الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

نحو تعزيز دور الكتاب والقراءة..بوصفهما سلوكا بشريا يغذي التنوير المعرفي.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 نحو تعزيز دور الكتاب والقراءة..بوصفهما سلوكا بشريا يغذي التنوير المعرفي..

يقول الفيلسوف الفرنسي  ( فولتير )


"كلما ازداد الإنسان قراءة، قلّ إيمانه بالخرافات... فالكتاب هو السلاح الوحيد ضد عبودية العقل."


في زمنٍ تتكاثر فيه الخرافات وتتبدّل أسماؤها من جهل إلى "إرث"، ومن وهم إلى "مقدّس"، تبقى القراءة فعل مقاومة.فحين يفتح الإنسان كتابًا، فهو لا يقرأ كلماتٍ وحسب، بل يفتح نافذة على العقل، ويعلن تمرّده على القيود التي فُرضت عليه باسم الدين أو العرف أو السلطة.

..

فولتير،الفيلسوف الذي تحدّى الكهنة والطغاة، لم يكن يبغض الدين،بل كان يخشى ما يُرتكب باسمه من تجهيلٍ وتضليل. حين تحدّث عن الكتاب كسلاح، لم يكن يبالغ؛ إذ أن العقل الذي يتسلّح بالمعرفة لا يُستَعبد، ولا يُقاد بالعصا أو الأسطورة.

لكن، هل حقًا تكفي القراءة وحدها؟

أم أن الأمر يتطلب شجاعة في المواجهة وجرأة في التشكيك؟

في عالمٍ امتلأ بصنّاع الخرافة ومروّجي الجهل، يصبح السؤال مشروعًا: لماذا تُحارب المعرفة دائمًا؟ ولمصلحة من يُحرَق الكتاب أو يُمنَع؟

ربما لأن العقول المستيقظة خطرٌ على من لا يعيش إلا في ظلامها.

كان للكتاب دور محوري في عصر التنوير الأوروبي(مثل كتابات فولتير،روسو،وكانط)،حيث ساهموا في نشر أفكار العقلانية والحريات الفردية ونقد السلطات التقليدية.  

و اليوم،لا يزال الكتاب أداةً رئيسية في مواجهة التزييف والتلاعب بالوعي عبر طرح الحقائق والأفكار المدعمة بالأدلة..

والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع : هل القراءة بحد ذاتها في تراجع؟ أو أن الأجيال في تراجع معرفي؟

في عصر السرعة الذي نعيش فيه،واستبدال الأجهزة الإلكترونية والأجهزة الذكية بالكتب، صارت القراءة في تراجع حقيقي واضح وملموس، فالجيل الحالي يفضل المقاطع المرئية ويتهافت على مشاهدتها،ولا طاقة لديه لقراءة المطولات، أقصد بالمطولات هنا مقالا قد لا تتجاوز كلماته الألف!

وهنا أقول : إن المجتمع الذي تتعزز فيه القراءة بوصفها سلوكا بشريا جمعيا هو المجتمع الذي يبشر بالنهوض، وكلما زادت نسبة القراءة في أي مجتمع زادت فرصته في نفض غبار التخلف والعجز والتبعية،وكان أقدر على كسر الأغلال الفردية والجمعية التي يفرضها واقع اليوم وتشابكاته السياسية والمعرفية.

وإذن ؟

القراءة والكتاب إذا،ليسا مجرد وسائل للتسلية،بل هما أداتان للتحرر الفكري وبناء مجتمعات مستنيرة.وكل كتاب يُقرأ يُضيف لبنةً جديدة في صرح المعرفة الإنسانية،وكل فكرة تُكتَب تُساهم في تشكيل واقع أفضل.كما قال ديكارت..

فالقراءة بوصفها مهارة لغوية تستند في فلسفتها إلى بنية معرفية وأخرى نفسية،إذ تبني الذات القارئة معرفيا وتشكلها معنويا،وتأخذها إلى عوالم جديدة ومساحات أوسع من الإطار الجغرافي والمكاني والحيز الزماني الذي تعيش فيه،وكأن القارئ يطأ بالحروف ما لم تطأه قدماه على وجه الحقيقة.

إن أول ما خاطب به جبريل -عليه السلام- سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين تنزل عليه الوحي بهيئة بشر وهو في خلوته في غار حراء هو قوله "اقرأ"، فكان جوابه صلوات ربي وسلامه عليه "ما أنا بقارئ!"، خائفا متعجبا من الوحي وأمره، فهو أمي لا يجيد القراءة ولم يتعلمها، فضمه جبريل إليه بقوة حتى أتعبه، وكرر الأمر 3 مرات حتى قرأ عليه أول ما أنزل من القرآن الكريم، وهو قوله تعالى في سورة العلق: (اقرأ باسم ربك الذي خلق،خلق الإنسان من علق،اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ،علم الإنسان ما لم يعلم ).

لذا،فإن تعزيز ثقافة القراءة والكتابة هو استثمار حقيقي في مستقبل أكثر إشراقا وتقدما.. 


محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق