الجمعة، 24 مايو 2024

خلطة من وحي تأملات أفكار متمردة بقلم الكاتبة هالة بن عامر تونس

 خلطة من وحي تأملات

 أفكار متمردة 


لم أعترف يوما بالوقت ولا بحركة العقارب الّتي تحكمها بطارية متوفاة دون سابق اعلام، أدرك أنّها ساعات وهمية.

لا يزعجني أن أحمل  ساعة معطلة  بقدر مايزعجني السؤال عن الوقت في لحظة يتداول فيها اللّيل والنّهار لا يفرق بينهما سوى بداهة الألوان. 

في الحقيقة أنا لا أستند إلاّ على بداهة المعرفة ولا أحكم إلاّ بما يرفضه عقلي، صغيرة هي قناعاتي مزالت تطفو على سطح أفكاري. 

لا أدري... إن سبق لي أن تجاوزتها هذه الأخيرة، قبل أن أتّخذ أي قرار أمْ أنّي كنت أتجاوز عقلي و ماوراء. 

يوما سيسعفني جرّاح مختص  لأدرك مكامن نقاط الإستفهام ألّتي  تهاجمني و تلاحقني، تلازمني وتسيطر على أفكاري. 


كان جزءا من الأشياء ألّتي أحتفظ بها في خزانتي ولم يحن  بعد الوقت الإفتراضي حتى أستعمله أو ألوذ بأفكاري نحوه، كمظهر من مظاهر التّعالي.

الوحيد من بين كل  أشيائي القديمة من يشعرني أني أنتمي إلي أصحاب  تلك الفئة، ألّتي رغم أنّها  تشكو عمى الألوان كانت ماهرة في التفريق بين '' الأبيض والأسود والأحمر والأصفر'' كأنّها من وضعت أسس الطبقية العرقيّة لتسمح لنفسها أن تصنّف و تقصي وتمجّد، هذا مستحب  وذاك نكرة، هذا من الأعيان و الباقي عبيد. 

تلك الفئة التي ليس بحوزتها سوى مظاهر خادعة تضحك بها على واقع حالها تظنّ أنّها ما إن شربت في كؤوس من الكريستال وسط موائدها الفقيرة حتى تضحى من الأعيان. 


كأس من الكريستال أنيق شفاف حان موعد استعماله لا كمظهر من مظاهر التفاخر ولكن هكذا أمرني عقلي و أوهمني أن الوقت قد حان. 

وضعته على طاولة مستديرة  خشبية مهترئة  هرمة  عبثت  الشقوق والعيون الغارقة على سطحها كتجاعيد على وجه عجوز في  زمن غائر   وعلى جوانبها ورقة صفراء لا حياة فيها كانت ستنبت لو لا تغير وضعها أتعجّب من عدم سقوطها، مازالت متشبثة بالبقاء، تميل الي الإخضرار أو هيأ لها، أظنّها في غيبوبة دائمة منذ أضحت جزءا من أثاث بال جامد وهي ماتزال  قيد الإنتظار.


داكن لونها عتيقة السلالة كأني بها  تنتمي لأشجار الزيتون لا يعرف لها أصلا أو بلدا أو مصنّعا لا ترى عليها مظهر من مظاهر الثراء أو الأناقة طاولة أكل عليها الدهر حتّى الثمالة، قد أشرفت على الإستسلام كأنّها تستعد للإنتحار.

مشققة السطح طويلة السقان  عرجاء لا تقوى على التوازن إلاّ وهي مستندة على أفكاري ... اعتادت على دموعي بها تسقى، وتبللها كرشفة برمق من مرار  تقتات من الألم، ربما هي دموعي من كانت تبقيها على شاكلتها. 

طاولة اجتازت كل الأجيال تحمل في جوف تشققات خشبها جميع الأسرار توارثتها أفكار، و تبنتها حكاوي، كتب فوقها ترهات ارتسم من على جوانبها ضحكات بشفاه مشققة.

غرس فيها مسامير لا تحصى ولا تعد لم يحترم أحد سنها، لم يرحموا كبرها، حتى انّك تظنّ قد كُتب عليها العيش  بعد موتها. تَراها مستندة على ألّا شيء تستجدي الموت الرّحيم كم هي بحاجة إلى قسط من الراحة، بعد عناء تحملته مرغمة لسنين. 


أمام أفكار عاتية اجتاحت كل أركاني استحوذت على رزانتي وعبثت بإتزاني، تلاشت البسمة وملامحي شاخت قبل الأوان ... 


أمسكت جميع الأوجاع وتلك الآلام التي تعربد في مفاصل زمني بعد أن جمعت حروف مسمومة من بين مذكراتي وطحنت تلك السطور الباكية وأضفتُ لها رذاذا من تجارب فاشلة وأخرى ناجحة او قد هيأ الىّ،  وسكبت عليهم دموع اللّيل الطويل وحكاوي النفوس الثلاثة وبعض من العهود والوعود الكاذبة بعدما اتسمت جميعها بالخذلان... 


في خلاط كهرمائي.. كهربائي .. كهرهوائي ... خيالي .. من صنع لحظات  التمرّد على زمن انتحرت  فيه اضغاث الاحلام لتضحى الكوابيس عنوان النوم  وطريق  للنعاس المفتعل بعد عناء .

من رحم زخم الافكار الجهنمية الخارجة عن نطاق الواقعية ضنكى هي كل تلك الأفكار  الممنطقة المتملقة الممنهجة السقطة.  من قال ومن جزم أنّها كذلك أشكّ في أنّها لم تكن إلاّ ردّة فعل لسرب من العجز فإنصياع  لغرور الإدّعاء بالمعرفة. 

وببصمة من شفاهي على زرّ واه أخذت قراري، ضغطت على الجرح الدّامي، أوقفت نزيف الأفكار التى تأدي أغلبها الي محطة، أين فيها الذاهب أكثر من القادم، أين التّيه عنوان و السّراب مقام، الوهم سكينة وترياق اطمئنان ...


 ترهات يجب أن يضحى لها دور غير ماهي عليه قد تفيد أكثر لو  جعلتُ منها محكيّة للأطفال او نكتا للتسلية والسخرية، لا عبرة ولا سجل يؤرخ أفعالها والغدر ممزوج بها ومنها ... 

ها أنا أضيّع بوصلة الكلام 

ها أنا أستند إلى واقع بتُّ فيه  أهاجم واقعي والخيال. 

ها أنا أعود لأفكاري الجهنمية ووساوس حروف لازمتني حتى صارت تكتبني  بلغة جهنمية  وتكتبني أفكار مشوشة و ترهات سيدة خرفة... 


أخذت خلطتي العجيبة وهي لا تزال في ثورة بعد أن أصبحت ككتلة من عجين، يشبه الطين ...  لا حياة تنادي ولا حركة تثير السؤال، امتزج الكل كترياق ساحرة على متن  التعاويذ والتمتمات تبحر وتسافر، تغرق تموت ومن ثم تعود حية ميتة لا نبض يؤرق ولا عقل يزاحم 


أخذت كل المزيج وصنعت منه حلوياتي المعجنة، بسكويتة صارت المفضلة، حلويات بمذاقها المر دون سكر دون عسل.

بأشكال لا تخضع لقوانين الهندسة، مائلة معوجّة داكنة السطح، يتوسطها لون أحمر. 

أحمر شفاه.. دم متجمد.. لقد تشابهت  الألوان القريبة من الحمم، ربما ليس أحمر، ربما هو الأسود في خجل، بمذاق قد  اعتدت عليه وأنا أُسقى بيد الزمن هذا الغدار الذي عبث بجميع أحلامي سكن شهادة ميلادي دوّن عليها مخططاته لا مخططاتي احتل التاريخ و اقام حفل خاتمتي رقص على حروف اسمي و عزف عليها معزوفة الإنتقام والتّشفي  أتلف جميع الأرقام  حتى فقدت البصيرة ماعدت أعقل أشيائي فقدت التمييز بينها وبين  الأشياء الغريبة عني. 

 لا عجب أنّه يتمتع أيضا بنفس الرائحة، رائحة غرفتي المظلمة و الجدران الخضراء التي ماان تدقق فيها تحسب أنّه قد نبتت عليها  عشبة طفيلية لا زهرة مرسومة ولا أوراق تتدلى، لا حياة تسكن مقبرة، متى  سكن النّور وسط العتمة، فقط خزانة هرمة وسرير يشكو علّة مزمنة ومخدة ترثي الذكريات تعتصر من شدة العرق تتأوه  من حكاوي اللّيل و الأحداث التي أغرقتها في مستنقع من الفشل لتجبرها على التذكر وهي لا تقوى على الاستغاثة او التذمر منصاعة للقدر

 ياليت ذاك الذي يسمى '' الزهايمر'' يصيب المخدات ينال منها كما يفعل بالعقول العقيمة والنفوس المهزومة، والأرواح المتعبة المرهقة، المغادرة أجسادا أنهكها النسيان، ومع ذلك يؤرقها أنّها مازالت تتذكر. 


وضعت البسكويت  على الطاولة  و امسكت بالكأس الكريستالي  وتمعنت فيهما ... وانا أسمع انين ماتبقى من شكاوي مرهقة 

وقررت ان اغمس .. ان اغرق ... ان اذيب ماصنعته عنوة ونكالة في الكأس ... 

تفطنت ان الكأس فارغ، تمعنت فيه كيف لي ان اغمس واغرق  خلطتي بحركة سريعة دون إرادة مني مالت الطاولة وهي من كانت تستند على أفكاري و قررت أخيرا ان تجتاز كل عراقيل الموت استسلمت بعد عناء طال كلّها ... سقطت دون حراك، مجموعة من الخشب القديم البالي أضحت، غدا سوف تكون على شرف المحرقة، سوف تتطاير الحمم لن يتبقى منها الا حفنة من الرّماد كأنها لم تعش أبدا. 

... 

تهشم الكأس، البسكويت..خلطتي أضحت ترابا منسيات، اختلطا مع بقايا الخشب الهرم،امتزجا كلاهما ماعدت أميز بين الطّاولة وبين الزّجاج الكريستالي و خلطتي العجيبة. 


أدركت أنّ تلك الخلطة مازالت تسكنني تلازمني،  ومن انتحر ليس الاّ اعتقادا واهيا بأنّي قادرة على السيطرة واخذ القرار والخشب زماني والكأس قدر أحلامي. 


ألقيت بكلي على انين السرير، وضعت راسي المثقل بالأفكار على مخدة هي الاخرى تشكو و تستجدي، استسلمت لنوم عميق لعلّني استفيق بعدها وادرك انه لم يكن إلاّ حلما عميقا نال مني أو قد أحظى بكوابيس تحملني أين لا منطق ولا واقع غير مايدور بيني وبين جدران غرفتي و كل أشيائي الناطقة من حولي. 

من غيري لازم معاناتي وانا الّتي اتخبط ووحدتي  بين المفردات  والطلاسم أعيش مأسورة بين جهنمية الأفكار  وبين كل ما يجعل مني مختلفة لا أشبه غيري. 

ربما أنا القادمة من زمن ثاني، وحروفي مصفوفة تاهت في فضاء مفترض  لتعرّج على سطوري، سكنت عقلي أصابتني بمسّ وجنون .... 


كم  أتوق الي رحلة مجهولة الهوية والعنوان، أتوق إلي سفرة و أنا فخورة بالإختلاف متقبلة هذا المسّ كأنّه سمة متفردة لا عاهة  تخجلني وأفكاري . 


بقلم 

 هالة بن عامر تونس 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق