من أنا حتَّى أكون كاتبا
لا أهميّة للأثر الفنّيّ إذا كان مجرّد رصف للدّلالات على حساب المدلولات ولا يمكن للخيال أن يحلّ محلّ الواقع إلاّ إذا ساهمت قدرة الخلق لدى المبدع أو الفنّان في جعل ذلك الخيال واقعا منسجما مع المستقبل أي أكثر واقعيّة.
ولا يعتبر المبدع مبدعا أو الفنّان فنّانا أو الكاتب كاتبا إلاّ إذا آمن به المستقبل قبل أن يؤمن به الحاضر.
وقد يتمّ تجاوز المخاطب أحيانا كما تتحقّق دعوته إلى بعد أوسع من بعد الحاضر أحيانا أخرى وقد يصاب حاضر الفنّ بالصّمم ولكنّ الفنّان المتأصّل هو الّذي يصنع في الحاضر الأصم آذانا يسرق المستقبل منها الأصوات والأفكار الّتي تحدّد ملامحه وتؤثّر فيه وتنسج صوره وتلوّنها وتبعث فيه الوعي بذاته .
والكاتب الأصيل لا يكتب للّذين يكبّلون الحاضر ولا يكتب للتّراجع ولا يكتب للمنبتّين ولا للمستخفّين ولا للمغرورين ولا لأصحاب الإدّعاء بل لا يكتب لأحد وإنّما يكتب فيصنع من خلال ما يفعل أغلب الّذين يكتب لهم.
ما أعسر أن أنصهر في هذه الأبعاد الَّتي توغَّل فيها بعضهم بأناة وثبات وحنكة وأنا نتاج بلون وطعم وشكل أزمنة الرَّداءة الَّتي ولدت وترعرعت فيها.
وأنا أعيش بعض تفاصيل هذه الأزمان كيف تريدني أن أعتلي صهوة الإبداع الَّذي وصل إليه من سبقونا او من سيلحقونا وأنا كائن عاديّ لا أملك من البلاغة والقدرة ما يمكّنني من أن أصوغ الإبداع الَّذي أصبو إليه إلاّ بمقدار متواضع جدّا فليكن عفوكم سابق واليكن عفو القارئ أكبر من عفويّتي وهو يتصفّح هذا الأثر المتقطّع كتقطّع ذاكرتي وهذه المقاصد المولودة قيصريا كالعسر الّذي أنجبتني به أمّي في يوم من الأيّام.
المتهم بالشعر عزالدين الشابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق