فلسطين — العشق الأبدي
ااااااااااااااااا ااااااااااااااااا
فلسطين ليست رقعةً على خارطةٍ فقط، بل قصةُ إنسانٍ مكتوبةٌ على وجه الأرض بحبر التاريخ ودموع الأمهات. حضورها في القلوب أسبق من أيّ حدودٍ رسمت بأقلام البشر؛ هيَ كلّ صباحٍ يوقظ ذاكرةَ العشّاق ويُذكِّرنا بأن للتراب ذاكرةً أيضاً، تحنّ إلى من سار عليه، وأقامه، وزار قبور أجداده.
في هذا الوجود البشري الذي فرّقته الحدود واختلفت عليه الأعراق واللغات، تبقى فلسطينُ رباطًا بين النفوس، تجمعُ المشترك الإنساني الذي لا تقهره سياسات، ولا تُخمده حدود. إنما الإنسانُ ينتسب إلى طوائفٍ متجانسةٍ وأخرى متصارعةٍ وبقدر ما تتباعد المدن، يزداد حنينُ القلوب إلى أرضٍ احتضنت أنبياءً وثقافاتٍ وحكايا لا تموت.
الإيمانُ، كما أراد ربّنا، رابطٌ للقلوب ومِعولٌ للبناء إن تسلح بالرحمة والتسامح. يقول تعالى:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (التغابن: 2).
فالحكمةُ في الاختلافِ أن يتعارف الناسُ ويتآلفوا، لا أن يكون الاختلاف سببًا للظلم والقسوة. ومع ذلك، فإن بقعةً من هذا العالم تعيش أوجاعاً متكررةً؛ وقد كان لفلسطين نصيبٌ من النكبات، والرحيل، والحنين الذي لا ينطفئ.
لكن فلسطين أيضاً قصيدةٌ عن الثبات. في كل حجرٍ وزيتونةٍ، في أسوارها وترابها، صدى مقاومة ليست فقط صرخة غضب، بل إعلانُ وجودٍ وعشقٍ لا يلين. هذا الحبّ ليس عاطفةً عابرة، بل عهدٌ مع التاريخ والذاكرة؛ عهدٌ أن لا تُنسى القصصُ التي غرستها أمهاتٌ ورجالٌ وأطفالٌ على ساحتها، وأن لا تُمحى أسماءُ الشهداء من دفاتر الزمن.
وقد تعددت صور العشق الأبدي لفلسطين
حيث تجسّد عشق فلسطين في لوحات إنسانية وثقافية نادرة، سطّرها التاريخ بمدادٍ من كرامة، وكتبها الضمير العربي بالحبر والدم معًا.
1. المقاومة: عشق في وجه الرصاص
العشق لفلسطين تجسَّد في المقاومة الشريفة، التي لم تكن حبًا للعنف، بل حبًا للحياة الكريمة. رجالٌ ونساءٌ وأطفالٌ، واجهوا المحتل بأجسادهم، وبصدورهم المكشوفة، ليقولوا: نحن هنا، لن نرحل.
2. الأمهات: صلاة من نار
من أقسى صور العشق وأشدّها صدقاً، تلك التي رسمتها أم الشهيد. دموعها ليست ضعفاً، بل صلاةً من نار، تروي بها أرضًا عطشى للعدالة. لقد زفّت فلذة كبدها وهي تهمس: فلسطين أولاً.
3. اللاجئ: وطن في الذاكرة
في خيمةٍ بالية، عاش اللاجئ الفلسطيني على أمل العودة. كل مفتاح، كل صورة على جدار الخيمة، كل حكاية يرويها للجيل الجديد، ليست إلا تجلّيًا لعشق لا يموت، لوطن لم يُغادر قلبه قط.
4. الطفل: يرسم علم الوطن
في رسومات الأطفال، حيث يرسمون بيتًا صغيرًا وعلمًا يرفرف، تتجلّى براءة العشق. هؤلاء الصغار، رغم القصف والدمار، يرسمون فلسطين بألوان الفرح، لأنهم يؤمنون أن الاحتلال مؤقت، والوطن دائم.
5. المثقف: الكلمة مقاومة
لقد تجلّى العشق لفلسطين في قلم الكاتب، وريشة الفنان، وصوت الشاعر. محمود درويش، غسان كنفاني، سميح القاسم، ناجي العلي، وغيرهم، كتبوا لفلسطين بمداد قلوبهم. جعلوا من الحرف صرخةً ضد النسيان، ومن الفن ذاكرة مقاومة.
6. التضامن الإنساني: فلسطين ليست وحدها
من المغرب إلى إندونيسيا، من أمريكا اللاتينية إلى جنوب إفريقيا، خرجت الأصوات تهتف: الحرية لفلسطين. عشقها لم يكن حكرًا على أبنائها، بل صار عنوانًا لكل ضمير حي.
المثقف العربي... عاشقٌ لا يهدأ
في قلب هذا العشق، كان للمثقف العربي دورٌ محوري وتاريخي. لم يكن المثقف مجرّد راصدٍ للأحداث، بل كان جزءًا من مقاومةٍ ثقافية شكلت الوعي، وواجهت محاولات الطمس.
التعبير عن فلسطين في الأدب والفن
من القصيدة إلى الرواية، من المقال إلى المسرحية، كانت فلسطين حاضرة في كل بيت من بيوت الإبداع العربي. لم تكن مجرد "موضوع"، بل وطنًا يُكتب ويُنشد ويُرسم.
رفض التطبيع الثقافي
واجه المثقف العربي محاولات اختراق الوعي، ورفض كل أشكال التطبيع مع الاحتلال، مؤمنًا أن الكلمة قد تُقاوم كما تقاوم البندقية.
تشكيل الوعي وحفظ الذاكرة
كتب المثقفون عن النكبة، عن التهجير، عن المجازر، عن الحياة اليومية تحت الاحتلال. كانوا مؤرخين بالرؤية، وصنّاع رأي، وحماة سردية لا تقبل التزوير.
في كل محنة... كان المثقف حاضراً
في الانتفاضات، في الحروب، في كل نكسة، كان صوت المثقف يعلو بالحقّ، ويصوغ الوجدان العربي بما يتجاوز الانفعال اللحظي إلى الوعي العميق.
خاتمة: فلسطين، القصيدة التي لا تنتهي
الوقوف إلى جانب فلسطين ليس ترفًا شعوريًا، بل واجبٌ أخلاقي وإنساني. إنها قضية تختبر ضمير الإنسان، وتُعرّف موقعه من العدالة والحقّ.
فلسطين — العشق الأبدي — تعلمنا أن الذاكرة أقوى من الظلم، وأن المحبة حين تكون صادقة، تتحول إلى التزام، وإيمان، ورسالة لا تنطفئ.
فليكن عشقنا لفلسطين نورًا يُضيء، لا شعارًا يُنسى. ففلسطين لا تنتظر العواطف العابرة، بل تنتظر فعلًا يستحق اسمها... يستحق حريتها.
ااااااااااااااااا ااااااااااااااااا
بقلم: طاهر مشي
ااااااااااااااااا ااااااااا
مراجع ومصادر:
درويش، محمود. ذاكرة للنسيان. بيروت: رياض الريّس للكتب والنشر، 1995،
.
القاسم، سميح. ديوان سميح القاسم. بيروت: دار الآداب، ط4، 2004.
العلي، ناجي. فلسطين في الكاريكاتير. بيروت: منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1987.
ناعوت، فاطمة. "المثقف والموقف من فلسطين". مجلة الثقافة الجديدة، عدد 238، القاهرة، 2012.
هنية، باسم. "دور الثقافة في مواجهة التطبيع". مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2020.
القرآن الكريم – سورة التغابن، الآية (2).
تقرير "المثقف العربي والقضية الفلسطينية"، مؤسسة الفكر العربي، بيروت،2018 .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق