الثلاثاء، 11 يناير 2022

هاجرة ليل /نجوى العريبي/تونس /جريدة الوجدان الثقافية


 هاجرة ليل

تلاطمت أفكاري كموج بحر هادر.إن الخوف يعتصر فؤادي. "سيطلق سراحه بعد ساعات كما أبلغني المحامي ولن يعتقني." داخلي مرجل يغلي ، سيعود ولن تجاوز فترة الهدنة أكثر من يوم،يقسم لي كعادته أنه قد تاب وثاب إلى رشده.حفظت عن ظهر قلب ترنيمته الشهيرة:
-لن يؤثر فيَ أصحاب السوء،لن أعاقر الخمرة مستقبلا...أم الكبائر تفقدني عقلي وآتي ما آتيه من موبقات...سامحيني وستجدينني زوجا آخر.
كم شنف آذاني بتلك الجمل!!
يا لغبائي كنت أصدقه،فلطالما رجوت صلاحه،واستجبت لرغبة أمي"الزوجة ألي تعفس على قلبها وتعدي كالشمعة على دارها تضوي".
لا أنكر أني بدوري وقعت في غرامه،راقني منه الجسم كمالا وجمالا...وسحرني منه لسانه الذلق، الغزِل؛ ففتنت به.لم أعر أهمية لمحدودية تعلّمه . كنت غرّة،حالمة بالحب، وفارس الأحلام ، وثوب الزفاف الأبيض...
واستفقت على الواقع المر . أتتني الصفعة الأولى على عجل، زوجي يشتغل يوما لينام باقي الأسبوع. فأصبحت معيلة له . بمجرد أن أتسلم راتبي ،فإنه يسارع إلى اقتسامه معي،إن لم يفتك مني جلّه. وجاءت الصفعة الثانية بسرعة الأولى،إذ اكتشفت خصلة أخرى لزوجي فهو بارع في الكذب،وتنميق القصص،فبعد مضي أشهر قليلة على زواجنا أوهمني أنه اشترك في تجارة مع صديق له ويحتاج إلى مبلغ مالي يقضي به شأنه بانتظار تصريف البضاعة.وككل زوجة مؤازرة لزوجها،واقعة تحت تأثير الغرام ،أخذت سلفة من البنك ،فعلت ذلك عن طيب خاطر ، أملا في تغييره،وضاع المال في السهر ومعاقرة بنت العنب،وسقطت أقنعته ،ومع كل قناع يهوي كان حبي له يذوي.وعندما أردت وضع النقاط على الحروف،بالانفصال،كانت قبضته إليّ أسرع. شدني من شعري ،قذفني داخل الغرفة وحبسني.صرخ متوعدا...ولما هدأت حمم براكينه اعتذر وظل يعد بإصلاح حاله.
-كيف تفكرين في الطلاق ؟نحن خلقنا لنحيا معا ولن يفرق بيننا غير الموت .
ومرة أخرى استحضرت مقولة أمي"ألي صبرت وعدات على دارها ضوات"...
في الحقيقة لم تكن لدي الرغبة لأعود إلى بيت أهلي معلنة خسارتي؛ فأنا التي تحديت كل أسرتي وفرضته عليهم ...
-هذا زواج محكوم بالفشل يا ابنتي لعدم التكافئ بينكما.هكذا خاطبني أبي،وترك لي حرية تحمل مسؤوليتي...واخترت...اخترته.
النوم يجافيني ، لملمت جسدي،ودفنت رأسي بين كفيّ وبكيت،سالت دموعي أودية،الخوف يحبسني في شباكه،الكوابيس تنتابني.
البارحة صحوت مرتعبة .نفس الحلم يتكرر منذ ليال وعقلي مشلول.لم أعد أميز بين ما حدث وما لم يحدث وما قد يحدث...
سيعود منتقما،لن يغفر لي فأنا التي زججت به في السجن ...
صوت حذائه الضخم يقرع الأرض"كيف سهوت عن تغيير القفل؟!
لأستقبِلْه،قبل أن يستشيط غضبا...لا ،لا أنا نائمة،لن أتركه يصحيني ...
آه عظامي تؤلمني،كأنها إبر الشوك تخزني .دكني دكا ؛ ذويت كما تذوي الزهرة التي اجتازت مراحل حياتها.وهذه المرة لم أتنازل عن قضيتي.
أذكر يومها، طرحني أرضاوتفنن في لكمي،سربلني الدم . استفقت في المستشفى والطبيب يخبرني:
-حمدا لله على سلامتك .عوَضُكِ على الله في الجنين.رضوضك كثيرة ...
وتتبعته عدليا
-يا سيادة القاضي،إنه اغتال جنيني وشرع في قتلي؟
اغتال روحي وأفقدني شهية الحلم ،سدّ عليّ منافذ الأمل.
-كيف غادر السجن بهذه السرعة؟إني خائفة،سأظل نائمة علِّي أحلم انه قابع في زنزانته...عتمة تلفني،
الدوار شديد. جسمه يعلو وينزل في لهاث مقيت ؛يغتصب حقه الشرعي ... إني أختنق
خندق موحل برائحة الموت الأسود ، السكين يغوص في صدره كما لو أنه غاص في قطعة زبدة.
-يا سيادة القاضي مطارق تدك رأسي وأصوات تصرخ بي :
-انتقمي ولو في الحلم ...ويغمى عليّ ،يداي ملطختان بالدم...
بقلم نجوى العريبي/تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق