الشاعرة التونسية المتميزة جميلة عبسي : "الولوج الى عالم الشاعر عمل شاق وشائك.."
ليس مشكلة في أن تستحيل-كاتبا مبدعا-،فالمفردات والألفاظ مطروحة على-رصيف-اللغة،لكن الأصعب أن تكون ذاك المبدع القارئ،وهذا الدور المزدوج يجعل -الكاتب-كرها ملتزما أمام قارئيه في أن يقدّم لهم قدرا معرفيا ومعلوماتيا مهما يشارف اكتمال ثقافة الآخر الذي يجد ملاذه المعرفي عند كاتبه،
هذا الدور قامت به الشاعرة التونسية جميلة عبسي عبر مشروعها الشعري،ومن خلال -إبداعاتها-المدهشة(وهذا الرأي يخصني)
وهنا أقول : إن كبار الكتاب والشعراء من أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس ويوسف الخال ومحمد الماغوط مرورا بالاستثنائي محمود درويش وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغيرهم..
كانوا يمررون قدرا معرفيا مذهلا عبر سياقاتهم النصية الإبداعية أو السردية مستهدفين خلق حالة من الوعي المعلوماتي لدى القارئ الذي اختلف دوره عن السابق بعد أن استحال شريكا فاعلا في النص،غير هذه الشراكة الباهتة التي أشار إليها رولان بارت بإعلان موت المؤلف/الشاعر.
فالمؤلف أو الشاعر، لم يعد ميتا كما استحال في سبعينيات القرن الماضي،ولم يعد إلى أدراجه القديمة منعزلا عن نصه،بل هو الصوت الآخر الذي يدفع القارئ إلى البحث عن مزيد من التفاصيل واقتناص الإحداثيات السردية أو الشعرية بمعاونة الكاتب نفسه.
حين سألت الشاعرة التونسية المتميزة جميبلة عبسي عن الشعر وجمالياته في زمن ضللنا فيه الطريق إلى الحكمة أجابتني بإبتسامة عذبة قائلة :
الولوج الى عالم الشاعر عمل شاق وشائك ,اذ الشعر عصارة تجارب ذاتية موشاة بغموض ساحر .
يجذبك سحر الغموض،تسبح بحثا عن المعنى اللابس أردية قشيبة تارة ,هي الإستعارة واخرى الكناية ,وثالثة الرمز والاسطورة .
تلك التلونات الاسرة تلاحقها , بحسك وحدسك,فيفتنئ الجمال ليوشك ان ينأى بك عن البحث في متن اللغة عن المضمون ما يضطرك الى تعرية اللفظ المتلفح .ضباب الذات المحترقة في اتون المعاناة .
الشعر رحلة شاقة ,ولكن لذيذة ,اذ تجد نفسك على متن الريح وقد نبتت لك أجنحة ايرية ,معانقا الجمال متقصيا أبعاده في جنائن الشعر الغناء.
وفي غمرة التحولات بشأن مفاهيم الشعر,يصبح تقويم اي تجربة شعرية رهينا بمزاج الشاعر والمتلقي معا ,فللشاعر أسلوبه ومزاجه ومثله المتلقي بحسه الفني
لذلك اما أن ترى نصا شعريا ,حين تقرؤه مترنحا بين ما أنت بصدده ,من جديد شكلا ,ومضمونا,ورواسب ثقافية أدبية ومعايير قديمة .وهي الأزمة التي عاناها المحدثون منذ السياب ونازك الملائكة …وصولا الى شعراء قصيدة النثر ..حيث كانت الحرب ولا تزال ضد الجديد,وتحديدا ضدّ قصيدة النثر،الى ان خفّت حدّة الصّراع في العقود الاخيرة,واخذ-الشعر في تجلياته الخلاقة موقعه في الحركة الشعرية عبر روّاد كبار استطاعوا بابداعهم تجاوز النقد التقليدي مسقطين عن تجاربهم الحذر والخوف من المحافظين
..على متن الايقاعات اللونية بألوان العاطفة شعرا خلاقا مطرزا بالجمال وحب الحياة ,تمضي جميلة عبسي في اثير الكون,على أجنحة الخيال نحو رحاب الرؤى مترنحة بين اليأس والامل..بين الغياب وأمل اللقاء ,حالمة بماء ضوء الحياة,ونقاء الحب عسى تغمد جراح روحها النازفة,وذلك في قصائد تحوكها بخيوط القلب وتكتبها بندوبها النازفة,واحلامها المجنحة..قلقة,قلق الشاعر الذي لا يكل
في ختام حديثها-المقتضب-معي دعت الشاعرة جميلة عبسي إلى حب الوطن والحوار الهادف وترسيخ ثقافة السلم و السلام ونبذ التطرف..
هي ذي الشاعرة التونسية المتميزة جملة عبسي تطالعك قصائدها برقة المشاعر,وشفافية الروح,وانسياب اللغة الملتهبة بعواطف تتفجر لهبا حينا,وحينا اخر تتهادى باثوابها الزاهية لتحكي شغف الشاعرة,شوقها ,وولهها وحرقة الغياب .تلك الحرقة التي تنهارأمامها الروح فتترجمها عذوبة رقراقة تستدرّ الدّمع بقدر ما تستفز الألوان الزاهية مشاعر عاشق موله فيسبح على أجنحة الاحلام وإن-أحيانا- مخذولة
جميلة عبسي-دون محاباة ولا مجاملة-وأنا الذي لا يتناول قضائد الشعراء بمختلف مدارسهم الشعرية بأنامل الرحمة-تمثل مشروع شعري واعد وطموح من شأنه أن ينضج أكثر فيثمر المزيد من طيبات الإبداع في المدى المنظور..
ولك مني أيتها الشاعرة باقة شكر وإمتنان
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق