتظران امهما ...
** محمد الهادي بن عبدالله / تونس **

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق