..... أمسية السّرد الاستثنائيّة في ( اتّحاد الكتّاب التّونسيّين) :
الرِّوائيّة ( حبيبة محرزي) في ضيافة نادي الشّعر .....
التقى روّاد نادي الشّعر و أحبّاؤه أمس الاربعاء 23 جوان 2021 ، في موعد و نشاط استثنائيّين ، الرّوائيّة الأستاذة (حبيبة محرزي) احتفاء بها و بروايتها البديعة الصّادرة منذ أيّام تحت عنوان ( سَبْعْ لَفْتاتْ) . وهو تقليد نُباشره استثنائيّا في نادي الشّعر إكراما لزملاء و اصدقاء بيننا يجمعون في الكتابة بين الإمارتين : إمارة الشّعر و إمارة السّرد ، وقد وجد اقتراحنا هذا هوًى في نفس اخينا رئيس اتّحاد الكتّاب التّونسيّين الأستاذ الشّاعر ( صلاح الدّين الحمادي) فوافق علىه مباشرة تحيّة منه لأهل الشّعر و السّرد معًا ، فلهُ منّا دائما جزيل الشّكر على دعمه الكبير لنشاط النّادي منذ سنة 2017...
وَ لانّ اسم ضيْفتنا الاستاذة ( حبيبة محرزي) رائج أكثر بيْن الإخوة و الاصدقاء العراقيّين الذين تتفاعل معهم عبر الوسائط الاجتماعيّة منذ سنوات. فقد ابى صديقها الأديب ( عبد السّادة جبار) إلّا ان يفتتح الأمسية بِعُجالة عنوانها ( شهادة عراقيّة لمُبدعة تونسيّة) حيّا فيها ضيفتنا، و من خلالها حيّا كلّ الأدباء التّونسيّين مُبرزا اهمّيّة ما تبدعه الاستاذة ( حبيبة محرزي) تونسيّا و عربيّا ، و مُنوّها بشجاعتها في تبنّي قضيّة المرأة و برصانة طرحها. و قد تفضّل أخو ضيفتنا عميد المُحامين الأسبق الاستاذ ( عامر المحرزي) بتلاوة هذه الشّهادة على مسامع الحاضرين مُفسحًا المجال، إثر ذلك، لتقديمها و روايتها بطريقة أشمل حيث عرف الحاضرون انّ ( حبيبة المحرزي) أصيلة مدينة القيروان درست فيها مرحلتي تعليمها الابتدائيّ و الثّانوي لتلتحق إثر نيلها شهادة الباكلوريا بكلّيّة الآداب و العلوم الإنسانيّة في العاصمة و تتخرّج فيها استاذة للّغة و الآداب العربيّة سنة 1983 و تضطلع بالتّدريس في معاهد العاصمة حيث لا تزال مقيمة إلى يومنا هذا . و قد سبق لها أن اصدرت رواية اولى عنوانها ( الوزر) اردفتها بمجموعتها القصصيّة ( قرار اخرس)...
إثر ذلك اُحيلت الكلمة إلى ضيفتنا الاديبة الاستاذة ( حبيبة محرزي) فحرصت منذ البداية على ان تُهديَ روايتها ( سَبْعْ لفْتاتْ) إلى كلّ صديقاتها و أصدقائها في ( مُلتقى السّرد الرّوائيّ في العِراق) مُعدّدة اسماءهم واحدا و احدا دون ان تغفل حتّى عن ذِكْرِ اسم صديقتها الاستاذة ( زهيرة المالكي) التي كانت حاضرة بيننا. و قد أطنبتْ ( حبيبة) في تعداد افضال هذا المُنتدى العراقيّ المرموق على جميع المتفاعلين معه.
ثمّ تخلّصت إلى الحديث عن روايتها ( سبْعْ لفتات) فعرّفت بنشاتها شخصيّا قريبا من زنقة السّبع لفتات في القيروان و ما خبرته فيها من تجارب و مشاهد لم تُغادر مخيّلتها منذ ذلك الزّمن ، و على مدى أربعة عقود. و قد بدت ضيْفتنا في تداعياتها هذه مهجوسة بمنزلة المراة عموما في بلادنا و ما تقاسيه من ظلم و ضيم و اضطهاد حيث اعتبرت انّ مُنطلق عملها السّرديّ هذا يتنزّل في صميم هذا الدّاء الذي كان و لايزال ينخر مجتمعنا و يحول دون تقدّمه مؤكّدة على انّ المراة و الرجل كلاهما ضحيّة حتى و إن كان الرّجل يبدو ظاهريّا هو صاحب السّيادة عليها... و لقد جاءت النّماذج التي تخيّرتها ( حبيبة محرزي) لتقراها على مسامع الحاضرين مصداقا لِما سبق أن افاضت فيه، فالبطلة ( سارّة) و التي هي السّاردة العليمة في الوقت نفسه تبدو منذ بداية الأحداث جسورة مقدامة رافضة للقهر و متعلّقة بقيم العدل و الحرّيّة و الانعتاق ، إن في عائلتها ،او في حيّها ، او في معهدها حيث تدرس، او في شوارع القيروان كلّها، و ليس ادلّ على ذلك من انّنا نجدها يوم الخميس الأسود (26 جانفي 1978) في قلب الأحداث تتقصّى خُطى اخيها اليافع ( الصّحبي) الذي غافل عائلته و نزل إلى الشّارع يهتف مع المتظاهرين ضدّ الجور و الطّغيان
و لقد كان لهذه الصّفحات التي قراتها ضيفتنا من روايتها ( سبْعْ لفتات) على اسماع الحاضرين دوْر في تحريك سواكن الحاضرين لكيْ يتفاعلوا معها فتدخّلت صديقتها الشّاعرة الاديبة الاستاذة ( زهيرة المالكي) مُعدّدة خصال ضيفتنا الإنسانيّة و الإبداعيّة و احقّيّتها في أن يحتلّ اسمها المكانة التي تليق به.
و قد كان ثاني المتدخّلين هو الشّاعر و الرّوائيّ ( الهادي جاء باللّه) الذي اشاد بامتلاك ضيْفتنا لأدوات تقنيات الرّواية بل إنّه وجدها في ما تُبدع مؤهّلة حتّى لكتابة السّيناريو أصلا....
امّا الشّاعر ( عماد الزّغلامي ) ، فقد وجد انّ رواية ( سبْعْ لفتات) قد ذكّرته برواية ( السّام) للإيطاليّ ( البرتو مورافيا)، كما نوّه بالنّفس السّرديّ فيها دون ان يُفوّت الفُرصة للتّساؤل عن المغزى من وراء مُعاقبة الرٍوائيّة ( محرزي) للرّجال الطّيّبين في روايتها هذه التي تبقى، حسب رايه متميّزة و واعدة بالاجمل في مشروع ضيفتنا السّرديّ. رابع المتدخّلين كان الدّكتور ( رضا الماجري) الذي بدا مُستبشرا بظهور نخبة مُشرّفة من المُبدعات التّونسيّات اللاّتي تفوّقن على الرّجال عددًا و نوعيّة إبداع . امّا الشّاعر ( سوف عبيد) فقد استحضر امثولة هنديّة عن الخلق و عن علاقة الرّجل بالمراة ليُقارب رواية ( سبْع لفتات) مشيدا بانحيازالأديبة ( حبيبة محرزي ) إلى الخصوصيّة التّونسيّةالتي ميّزت عملها السّرديّ هذا منذ العنوان، كما عدّد جملة من الملاحظات التي استفادها خاصّة من إحالات الكاتبة في آخر صفحات كتابها ناصحا إيّاها بان تتثبّت اكثر من بعضها....كما كان للدّكتورة الشّاعرة ( مفيدة جلاصي) راي إيجابيّ في الرّواية التي اعجبها فيها هذا التّواشج ااخلّاق بين الذّاكرة الفرديّة و الذّاكرة الجمعيّة.
و كان آخر المتدخّلين أخا ضيفتنا عميد المحامين الأسبق الأستاذ "عامر المحرزي" ( الصّحبي في الرّواية) الذي شرّفنا بحضوره. و قد بدا سعيدا بما انجزته ابنة ابيه و امّه حتّى الآن في إبداعها، و لم يُفوّت فرصة الإشادة بها اختا في منزلة الأمّ ، فهي التي تولّت الاعتناء به و بإخوته جميعا عندما فاجأ الموتُ والدتهم ( رحمها الله) و هم بعدُ صغار، فكانت ( حبيبة) تتنقّل يوميّا مسافة كيلومترات بين بيت الزّوجيّة و بين سُكنى إخوتها تقوم بشؤونهم اليوميّة جميعها و تتفقّد دروسهم و تنهض بهم معنويّا و مادّيّا ، لذلك هو يعتقدُ انّها الآن بانخراطها من جديد في السّاحة الأدبيّة ستكون مؤهّلة لكيْ تُبدع اكثر من ايّ وقت مضى و أن تستدرك ما فاتها، فهي موهوبة و متكوّنة في اختصاصها و في ميدان الأدب عامّة...
و الحقّ انّ الاستاذ ( المحرزي) لم يُجانب الصّواب و الموضوعيّة في تقريظه لجهد ضيفتنا الإبداعيّ ، فروايتها ( سبعْ لفتات ) لا فتة بخصالها الفنيّة و بما تعد به في مستقبل ضيفتنا ، من ذلك انّ عنوانها، و إن جاء مُحيلا على خصوصيّة مؤلّفتها في أحياء مدينة القيروان العتيقة، فإنّه يستدعي لدى القارئ الخبير بالتّراث العربيّ و الإنسانيٍ اكثر من نصّ و اكتر من امثولة تبدو الرّواية قد امتصّتها و هضمتها في أعماق السّرد، حتّى و إن كانت اامؤلّفة لم تقصد ذلك ، فهي تستدعي المراة اللّفوت ( التي تُكثر الالتفات) المُكبّة على ابنائها و التي يُبشّرها الإسلام بالجنّة، كما تُذكّرني كقارئ باكثر من التفاتة لها صدى في الذّاكرة : التفاتة ( اورفيوس) التي حرمته حبيبته إلى الأبد في الميثيولوجيا الإغريقيّة، و التفاتة ( ابي عبد الله الصّغير) إلى غرناطة و هو يودّعها باكيا إلى الأبد، ثمّ التفاتة ساكن الأمازون الذي كان يعتقد قديما انّه كلّما جرى حيّزا من الوقت روحه عن جسده ، لذلك هو يتوقّف برهة حتى تلحق
به... و الحقّ انّ الرّوائيّة ( حبيبة محرزي) تبدو في عنوانها ( سبعْ لفتات) مسترفدة لكلّ معاني اللّفة هذه التي عدّدنا ناهيك انّ عددها في عنوان روايتها هنا سبعة مع ما لهذا العدد من رمزيّة في المخيال الجمعيّ ، فهي بعد اربعين عاما تلتفت إلى الوراء لتلملم شتات روحها التي تضوّعت بها انفاسها في اكثر من مكان في القيروان و في تونس العاصمة ، و هي إذ تفعل ذلك تنجح في صياغة اسطورتها الشّخصيّة شانها في ذلك شان المبدعين الأصيلين الذين يصوغون من نثر حياتهم اليومية القيم الجماليّة التي تسمو سموّ الرّوح المتوهّجة بكلّ ماهو راق. لذلك نرى بطلتها ( سارّة) و التي هي السّاردة في الوقت نفسه تلهج منذ وجودها في القيروان و حتى وصولها إلى تونس العاصمة بالقيم الإنسانيّة الخالدة ( العدل، و الحرية، و المساواة و الكرامة...) ، و حتّى عندما تنحاز لبنات جنسها من النّساء، فإنّ المؤلفة ( محرزي) تنجح عن طريق النمذجة في أن تقدّم لنا بكلّ موضوعيّة نوعيْن من النساء في مجتمعنا هما : المراة الإيجابيّة ( سارّة ، زينة ، صابرة مثلا ،...) ،و المراة السّلبيّة ( الواشية ،و السّارقة ،و المنحرفة عامّة... ) ، ف( حبيبة) همّها التّنديد بالظّلم و القهر الممارس على الإنسان عامّة رجلا كان او امراة.
و ليس ادلّ على ذلك من كونها قدّمت لنا عن طريق بطلتها السّاردة ( سارّة) نماذج لرجال إبجابيّين كانوا و مازالوا ، و سيظلّون خالدين في ذاكرة الأجيال جميعها ( الاستاذين توفيق بكْار ،و صالح القرمادي و الشهيد الفاضل ساسي...)....
و اخيرا، لعلّ من أبرز ما يُحسب لهذه الرّواية ( سبْعْ لفتات) أنها من بين قليل من الأعمال الإبداعيّة التي تجرّدت للتّعبير عن فترة زمنيّة عاشتها تونس منذ الخميس الأسود ( 26 جانفي 1978) حتّى أحداث قفصة سنة 1980 و تداعياتها في بلادنا طيلة السنوات اللاّحقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق