السبت، 18 مايو 2024

على هامش الإختراق الثقافي الكوني: بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 على هامش الإختراق الثقافي الكوني:


أليس بإمكاننا..الآن..وهنا خلق حالة فعل مجتمعية ديناميكية مستمرة..للارتقاء بمستوى الوعي البشري إلى أفاق تطورية كبرى ؟!


 

تصدير: إن تضافر الثقافة مع التنمية يؤدى إلى تطوير طرائق الفكر والتفكير العلمي والإبداع الأدبي والفني لخلق حالة فعل مجتمعية ديناميكية مستمرة للارتقاء بمستوى الوعي البشري إلى أفاق تطورية كبرى (الكاتب)


-”شعب بلا ذاكرة،هو شعب لا مناعة له” (فلاديمير لينين)


..كيف يمكن مواجهة الإختراق الثقافي الكوني في ظل راهن يتعولم إقتصاديا وسياسيا..؟

هل ندير ظهرنا لهذا الغزو العولمي في حركة إستعراضية مشفوعة-بإنتحار حضاري - أم نواجه ما بات يهددنا بإعتماد ثنائية المحافظة على الذات والتفتّح على الآخر؟

كيف يمكن خلق توازنات تحمي أجيال المستقبل من مداهمات الثقافة المعولمة واختراقاتها في ظل هذه الثورة الإتصالية الوافدة من الغرب، وما يتخللها من تنميط سياسي متعدّد الوسائل والأشكال..؟

ألسنا مدعويين هنا.. والآن إلى لحظة مكاشفة صادقة مع النفس لتجاوز مطباتنا وتفعيل واقعنا وعقلنة ملامح المستقبل..؟

إنّ الخوف من غزو ثقافي كوني لم يعد له مبرّر وهو ليس من قبيل الأوهام التي تعودنا عليها، بقدر ما هو حقيقة ثابتة ومؤكّدة أملتها ظروف وملابسات تاريخية لها عميق الأثر في واقعنا العربي خاصة والدولي عامة نورد منها ما يلي:

- انهيار القطب الإشتراكي وتفكّكه وما تلاه من انهيارات متلاحقة أصابت دول المنظومة الإشتراكية، مما أفضى إلى تحكّم الرأسمالية المعولمة في إقتصاد الدول النامية واخضاع هذه الأخيرة لتبعية إقتصادية موغلة في التسلط والإستغلال..

- في عالم الثقافة الكونية هذا، برزت شركات متعددة الجنسيات تستغل في صالح المصالح الإقتصادية الكونية، وهذه الشركات أقوى من الدولة حيث تفوق ميزانياتها الدخل القومي لكثير من الدول النامية، وقد ملأت الحيز الثقافي في إعلامنا واستطاعت تلوين العالم بأفكارها وثقافتها..

-اتفاقية-الجات-التي تحوّلت إلى منظمة عام 1995 وأصبحت تبعا لذلك ضلعا أساسيا في مثلث الهيمنة الغربية (صندوق النقد-البنك الدولي-الجات) وهذه الإتفاقية تفسح المجال للغزو الثقافي الأمريكي والغربي عامة الذي أساسه إنكار وإقصاء الثقافات القومية للشعوب الأخرى، وبالتالي أمست تشكّل تهديدا خطيرا لثقافة وتطوّر العالم النامي في كافة المجالات الأخرى.

- في ظل العولمة ومع توقيع إتفاقية-الجات-أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات ومنها-والت ديزني-أقوى من الدول بعد حدوث إنفصال بين المصالح الإقتصادية العملاقة والأنظمة السياسية المحلية، وأصبحت تبعا لذلك تمارس ضغوطا من أجل التأثير على القرارات السياسية الداخلية في الدول التي تمارس فيها أنشطتها..

- نجاح العولمة في خلق أجيال كونية منبهرة بالسلعة الثقافية الأمريكية الأكثر إبهارا، الشيء الذي يهدّد بتخلّف صناعة السينما لدينا وغيرها من الصناعات الثقافية..

إنّ لهذه المعطيات التي ذكرناها عميق الصلة بخلخلة الواقع العربي وجعله ينوس بين طرفي الإنغلاق والإنفتاح دون الإلتفاف حول هذا الواقع وعقلنته بما يؤسّس لإستحضار الذاكرة لدى الإنسان العربي، ولعل في قولة فلاديمير لينين خير دلالة لما نحن بصدد الإشارة إليه:”شعب بلا ذاكرة،هو شعب لا مناعة له”

والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع:كيف يمكن في ظل الراهن الثقافي الكوني تأكيد الذات وإثبات الهوية والمحافظة على الأصالة بما من شأنه أن يبلور الصورة الحقيقية لحضارتنا..؟

وبسؤال مغاير أقول:هل نحن مطالبون وأمام المد الكاسح للتكنولوجيا من جهة، والعولمة من جهة أخرى، بإعادة البناء الفكري للمجتمع عبر استحياء الماضي ومصالحة الراهن واستشراف المستقبل؟

ألم نفرّط في مكاسب حضارية كانت ستضعنا في مرتبة الدول المتقدمة استهدفتها بواكير النهضة في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر: محمد عبده- جمال الدين الأفغاني والكواكبي.. فكيف نسينا التاريخ وقد ولجنا قرنا جديدا وصافحنا ألفية ثالثة..!؟

إنّ إقصاء الأنا للآخر وانغلاقه على ذاته طمس للهوية الفاعلة والمؤسسة، كما أنّ الإنفتاح المحافظ على الأصالة والحضارة العربية تأسيس للذات، ولذا بات لزاما على المثقفين العرب خاصة وعلى الشعوب العربية عامة إعادة النبض إلى التاريخ والعكس صحيح، وذلك من خلال فعل المواطنة وتجذير قيم الهوية بإعتماد التنمية الثقافية للمجتمع كشرط أساسي لنجاح التنمية في كافة مجالات الحياة، ثم المساهمة بشكل فعّال في بناء بعد الذاكرة العربية والسعي لصياغة الواقع العربي الراهن وفقا لمقاييس التقدّم قصد الإنتقال من الوضع المتخلّف حضاريا،إلى الوضع المحقّق لإنسانية الإنسان..

على سبيل الخاتمة:

إذا كانت التنمية تعني جهدا واعيا ومخططا من أجل حياة أفضل لكل إنسان، فإن الثقافة بمعناها الواسع تعتبر عنصرا فاعلا ومؤثرا في إنجاح برامج التنمية، فالثقافة هي المعيار الذي تتحدّد به هوية كل مجتمع بشري، ولكل مرحلة من مراحل المجتمع سمات ثقافية تتأثر وتؤثر في عوامل نهوضه أو تفككه،فالتنمية بصفتها عملية مركبة وشاملة ومتعددة الأبعاد تتعدى مجرى النمو الاقتصادي والاجتماعي وتقوم على توظيف كافة الجهود، وتوسيع مجالات النشاط الإنساني، وتعزيز القدرات الإنسانية، والمشاركة الفعالة في السعي لتحقيق أهداف منشودة، وجني ثمار التقدم المتواصل.

وخلاصة القول : إن تضافر الثقافة مع التنمية يؤدى إلى تطوير طرائق الفكر والتفكير العلمي والإبداع الأدبي والفني لخلق حالة فعل مجتمعية ديناميكية مستمرة للارتقاء بمستوى الوعي البشري إلى أفاق تطورية كبرى .


 محمد المحسن




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق