حدثت الرواية فقالت ..
أسند ظهره لإحدى القائمتين العموديتيّن المرتبطتين بالسدادتين الأفقيتين.مرر ظفره على الخيوط المحكمة الشدّ فأحدث صوتا أطربه .عاود الكرّة مرّات فنهته أمّه.
ـ أركح آش تحب ؟
دار وراء المنسج واندسّ بجانبها متابعا حركتها وهي تُدخل بأصابعها الرقيقة الطعمة الملوّنة تسويها بالمرود ثمّ تدقّها بالخلالة الحديديّة فيتماسك النسيج متينا .
ـ اليوم الخميس.
فأعقبت مواصلة عملها.
ـ حاضر محمد, غائب إبليس.
ـ أيمّا باباعمر ما يغلبو حدّ ؟
ـ جدّك واعرإلي يتحكحك عليه وعلى ولادوإمشا.
ثمّ أرفت في فخر.
ـ ولادو شُرفة أمهم فاطمة بنت سيدنا عليه الصلاة والسلام
وعلاش تسئل؟
ـ أيمّا يِغْلِب الروامة ؟
توقّفت عن عملها ساهمة********************************
كانت قلوبهم هاشة إلى ليلة الجمعة موعد يفوزون فيه بساعات مترعة بالبهجة. ليلة جامعة لخلق كثير . ملامحها مألوفة ومُرتقبة.
هرولوا منحدرين ملتوين بين الأزقة وجهتهم جنوب القرية حيث مقام جدّهم الوليّ " سيدي عمر"
من النجوع والسفوح جاءوه مدفوعين بما فيهم من نقائص وعلل كالسقم و الفقر و تعطّل النصيب و عدم الإنجاب. احتاجوا للبركة فعقدوا النيّة. بذروا العطايا على شحتها. قمح و بيض ودجاج وسمن ودواب قرابين تُنحر على أعتابه.
مستنشقين من أردانه المسك والعنبر.يتلمّسون جدرانه وسناجقه المتدليّة فوق ضريحه المحاط بسياج خشبيّ من خلاله يهمسون بشكواهم وطلباتهم داعين بأفظع المصائب وشنيع العلل والرزايا على من ظلمهم أو قهرهم.
تغزوهم سكينة الواثق بحسن الإجابة فتطمئن نفوسهم وتهشّ لمراقبة الآخرين وتبادل أطراف الحديث فتتوطّد العلاقات وتتكاثر الحكايات تلكوها الأفواه المنتظرة المتلمظة لطعام الزيارة " الكسكسي " بلحم خرفانهم وليمة تخرج من أحواش "العكارمة"
ـ ابعد آ المكي "سيدي عبد الملك" حروجي ما يحبّش شكون يطلّ عليه.
ـ هو أعمى ما يشوفش.
ـ تو يدققك
متوجّسا تراجع التحق بأترابه المتراكضين بين القبور وفوقها.لعبوا وتعابثوا ما شاء لهم. زحف الليل فتسلّلت الشمس غائصة خلف القبّة الصغيرة البيضاء هرولوا خارجين,متدافعين,متصايحين.
ـ اجري ...اجري ... جاك ....جاك ...جاك
رام المكّي اللحاق بهم لكنّه انجذب بعنف اندفاعه فانكب على وجهه غير مدرك لما ألمّ به. تفتّحت مغالقه على قفر المكان فرأى يدا منزوعة اللحم تُشرّع أصابع بأنياب حادة تخرق ثوبه وتسحبه ليسقط بجانب القبر المفتوح. استحالت حركته الهوجاء المتوترة وصراخه المبحوح إلى سكينة غارقة في بركة من البول.
شقوا الطريق الفاصلة بين المقامين وانتشروا بين الحلقات يستبسلون في الفوز بقطعة لحم ممنّين الكرش الخاوية بشبعة من الكسكسي ,
نفض أحمد يده ثمّ لعق أصابعه . تفرّس في وجوه المتحلقين بالقصاع فما وجد صديقه . رفع رأسه مناديا
ـ ها المكّي ...المكّي
جرى بين الحلقات باحثا مناديا ثمّ طاف يرجرج رفاقه المنغمسين في لقف اللقم الهائلة في أفواههم.
ـ شفتش المكيّ ؟
هاله أن يعود وحيدا إلى ظلمة ووحشة المقبرة الغارقة تحت أشجار الكلتوس صرخ بأعلى صوته .
ـ المكّي العكرمي ضاع في الجبّانة .
هرع الكبار والتحق بهم الصغار في حذر متساندين ما تجاوزوا البطحة المتاخمة للمقام حيث نعشان فارغان.
تعالت الأصوات مناديّة عن الصبيّ الضائع . مهتدين ببصيص القمر المحتجب بين سحب عالية فتّشوا بين القبور ونزل بعضهم إلى تلك المفتوحة متحسسين متوجسين مقشعرّة جلودهم رهبة ووجلا من وطئ عالم الأموات .
ـ لقيته ....لقيته
كخرقة بالية رفعوه ثمّ هرولوا به خارج المقبرة مكبّرين مبسملين .
ـ حليلي ....حليلي على وليدي .
عارية الرأس منفوشة الشعر دارت بها النسوة.
صرخ فيها زوجها
ـ سكري فمّك . الطفل لاباس .
هادية آمنة
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق