الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

تجليات البعد الفني واللحني في قصيدة الشاعر التونسي القدير طاهر مشي" المُصْطَفَى العَدْنان" (تقديم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن)

 تجليات البعد الفني واللحني في قصيدة الشاعر التونسي القدير طاهر مشي" :

المُصْطَفَى العَدْنان"
(تقديم محمد المحسن)
المديح النبوي هو ذلك الشعر الذي ينصب على مدح النبي (صلعم) بتعداد صفاته الخلقية والخلقية وإظهار الشوق لرؤيته وزيارة قبره والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياة الرسول (صلعم)، مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية ونظم سيرته شعرا والإشادة بغزواته وصفاته المثلى والصلاة عليه تقديرا وتعظيما.
وۥيظهر الشاعر المادح في هذا النوع من الشعر الديني تقصيره في أداء واجباته الدينية والدنيوية، ويذكر عيوبه وزلاته المشينة وكثرة ذنوبه في الدنيا، مناجيا الله بصدق وخوف مستعطفا إياه طالبا منه التوبة والمغفرة. وينتقل بعد ذلك إلى الرسول (ص) طامعا في وساطته وشفاعته يوم القيامة. وغالبا ما يتداخل المديح النبوي مع قصائد التصوف وقصائد المولد النبوي التي تسمى بالمولديات.
وتعرف المدائح النبوية كما يقول الدكتور زكي مبارك بأنها فن:"من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص". (1)
ومن المعهود أن هذا المدح النبوي الخالص لا يشبه ذلك المدح الذي كان يسمى بالمدح التكسبي أو مدح التملق الموجه إلى السلاطين والأمراء والوزراء، وإنما هذا المدح خاص بأفضل خلق ألا وهو محمد (صلعم) ويتسم بالصدق والمحبة والوفاء والإخلاص والتضحية والانغماس في التجربة العرفانية والعشق الروحاني..
وهنا أضيف:
ربما لم تنل القصائد الدينية حظها من المتابعة مثل بقية أغراض الشعر العربي المعروفة، وربما يرجع ذلك إلى أن غرضها شائع بين الناس، عبر الأزمنة، ووضوح معانيها ومضامينها من حيث هي تضرع لله عز وجل، أو مدائح نبوية، أو قد يكون ذلك بسبب من عدم خضوع أشكال أدائها الفني والفكري للتغير حسب المناهج النقدية التي تعنى بالحركات الشعرية ومصطلحاتها الشائعة في النقد العربي والعالمي.. كما أن القصائد الدينية تذاع يومياً في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، خاصة في أوقات الصلاة، والأعياد والمناسبات الدينية، وهي مفهومة بما فيه الكفاية بالنسبة إلى مختلف مستويات الثقافة.
من حيث التفصيل الشكلي،تنقسم هذه القصائد بحسب الأداء الفني واللحني لها،وحسب المقامات، إلى الابتهالات (وتتكون من النص والصوت الحسن والنغم والارتجال)، ولا تصاحبها الآلات الموسيقية..والتواشيح، والموشحات (وهي نوع من الشعر استحدثه الأندلسيون،وله أشكال مختلفة لا يتقيّد فيها النَّاظم بقافية واحدة، وقد سُمّي كذلك لأنه يشبه الوشاح بأشكاله وتطريزه)، والإنشاد الذي (تصاحبه الآلات الموسيقية، ويكون بقصيدة شعرية كاملة)،وهذه القصائد كتبت للإنشاد،في حين هناك الكثير من القصائد التي كتبت تأثراً بسيرة النبي المصطفى، كقصائد وليس للإنشاد.. ولها ميزاتها وخصائصها المختلفة.
وفي هذا التدفق الروحاني الفياض بالنفحات الإيمانية الصافية الخالصة،تبرز وتتجلى قصيدة الشاعر التونسي الفذ طاهر مشي (المُصْطَفَى العَدْنان")
هذه القصيدة التي اتسمت بالجزالة،والعمق والوضوح،في بناء فني فخم،وأداء رصين،شكلت-في تقديري-ملامح خاصة،مطرّزة بالإبداع والتجديد ،وقد جمعت بين الدلالة الحرفية الحسية والدلالة الصوفية الروحانية..
قبعتي..يا شاعرنا الفذطاهر مشي-
على سبيل الخاتمة :
ويتضح لنا-مما سبق ذكره -أن شعر المديح النبوي شعر صادق بعيد عن التزلف والتكسب، يجمع بين الدلالة الحرفية الحسية والدلالة الصوفية الروحانية. كما يندرج هذا الشعر ضمن الرؤية الدينية الإسلامية، ويمتح لغته وبيانه وإيقاعه وصوره وأساليبه من التراث الشعري القديم.
والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا : إلى أي مدى يمكن الحديث عن المديح النبوي في الشعر المعاصر، أي في قصيدة التفعيلة والقصيدة النثرية؟ وهل ثمة حضور لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالصورة التي وجدناها في الشعر التراثي القديم أو الشعر البياني الحديث أم بصورة أخرى مخالفة؟
هذا ما أفادنا به الشاعر التونسي القدير طاهر مشي في قصيدته العذبة التالية :
المُصْطَفَى العَدْنان
''''''''''''''''''''''''''''''''''
سُبْحَان رَبّي قَد خَلقْتَ الأَكرَم
هُو الرَّسول المُصْطَفَى العَدْنان
خَير البَرِيّة إذْ أتَانَا رَحْمَةً
هُو الحَلِيم الأَكْرَم المَنَّان
يَا سَيد الآيَات جِئْت شَاهِدا
فُرْقَان وَحْي مِن هُدَى القُرْآن
تَبْكِي عُيون الخَلق دُون رُؤاك
يَا أنْقَى خَلق الله فِي الأكْوَان
يَا مَولد القُرآن فِي مَسْرَاك
يَا شَافِعا للخَلق وَالدَّيَان
كُنتَ النَّذِير لأُمّةٍ نَزَفَت دَمًا
حِين ابْتَلَتهَا ظُلمَة الطّغْيان
كُنت الأمِير وعَهْدك الصَّفح إِذا
جَاءَتْك طَائِفَة بهِا الخُذْلان
عَلَّمْت دِين الله للإنْسَان
عَلمْت حُسْن الخْلق وَالإحْسَان
خَير البَرِية يَا حَبِيب الله
ذِكْرَاك أنْسُ زَهْوَة الأوْطان
جِئتَ بِقُرآن حَكِيم حُكْمه
مِنْه النَّجَاة وَآية وَبَيَان
نِبْرَاس عِلم نُورُه الدُّنيَا ضِيَا
صَبُّ غَزِير الوَحْي والسًّلْطان
هُو الحَليم إِذِ اصْطَفَاه رَبُّنا
خَير العِباد الهَادِي الرّيَان
كًنت حَبيب المُصْطَفَى وَرَسُول
جِئت بِوَحْي رَحْمَة الإنْسَان
صَلوا عَليه وَسَلِّمُوا تَسْليما
هُو الحَبِيب المُصْطَفَى العَدْنان
(طاهر مشي)
(1) انظر الدكتور زكي مبارك: المدائح النبوية في الأدب العربي، منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت، الطبعة الأولى 1935، ص:17.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق