الأربعاء، 12 يناير 2022

من رحم المعاناة تولد الحياة بقلم الكاتبة روضة القلال

من رحم المعاناة تولد الحياة
أسير ولا أعرف المصير لم أعش منذ طفولتي لهو الصغار ولا مرحهم نضجت قبل الأوان نضج سنابل قمح انحنت هاماتها بعد أن اكتنزت حباتها وتلونت بلون الذهب بعد اخضرار واستقامة والفضل كل الفضل يعود للظروف القاسية لرياح الحياة الثائرة وعواصفها الهوجاء لأحزانها وأشجانها التي جعلتني صلبة قوية يشتد عودي في الليالي السود رغم الأذية .شقيت وبكيت عديد المرات و حرمت من عديد الملذات رغم تعدد المسرات هكذا هي الحياة يوم لك وأيام عليك تضرك ولكنها تسرك تأخذ منك ولكنها تعطيك تقسو كزوجة أب شريرة و لكنها ترحم حين تحرم و تحنو حنو أم شفوق إنها تجعلك تينع حين تمنعك من عدة أمنيات تكاد تكون مستحيلة التحقق. تنهضك بعد أن توقعك لتعلمك أن لكل جواد كبوة وأن الضربة التي لا تقسم الظهر تقويك و أن الإنسان ليس كاملا يعيش أبد الدهر على الجسر يسد نقصه يتغلب على ضعفه وأن تحقيق الكمال من المحال هو انحدار نحو الهاوية و سير نحو النهاية
كنت في البداية إنسانة مرهفة الإحساس أتأثر سريعا بأقوال الناس دموعي سريعة السيلان كمطر يهمي على الخدين يجرحهما و يذبلهما غير قادرة على المواجهة أو المبادرة كالعصافير المقرورة التي فقدت عادة الطيران في يوم ثلجي قارس ترقص في فرح شيطاني لا تعرف سبل الخلاص. أرفع يدي إلى خالقي متوسلة إليه راجية منه النجاة أشعر بغربة من هاجر مسقط رأسه على الرغم منه و ذات يوم فاض الكأس بقطرة أعادت لي توازني وعدلت كفة ميزاني وأخرجتني من أحزاني بعد أن حفرت أخاديد عميقة في فؤادي المحب للحياة وحل البأس و أدين بالفضل للحب ذلك الخيط المتين الذي يشعرني بالحنين لكل شيء جميل ذلك الحبل الذي يربط الماضي بالحاضر و الآتي يجعلني أواصل الدرب الطويل الشاق و المرير في ليل حالك الظلمة لا من أجل نفسي بل من أجل من أحب أفعل المستحيل ولا أستقيل أسافر على أجنحة الخيال الأثير لتحقيق الكثير بعد أن عشت الجفاف والسنوات العجاف في أرض جبلية قاحلة صعبة ترهق كل فلاح مخلص في عمله متفان ديدنه الإتقان يتمم أقدس من فروضة ليسد رمق أسرته ويحقق أود عائلته مؤمن شديد الإيمان أن الله يحبه. لقد كانت همتي قوية وعزيمتي فولاذية بها صنت ماء وجهي ولم أهرقه لأحد غيري و واسيت نفسي بنفسي وأنصت إليها وتصالحت معها و خِطْتُ جراحها و رتقتها .كنت لها صديقا وأنيسا و طبيبا أحضرت بلسما لسقمي به تغلبت على سأمي لقد عانيت وما شكوت وضعي لأحد، لإيماني أن الشكوى للناس منقصة .و تأذيت لكني صبرت وتأنيت
.والآن آن لي أن أعتز وأفتخر بما قطفت وجنيت بعد أن زرعت وسقيت وأرجت بساتين حياتي عبيرا وعطورا بأكاليل الأزاهير و الورود حمر الخدود ليس في الأمر أي غرور فلا داعي لإخفاء السرور.
أرهقتني سنوات الدراسة أرهقتني أيام البطالة لكن العمل أنقذني و كان سندي لقد اعتبرته فنا أخلصت في آدائه شبهته بالصلاة قدسته فكان لي خير معين حين تشتد الحياة أو تلين وكان أبنائي مرايا تعكس الخفايا ترسم أحلاما و زوايا كالدروب تضيق حينا وتتسع أخرى هم أملي حين يشتد ألمي يبتسمون لي حين تكشر لي الدنيا عن أنيابها فيعيدون لي الحياة بعد الضياع والتيه في بحر الأوهام أحببتهم حتى اقتنعت أن ما مر من العمر كان انتظارا لهم قبل مجيئهم إنهم يزينون لوحاتي بألوان قوس قزح السبعة المتدرجة لا ينبض قلبي إلا على نبض قلوبهم وأوتار عودهم. من أجلهم هدمت جدران اليأس بمعولي وفأسي وببنيت قصور التفاؤل بعزمي وحزمي ومشيت مرفوع الرأس مشرق الوجه.
درست في عدة مدارس وتربيت على يد مربين أفاضل كانوا لي خير قدوة وأسوة أسير على خطاهم وأهتدي بسِيَرهم واكتشفت أن الحياة أهم مدرسة فيها تكونت عناصر جسمي وروحي فيها أثبت توازني بعد تمايلي ذات اليمين واليسار وتأرجحي من مسار إلى مسار منها تعلمت العادات والتقاليد وفن المعاملات أرقى العبادات وأعسرها.ووعيت أن الأخلاق هي أساس النجاح وسر من أسرار الفلاح. بها الإنسان يرتاح وبدونها الفجر لا ينبلج والظلمة لا تنزاح. إنها روح الإنسان حين يتخلى عنها يُهزَم ويَفشَل يجرفه تيار الانحرافات فلا نجاة في الفلاة .ويغرق في مستنقع عكر ينتحر انتحارا بطيئا فيخسر دنياه وآخرته ويموت وهو على قيد الحياة يموت حتى قبل أن يولد.
كان دعائي ورجائي في صباحي ومسائي أن يرزقني ربي خير الأرزاق الصحة والعافية وأن يجملني بجميل الأخلاق التي بها أتسلق سلم المعالي والقمم الشماء في زمن انعدمت فيها القيم السامية وكثرت المجاملات وتغلبت المظاهر على الجواهر واختفت الوجوه وراء الأقنعة فإذا الحياة مسرح وحفل تنكري يشارك فيه الجميع ولا يبتهج إلا القليل. لا أحد يعرف الآخر ولا أحد يفكر في غيره .تهيمن عليه المصالح وتطغى فيه الأنانية فتكثر الصدمات والصدامات وتنعدم الثقات وتظهر الزلات وتروى الخرافات .فلا وفاء ولا إخاء ولا حفظ للأسرار في الليل و لا النهار
سأتمسك بأخلاقي مهما تدنّت أخلاق الناس فهي جوهر حياتي الصميمة وسر تعلقي بها بعد أن أيقنت أن الروح تحيا بالحب والحنان لا بالكره والضغينة.
بقلمي روضة القلال
11جانفي 2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق