سحابة صيف
استعدوا فلربما نحن نعيش تحت وطأة البلادة، ونرزح في غياهب العزلة التي يبدو لي أنها ستكون في القريب العاجل انعزالاً.
ولا يخفى على أحد مدى قسوة العزلة التي رمتنا بها أزمة كورونا التي لولا فسحة الإنترنت لكانت أكثر شراسة وأعنف تأثيراً في الصحة النفسية والعقلية.
فماذا لو اختفى الإنترنت من حياتنا فجأة؟
لا شك ستحل الكارثة على الجميع، لكن بالخصوص للناس الذين يمثل لهم الإنترنت عصب الحياة، إذ كل وقتهم مرتبط بذاك المحمول بين أيديهم على مدار الساعة، لدرجة أنه يشاركهم الخلاء.
عندها ستكون العزلة سحابة صيف عابرة مقارنة مع الانعزال الذي سيخيم على الفرد الراهن حياته السوشل ميديا يتنفس عبرها.
اليوم يكاد أن لا نعرف إنساناً لا تقوم حياته على الذكاء الاصطناعي، فقد غزت التقنية حياتنا، وسيطرت على جل وقتنا حتى أمسى البعض، أقول: البعض تخفيفاً من واقع يرزح العالم جملة وتفصيلاً تحته.....
وهو ما أشعره شخصياً غزو فكري تحت مسمى الذكاء الاصطناعي.
إذ من الملاحظ، ولا يخفى على أي عاقل سيطرة هذا الذكاء الاصطناعي على نطاق ليس بالهين من الناس محجماً لذكائهم الفطري، مهمشاً إياهم خطوة خطوة، حتى أمسوا محشورين كلياً داخل أجهزة محمولة بأيديهم.
فيا لسخرية العقل من العقلاء....
ويا، ويلتاه من سخرية الأقدار، حين تستفحل البلادة الإنسان، فيوكل حياته للمجهول يتلاعب بها بمسمى ذكاء اصطناعي.
ذاك الذكاء الذي بين وقت وآخر، بدون مقدمات يختفي من الوجود في أماكن متفرقة من العالم المزهو بحضارته وتقدمه المتصاعد دقيقة بدقيقة على عاتق التقنية التي لولا العقل البشري ما وجدت أصلاً.
فما أن يختفي الذكاء الاصطناعي، يصحو الناس على أجهزتهم قد أمست صماء منذرة بحلول الكارثة.
وأي كارثة التي ستحل علينا حينما يأتي الوقت الذي يمتد فيه انقطاع الإنترنت لأيام وأسابيع، وربما إلى الأبد؟!
مهما يكن......
فانقطاع الإنترنت على الكثير من الناس ينذر بالسوء في أحسن الأحوال.
فهو يمثل الرئة التي يتنفس بها الكثيرون، حيث تقوم عليه أعمالهم وتواصلهم الاجتماعي، من ناحية أخرى إثبات وجودهم في هذا العالم الافتراضي الذي لامس الواقع الفعلي بالنسبة للبعض ممن سيطر عليهم حتى انعزلوا عن الواقع، وركنوا للعالم الافتراضي لدرجة أن ذابوا فيه.
فأي خسارة تلك التي سيتفاجأ بها ذاك الإنسان وأي غربة سيشعرها بعد اعتزاله عالم الواقع أعواما وأعوام ربما بعدد سنوات وعيه.
خصوصاً في المجتمعات التي تمثل فيها فئة الشباب أكثرية، أولئك الشباب الذين يمثل لهم الذكاء الاصطناعي العمود الفقري للحياة التقدمية، فمن التعليم إلى العمل وجميع أنواع التواصل والتفاعل تم عبر تقنية الاتصالات وهو نظام تقني من الوارد جداً أن يتعرض لخلل في أي وقت، فضلاً عن الأعمال التخريبة لاسيما إن لاحت في الأفق الحروب، حين يكون العالم على صفيح ساخن مع الجهة المتحكمة في تلك التقنية.
عموماً.....
خلاصة القصد....
غاية الأسف أن نرهن حياتنا كأفراد في جهاز يتحكم به مجهول، ونتواصل من خلاله مع مجهولين، ونستقي منه الكثير من المنشورات والأطروحات المشكوك في مصداقيتها فضلاً عن حقيقة ناشريها.
من الجميل والرائع أن نواكب التقدم بما فيه الذكاء الاصطناعي، كما من السيء أن نزوى ذكاءنا الفطري، حتى نصاب بالبلادة وتعمينا السذاجة.....
فننسى أنه لولا الذكاء الفطري ما كان للذكاء الاصطناعي وجود، ولا تطور وتقدم العلم، وما ارتقى الإنسان للمعالي.
فليس مشكلة التقنية أن نصاب بالبلادة، إنما مشكلتنا أن نستصغر عقولنا، ونترك التيار يسحبنا إلى الضياع.
لا أحدثكم أعزائي من فراغ، شخصياً أنا من ضمن عشاق ثورة الاتصالات هذه، أكن لها جزيل الامتنان على الأصعدة كلهم في حياتي منذ البداية.
بها تواصلت مع أولادي طوال دراستهم في الخارج، كما كانت السبب المباشربانطلاقتي في دوحة الأدب.
عبر الإنترنت نشرت وتواصلت وتفاعلت وكونت لي نخبة من أصدقاء الكلمة وعشاق الخاطرة والإبداع.
غير أنني لم أهجر مدادي والورق، فأنا أعيش عشقي للكلمة ببدائية مطلقة ولولا ذلك لكانت التهمتني الحسرة على كل نص تلاشى مع اختفاء صفحة هنا وإغلاق موقع هناك.
ذلك ليس فقط لقناعتي أن كل ما هو على الإنترنت قابل للضياع والسرقة والاختفاء.....
بل لأنني أبقى على التواصل مع نفسي وأصدقائي الأبدين خيالي، مدادي والورق.
همستي لكم: أن استعدوا.
ابحثوا عن أنفسكم مع من تحبون وما تأنسون بعيداً عن المجهول في المحمول.
يسري الزاير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق