الخميس، 14 أكتوبر 2021

كاتبة ايرلندية..ترفض بيع حقوق الترجمة لناشر إسرائيلي! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 للإفادة..ليس إلا :

كاتبة ايرلندية..ترفض بيع حقوق الترجمة لناشر إسرائيلي!
في وقت كان فيه عالمنا منشغلا بخبر فوز الأديب البريطاني عبد العزيز جرنة بأكبر جائزة في الدنيا، نوبل، طفا على السطح بغتةً خبر آخر مثير للجدل، انتشر في ربوع العالم انتشار النار في الهشيم. فقد فاجأت الكاتبة الإيرلندية سالي روني الأوساط الأدبية والإعلامية والجماهير والمتابعين الأوفياء لها في بريطانيا وأوربا والعالم بقرارها رفضِ عرضٍ من ناشر إسرائيلي بترجمة رواية (عالم جميل، أين أنت) إلى اللغة العبرية. فمن تكون سالي روني؟ وما الذي يجرّ كاتبة أوروبية إلى اتخاذ قرار مماثل وهي تحيا في دولة بالمحيط الأطلسي أبعد ما يكون عن الشرق الأوسط ونزاعات المنطقة؟ وكيف يفسر هذا الموقف على ضوء مواقفها السابقة؟
الروائية الأكثر مبيعا
ولدت سالي روني في مدينة كاسلبار بمقاطعة مايو بإيرلندا يوم 20 فبراير / شباط عام 1991، وانتقلت في وقت لاحق إلى العاصمة دبلن، حيث درست في كلية ترينيتي وحصلت في وقت لاحق على درجة الماجستير اختصاص أدب أمريكي عام 2013. سالي روني روائية وكاتبة سيناريو إيرلندية، نشرت عدة روايات لقيت استحسانًا نقديًا ونجاحًا تجاريًا باهرا في العالم. كتبت (حوارات مع الأصدقاء)، رواياتها الأولى في عام 2017 وهي تحضر الماجستير. وفي السنة الموالية، نشرت روايتها الثانية (أناس عاديون) عام 2018، وروايتها الأخيرة (عالم جميل، أين أنت) عام 2021.
روايات عاطفية
كتابات سالي تروي قصصا عاطفية، أبطالها أصدقاء وعشاق من طبقات اجتماعية مختلفة، على منوال رواية (أناس عاديون) التي تروي قصة كونيل وماريان، وهما طالبان (ينتقلان من المدرسة الثانوية إلى الجامعة، وتربطهما علاقة رومانسية متقطعة. وتستخدم الكاتبة أسلوبا سهلا مجردا من الحشو واللف والدوران. سالي من الأدباء الأكثر مبيعا في العالم، فرواية (أناس عاديون) استطاعت أن تكون ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة، حيث بيع منها ما يناهز 64000 نسخة في الأشهر الأربعة الأولى من إصدارها. وتم إدراجها في القائمة الطويلة لجائزة مان بوكر لعام 2018.
ومَن لم يكتشف سالي روني من خلال مؤلفاتها، يكتشفها حتما من خلال العالم المرئي حيث تم تحويل الرواية إلى مسلسل تلفزيوني عام 2020 بمشاركة شبكة الأخبار البريطانية البي بي سي. وقد نظر عدد من النقاد إلى هذه القصة على أنها هدية نادرة للرواية التي يستطيع أن يستمتع بها قراء من جميع الأذواق.
تعلن مقاطعتها
صحيفة هآرتس الإسرائيلية كانت من الصحف السباقة إلى نشر خبر القرار حيث أعلنت أن وكيل سالي روني أبلغ مؤسسة النشر الإسرائيلية (مودان) أن الكاتبة غير مهتمة بترجمة روايتها إلى اللغة العبرية رغبة منها في المشاركة في المقاطعة. وذكر ناطق باسم دار النشر العبرية أنّ مؤسسة (مودان) لم تتلق أيّ تفسير لقرار الكاتبة الامتناع عن إصدار كتابها الأخير في إسرائيل. سالي روني لم تتردد لاحقا في توضيح أسباب القرار حيث قالت، “ببساطة لا أشعر أنه سيكون من الصواب بالنسبة لي في ظل الظروف الحالية أن أقبل عقدا جديدا مع شركة إسرائيلية لا تنأى بنفسها علانية عن الفصل العنصري وتدعم حقوق الشعب الفلسطيني التي نصت عليها الأمم المتحدة”.
مدى ارتباطها بالسياسة
قرار سالي روني مقاطعة إسرائيل يدعونا حتما إلى التساؤل عن مدى ارتباط أعمالها الأدبية بالسياسة وحركة النضال السياسي في العالم. يرد على هذا السؤال بعض النقاد مؤكدين أنّ سياسات روايات سالي “إيمائية” إلى حد كبير، فهي تحمل إشارات إلى مسائل سياسية شائكة على منوال قطاع غزة، ولكنها في واقع الأمر لا تحمل مضمونا راديكاليا يذكر. وبعبارة أخرى، السياسة في أدب سالي روني شكل وتنميق ومكياج أكثر منه باطن ومضمون وأساس تبنى عليه الرواية. فهي أساسا لا تغوص في المسائل السياسية من خلال كتاباتها، وإنما تكتفي بإضفاء لمسات سياسية خفيفة عليها أو تقوم ب”تزيين” رواياتها الغرامية بالسياسة.
طبيعة المقاطعة
وبذلك يمكننا أن نقول إن قرار سالي لا يبدو سياسيا بالمعنى الصحيح للكلمة. فهو أقرب إلى الاحتجاج المدني أو بالأحرى هو تلبية لدعوة بالمشاركة في احتجاج مدني أو مقاطعة سلمية، وهو ما أكدته الكاتبة في تصريح حيث قالت، “أنا أستجيب لنداء المجتمع المدني الفلسطيني .” والكاتبة تقرّ أنّ الانتهاكات لا تخص إسرائيل وحدها ولا تقتصر على دولة دون أخرى في العالم حيث قالت، “العديد من الدول غير إسرائيل مذنبة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.” وإننا إذا أمعنا النظر في قرار المقاطعة أدركنا أنه لا يكتسي صبغة عرقية أو دينية تذكر. فالكاتبة لا تبغض الشعب الإسرائيلي ولا لغته العبرية، إذ يكفي أن نقول إنها قد سمحت من قبل بترجمة أول كتابين لها إلى اللغة العبرية. فهذه ليست أول مرة تتعامل فيه سالي مع مؤسسة النشر الإسرائيلية. ففي رسالة بالبريد الإلكتروني، أكدت سالي روني أنها فخورة بنشر أول روايتين لها (أناس عاديون) و (محادثات مع أصدقاء)، بالعبرية. وأكدت الكاتبة مؤخرا أنها تتطلع إلى ترجمة روايتها الأخيرة إلى العبرية من خلال مؤسسة مختلفة، في ظروف مختلفة حيث قالت، “وبالمثل ، سيكون شرفًا لي أن تترجم روايتي الأخيرة إلى العبرية وأن تكون في متناول قراء اللغة العبرية.”
الترجمة تثير الجدل
قرار سالي روني يتصدر اليوم واجهات الصحف البريطانية والغربية، مثيرا جدلا واسعا في وقت يستمر فيه جدل آخر مماثل في وطننا العربي عما إذا كان يحق ترجمة المؤلفات الأدبية من وإلى اللغة العبرية. المسألة تثير جملة من الأسئلة العامة عن وظيفة الترجمة التي أمارسها منذ سنوات طويلة في بريطانيا، بما في ذلك في مجال الطب حيث يبرز دور المترجم في مساعدة الأطباء والممرضين على التواصل مع مرضى من مختلف الأعراق والألوان في مجتمع يطبعه التنوع الديمغرافي، وتقديم الإسعافات والعلاجات وإنقاذ حياة بشر بغض النظر عن الجنس أو اللون او الجنسية أو اللغة… فإن كان من قواعد وشروط وظيفة الترجمة الحياد والنزاهة والأمانة، هل يحق للمترجم التخلي عن مبادئ مهنته والسماح للمسائل السياسية التدخل في وظيفته والانحياز لطرف والامتناع عن الترجمة لطرف؟ وهل الترجمة وظيفة مستقلة محايدة تساعد على التواصل بين الأفراد والشعوب والأمم أم أنها رهينة المواقف والصراعات والضغوطات السياسية المتغيرة؟ أسئلة كثيرة عن مهنة الترجمة تبقى عالقة تنتظر الرد، وسأعود إلى هذا الموضوع حتما مستقبلا بحكم اختصاصي وعملي وتجربتي في هذا الحقل في المملكة المتحدة.
محمد المحسن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق