جدلية العلاقة بين الهاوي والمحترف
..............................................
لاهمية هذا الموضوع في الصنعة الادبية والفنية وحتى النفسية والمادية في عوالم البناء والصناعة ، اخترت ان اتناول هذه العلاقة الجدلية في الثقافة والادب بشكل خاص ومعاني الجفوة والانكار بين قيم مفهومها ودلالاتها ..
ولكي نفهم اصل هذه العلاقة وجزئياتها لابد اولا من تعريف ومقدمة لمعناها ، فالهاوي في اللغة اسم فاعل من هَوى الشيء اي عشقه في مجال ما كالرياضة والعمل من دون احتراف ، بينما المحترف هو اسم من فعل احترف اي من اتخذ ما مهر بِهِ وعكف عليه وسيلة ( حرفة ) للكسب .
ومن بسيط مفهوم هذا المعنى فانه يتضح الفرق الواضح في بيانه بين الاسمين ، الذي لابد ان تكون بينهما علاقة جدلية نتوقف عندها لنفهم الفرق بينها وعلاقة كلا بالاخر ، ففي الادب وهذا ما يهمنا في الموضوع يصبح الفارق مفهوما وتكون العلاقة بين كل منهما بالاخر جدلا ماديا ومعنويا وفضاءا ممدودا لحدود يصعب تحديدها وتجريدها من مفهومها الحسي وبعدها النفسي .
ولربما هذه العلاقة الجدلية هي من اوجدت العلم الادبي المتخصص بالنقد والتوجيه والبيان ، فالفرق واضح في الحرفة والامكانية والقدرة في التعبير والفهم والكمال ، تلك التي تخلق قيمة معنوية وعنوانا فاصلا للخبرة والاحتراف وبين الرغبة والافتتان والتعلق التي تَظَل في حدود فقر المعرفة وضيق مداها وصورة رسمها .
وفي المفهوم الادبي خاصة تتجلى هذه العلاقة بشكل اكثر بيانا ووضوحا، فالمحترف الادبي ينظر لكمال قدراته بنظرة جد ورصانة وتعقّل للنص الادبي ولمخزون محتواه وعمق مراده وفحواه
متناولا كل جوانبه في البناء والنظم والقياس والحس ، بينما تتوارى هذه المعايير والقيم الادبية بدرجة تتفاوت عند الهاوي الادبي الذي لايلتفت اليها بنفس الدرجة والتقدير مما تتسبب في قطع حلقة موصول سلسلة حلقات العلاقة المطلوبة بينهما ، تلك العلاقة التي تجعل مفهوم الفارق الحسي ظاهرا وتخلق تهيّبا وخشية بين الطرفين.
ولكي نحافظ على تلك العلاقة المعرفية ضمن اطار معقوليتها ، فانه لابد للمحترف ان يعود بخلده الى بدايات هوايته وخطوات ترتيب انتقالاتها التي اخذت بِهِ الى هذا المنتهى المعرفي ويوظفها بِمِثلِ مهارته وحرفيته بما تؤهله هذه القدرة الادبية للتعامل المنطقي والمعقول مع حدود التعاطي وقابلية وفطنة وامكانيات الهاوي الرخوة الوليدة للحفاظ على سلامة العلاقة المتفاوتة وجدلها والتي يخوض الهاوي فيها عباب القياس والمنطق باتجاه يغاير ويجانب الادراك الحسي الفطري لديه لما يوحي اليه بالقدرة والمهارة في توظيف الموهبة وصقلها وفق رؤيته وشخصيته المعنوية.
اقول ان هذه العلاقة الجدلية في الادب تقع في مسؤولية البيئة والمحيط التي تستقطب هذه الفطرة وتعرضها بشكلها وثوبها الخادع المتلبس بلون الغلة الناضجة مع التحفظ على عيوبها وتشوهات مقاييس التعيير والتقويم الصحيح ، فيصبح المحترف فيها طرفا شاهدا غير مؤثر في عجلة تدوير خطها بالاتجاه المطلوب وتصويب مسارها بما يجب.
لربما الخوض في هذه العلاقة بهذا المعنى يبقى منقوصا مالم تتهيأ لها كل ظروف واحكام وتعاليم الجذب المسؤول الذي تشترك فيه البيئة والمحيط وكلا من طرفيها لفرز وتمييز خطوطها بشكل واضح بيِّن لا يقبل الظن او التشكيك او يغالبها المحاباة والمجاملة والمصالح ، والامل كل الامل ان ينتبه المحيط الادبي الداعم لهذه العلاقة الجدلية ويوظف كل الامكانيات المتاحة لجوها الطبيعي المتعافي .
وان من المفيد ان اذكر هنا ما اشير في مناسبة ادبية لشاعرة عربية متألقة ان الهاوي المتحرر من عُقد وضوابط واحكام التقييد التي تإتي كتاباته بعفوية يكون اقرب مِنهُ الى المجتمع والمتلقي العام المتابع مِنهُ الى المحترف الذي تاتي كتاباته غالبا لفئة النخبة ولقلة من متابعيه الذين يكتفون بالاعجاب للرد عليه ، وهي حقيقة تحتاج لمعالجة فنية و الى اعادة نظر وتحليل تستقرب بها الفئة العامة وذوق النخبة المختارة للتذوق الادبي على حد سواء .
اتمنى ان اكون قد وفقت في الطرح واترك الحكم والقرار لكم في الرد او القبول ، ومن الله التوفيق
.................................................
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق/ بغداد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق