الأحد، 28 سبتمبر 2025

رقات عاطفية..في مهبّ الشوق. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 رقات عاطفية..في مهبّ الشوق


      الإهداء: إلى تلك التي آتتني من غربة الصّحو..ألبستني وجعي ثم تلاشت عبر ازدحام الصباح..


تصدير:

ثمّة مشكلة..في زمن يسكنه الخراب:

أنت فتاة يافعة.. تداعبين نهديك..

وأنا تجاوزت الخمسين..بعشر عجاف

أحدق في عينيك..ثم أتوارى خلف السراب. 


1-حين أمدّ أذرعة الشوق في سكون الزوايا..

      أرى وجهَك متألّقا 

في جدار الصّمت

      وحين تنشقّ ستائر الصّمت عنك..

             أرى وجهَك يتالّق من جديد

       فأرنو إلى مهجة الليل،ألتحف بغيابك

       أتوحّد الظلمة..

        ويلوح لي طيفك من بعيد..

*

2-..حينما رأيت طيفك يرتحل..عبر ثنايا الزمان

     تساءلت: لماذا أبقى وحيدا 

في خمائل شوقي..؟!

     وماذا يفيد السؤال..مادمت بعشقك أشقى طويلا ..

     تحسّست عمري..بكيت قليلا..

  وإلى ومضة من حنان رنوت..

  ثم رتقت قميص حنيني..

         وصوب الزمان خطوت..

* * *

3-..وتأتين ملتحفةَ الصمت..

عبر دموعي

    وتمضين في صمت..

خلف عطر الحقول..

    فأحتضن ألمي..

أغفو قليلا..

     وتفاجئني شهقة الحلم..

    فتنهمر ذراعايَ شوقا..

وحنينا

    ويتألّق وجهك ثانية 

        في مرايا المساء..

    فأقتفي أثرَ الفصول..

    ينأى بي الحزن عبر أجنحة الرّيح..

    وتخترق الرّوح..

سجوف المدى..

   ترى هل سأظلّ..أحبّك إلى آخر العمر..؟

   وهل..

   ويظل السؤال بين الضلوع..

رجع صدى.


محمد المحسن



السبت، 27 سبتمبر 2025

في ذكرى استشهاد إحدى عشرة معلمة ومعلم بعين آدم سيدي بلعباس الجزائر ذات 27 سبتمبر 1997 بقلم الكاتب محمد بن سنوسي

 في ذكرى استشهاد إحدى عشرة معلمة ومعلم بعين آدم سيدي بلعباس الجزائر ذات 27 سبتمبر 1997 

عليهم رحمات الله جميعا


               بيان من بين الأنياب

شاقة أدغال الرعب في عز ليل أرسى سدوله

 بين الخطوات واللحظات مختطفا الأنفاس والنظرات والعلاقات الإنسانية . وبرغم الحِمل الثقيل سارت القافلة المتسلحة برسالة غرس الحروف بين زوايا الأرض البعيدة ومعانقة البراعم بالفواصل والكلمات والتعابير الكتابية ملوحين بالمآزر البيضاء و الألواح الخشبية .

فغدا المشهد رسالة ناطقة لحامل شمعة تذوب بحسرة وكله حلم بإنارة العالم وبناء أجيال ترسو بكل أمان بمرفأ الحضارة بين تفاصيل التقاليد والعادات الفاضلة وإرث الأجداد بقلب نابض على إيقاع الولاء للوطن للعِرض للأصالة وللتاريخ وبكل إيمان ان القدر مقضي بكلمة من ملك السماوات لإصابة من يريد وقتما يريد في الركن الذي يريد.

وفي عز تهاطل أعاصير الأحزان وهبوب أعتى لحظات الأسى والحزن بعدما دأبت الشِرار على تدنيس صورة البياض بندوب متعمدة تأبى الرحيل من الذاكرة الجماعية معانقة بالمناسبة دهاليز ذكريات مريرة تنغص أنوار اليوم علينا كلما سطعت من جديد ناسجة عناوينا تعيد الفكر للوحات سحيقة لعينة كل لحظة وكل حين و كلنا عزم على  طمس آثارها و دفن أطلالها خشية لقاء غير موعود مع  الأجيال برغم تسللها خلسة بين العبرات وهي تشكو للمولى ما نظمه الجهل 

و ما جادت به قريحة المتشبع بالشر وهو يملي قوافيه المنقوشة بدماء الأبرياء.

أمطرت يومها بغزارة لم نفسر تقاسيم الرسالة وقتها إلا بعد نشرة الثامنة ولم ندرك هول البيان إلا بعد الغرق في بحر أرق كبّل الجفون وأعدم خيوط أمل اعتقدنا في لحظة طيش طفولة أنه ممكن و أنه لاح من قريب ليعيد لنا نسيم الصباح وإشراقة يوم جديد تزقزق فيه البراءة من السفح للقمة وتتعانق الأرواح بالفطرة متمنية مسحا جذريا لمشاهد لم يرسمها المتشائم بعز لحظات يأسه.

و في لحظة سامة عابرة سكنت الأنفس ورحلت الكلمات وخمدت الأجساد للأبد ذلك أن أنياب الشر صادرت الحق في الخطى وبددت بشكل متعمد بريق درب الخلاص

 و شذى رسالة نورانية تحدت الدجى والطلاسم الخفية المعقودة بحروف الدهماء التي تحارب الشمس في صورة مصاصي الدماء وقطاع الأمانة متصورا أنا بقاء إبليس البشر مشدوها من هول الواقعة وفظاعة العبث بالتعاليم الإنسانية.

وبرغم الحمرة و السواد والعبرات طارت الأرواح لغد أفضل ورحلت الوجوه لبيت أرقى ومقام أسمى وكأنها تراسل الإنسانية للإحتفاظ بعطر دماثة الأخلاق وتحمل مشاق الرسالة و وقوفها السرمدي في وجه آلة الجهل وتجار الأشواك ونحت المقام الخالد للطاقة التي يتشبع ويتزود منها الأشراف بوقود الوجوه النيرة التي تشرق مع كل حلم لتنير كل زاوية ولتفرض علينا الإبتسامة

 و الإحترام و التقدير لمقامها عند الملك القدير متمنين عليه خلودا مع الصالحين برفقة الحور العين بالجنان على أمل ترتيب سلم القيم وتعليم الناشئة أن أمثال هؤلاء هم الحضارة وهم صناع الحياة ....و هم وحدهم.... قمة الهرم.

محمد بن سنوسي

 من سيدي بلعباس

 الجزائر



*((مَرثِيَّةٌ لِلدَمِ البَاكِي))* أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.

 ₺ قصيدة من البدايات..

*((مَرثِيَّةٌ لِلدَمِ البَاكِي))*

 

 أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.  


         *- 1 -* 


لِلَّتِي لا تَأتِي إِلاَّ مَعَ الكَلِمَاتِ  

لِلَّتِي شَاخَ الصَّمتُ عَلى شَفَتِيهَا  

لِلَّتِي تَنحَرُ الآمَالَ بِسَيفِ التَّجَاهُلِ  

والَّتِي تَرُدُّ اِبتِهالَ الشَّوقِ  

صَدَىً كَلِيمَ النَّبَرَاتِ  

أُوَقِّعُ اِنتِحَارِي .  


          *- 2 -*

 

دَعِي عَينِيكِ تَنهِشُ قَلبِي  

وَاترُكِي صَوتَكِ مُطبِقًا على خُنَّاقِي  

سَأَكتُبُ بِالقُربِ مِنِّي  

بِدَمِي الظَّامِئِ لِلعِنَاقِ  

أنا المَسؤُولُ عَنِ اِنتِحَارِي .  


           *- 3 -* 


أَطِيحِي بِالحُلُمِ إِن تَسَلَّقَ قَدَمِيكِ  

وَاصفَعِي عَينَيَّ الضَّارِعَتَينِ  

لَن أُسَمِّيكِ قَاتِلَةً ..  

فَهَذَا اِنتِحَارِي .  


           *- 4 -* 


طَرِيٌّ هَذَا الصَّخرُ  

يَشُجُّ بَسمَتِي .. أَعشَقهُ  

يَشُقُّ لَهفَتِي .. أَعبُدهُ  

فَاسَّاقَطِي على أَورَاقِي الإسمَنتِيَّةِ  

دَعِيها تَنصَهِرُ مِن حُمَمِ قَطَرَاتِكِ  

وَسَأَقُولُ :  

- هَذَا اِنتِحَارِي .  


           *- 5 -* 


بِالأَمسِ شَاهَدتُ / لُوركَا /  

يَنثَالُ مِن صَوتِكِ النَّدِيِّ  

كَانَ يَضحَكُ بِغُرُورٍ  

صَرَختُ :  

- أَيَا صَدِيقَ الطُّفُولَةِ  

لَم أَعتَدْ على اِسبَانيَا  

لِتَأخُذَ حَبِيبَتِي مِنِّي  

اِذهَب إلى أقَالِيمِ بِلادِكَ  

فَتِّشْ عَن عَشِيقَةٍ هُنَاكَ  

حَدَجَنِي بِبَسمَةٍ .. وَقَالَ :

- اِسمَعَ قَصِيدَتِهَا عَنِّي  

وَأُسَمِّيَ هَذَا اِنتِحَارِي .  


          *- 6 -*

 

نَدَى ..  

يَا تَشَنُّجَ الرُّوحِ  

يَا زَمهَرِيرَ الفُؤَادِ  

يَا هَوًى مَحفُوفًا بِالمَقَابِرِ  

شُقِّي جُمجُمَةَ الدَّوَالِي  

لِأَقُولَ :  

- هَذَا اِنتِحَارِي .  


           *- 7 -* 


أَقتَرِبُ مِن طَيفِكِ الهَارِبِ  

صَحرَاءَ أَحتَضِنُ  

أَنتِ والسَّرابُ تَوأَمَانِ  

وَأَنتِ وَجهُ الضَّبَابِ العَابِسِ  

وَأَنَا أَخطُو فَوقَ الوَهمِ  

يَجرَحُنِي الصَّمتُ بِبَسمَتِهِ السَّاخِرَةِ  

فَأُضَمِّدُ أَنِينِي بِأَمَلٍ يَنُزُّهُ حُلُمِي  

وَأَخطُو فَوقَ دُمُوعِي  

هَاتِفًا قَلبِيَّ الشَّقِيَّ :  

- لَو كَانَت عِينَاكِ مَشنَقَتِي  

سَأُطَارِدهُمَا لِلأَبَدِ  

وَأُسَمِّيَ هَذَا اِنتِحَارِي .  


          *- 8 -* 


نَدَى ..  

يَا قَطرَةً هَشَّمَت ضُلُوعِي  

يَا تَجَاعِيدَ الدَّمِ اليَابِسِ  

يَا رَمَقَ الضِّحكَةِ المُحتَضِرَةِ  

تَوَقّفِي عَن تَرتِيلِ الصَّمتِ  

أَحلُمُ بِنَعشٍ مُكَلّلٍ بالنَّارِ  

وَبِرَمسٍ يَعِجُّ بالأَظافِرِ  

لأقولَ :  

- هَذَا اِنتِحَارِي .  


          *- 9 -* 


نَاشَدتُ الدَّهرَ أَلَّا يَلُومَكِ  

الدَّهرُ الّذِي أَهنْتِهِ  

وَمَحَقتِ أَموَاجَهُ  

قُلتُ :  

- بَرِيئَةٌ مِن دَمِي  

وَأَمَرتُ العَصَافِيرَ أَلَّا تُهَاجرَ  

وَالْقَمَرُ الغَاضِبُ  

هَدَّأتُ بِهِ العُنفَ  

كَيْ لا يُخَاصِمَ شُرفَتَكِ العَالِيَة  

بَرِيئَةٌ مِن اِثمِهَا المُرِيعِ  

وَهَذَا اِنتِحَارِي .  


          *- 10 -* 


نَدَى ..  

يَا شَظِيَّةَ الصَّبَاحِ

تَفَسَّخَت أَورَاقِي الثُّكلَى  

وَتَيَبَّسَ الشَّوقُ خِنجَرًا  

تَلَوَّت لَهُ الشَّكَاوَى  

وَأَنتِ لَم تَأتِي  

وَلَستِ دَارِيَةً !!  


          *- 11 -* 


سَأَنقَضُّ عَلَى شَفَتَيكِ بِأَوجَاعِي  

أَنَا الصَّدَى الّذِي ضَاعَ  

في زُحمَةِ الصَّمتِ  

أَنَا المَمزُوجُ بِالخَنَاجِرِ  

عِندَمَا تَنفَجِرُ اللُّغَةُ في اِرتِعَاشِي  

سَأَنقَضُّ عَلَى زَفِيرُكِ الحَارِّ  

أَكرَعُهُ خَمرًا ..  

وَأُصَلِّي فَوقَ جَنَاحَيهِ  

أَنَا الوَلَدُ الشُّرِيرُ  

الّذِي اِقتَحَمَ الحُبَّ فَانذَعَرَ  

أَنَا الشَّاعِرُ الدَّجَّالُ  

أُوَحِّدُ بَينَ السَّفكِ وَالهَوَى  

وَأَقُولُ عِندَ ضِفَافِ الشَّوكِ :  

- هَذَا اِنتِحَارِي .  


          *- 12 -*  

نَدَى ..  

يَا سَعِيرَ الهَمسِ  

يَا رُكَامَ الدَّمعِ الزَّانِي مَع الشَّمسِ  

يَا جُنُونَ البَرقِ المَخزُونِ بِالنَظَرَاتِ  

مَتَى تَرحَلُ آلامُ الرُّوحِ عَنِّي ؟!  

مَن يَخلَعُ المَسَامِيرَ مِن ضُحكَتِي ؟!  

مَن يَبتُرُ أَغصَانَ الشَّوقِ ؟!  

لِيَنبَجِسَ المَوتُ في عُرُوقِي  

وَأَقُولُ :  

- هَذَا اِنتِحَارِي .  


          *- 13 -* 


تَوَضَّأتُ بِالجَمرِ،  

فَاسْتَحَمَّ البَحرُ مِن أَنِينِي،  

أَيُّهَا القَلبُ الرَّجِيمُ،  

كَرِهْتُ نَبْضَكَ الثَّرْثَارَ،  

تَافِهٌ فِي أَمَانِيكَ السَّرَابِيَّةِ،  

أَيَا عَنكَبُوتَ الكَلِمَاتِ المُتَهَدِّجَةِ،  

يَا رِيَاحَ السُّكُونِ البَلِيدِ،  

يَا مَوْطِنَ الكُفْرِ وَالخُرَافَةِ،  

سَأَقْتُلُ فِيكَ الهَوَى العَقِيمَ،  

وَأَقُولُ:  

*- هَذَا انْتِحَارِي.*


          *- 14 -* 


إنِّي أَنْحَرُ خَلَايا الوَقتِ  

أُفَتِّتُ غُبَارَ الوِحدَةِ  

وَأَرْكِلُ دُمُوعَ الأَنوَاءِ  

أَنَا النَّسْمَةُ الهَرِمَةُ  

أَنَا البَسْمَةُ النَّزِقَةُ  

يُحَدِّدُ اِنْهِيارِي  

شَكْلَ اِنْتِحَارِي.


      *- 15 -*

نَدى ..

مَزَّقتُ حُبَّكِ وَانهَزَمتُ  

إلى وَحلِ الخَرِيفِ  

تَمَدَّدتُ على الغَمَامِ  

وَانفَجَرتُ ..  

فَرَاشَةٌ حَامَتْ حَولَ النَّدى  

وَاخْتَنَقَتْ ..  

أَشهَدُ أنّكِ القَاتِلَةُ  

وَأَقُولُ:  

هَذَا اِنْتِحَارِي!.*


   مصطفى الحاج حسين.

     حلب عام 1986م



هوية الفدائي بقلم زهير جبر العراق

 هوية الفدائي

بقلمي زهير جبر العراق 


لستُ منهم.

فتّشتُ في كلّ المكاتب،

بين الرفوف وعلى المداخل.

أيعقل ولادة من دون رحم،

أو أب، أو أمٍّ ثكلى في المقابر؟


فتّشتُ في عامٍ مضى،

فتّشتُ في كلّ الوجوه.

زحامٌ يأتي بالزحام،

وعند الباب حارسٌ يسألني:

هل أنت موجود هنا؟

ما اسمك، ما كنيتك؟


ولا جواب…

سوى إشارة: لستُ منهم.


وتمرّ في بالي حكاية من زمان،

عندما كنتُ صغيرًا.

كانت الأحزانُ تأتي كلَّ بيت،

قطع الليل تموج في الأزقّة والشوارع.


كان عمري ألف عام.

كان ميلادي رصاصة،

شمعة، غصن زيتونٌ بقربي،

وزنادٌ ومقاتل.

وكتابٌ فيه اسمٌ مستعار،

فيه نبضٌ ووقار.


خطّ فيه:

أنك بيدرٌ من الخير، وعنوانُ انتصار.

كلّما جفّت لدينا الأرض يومًا،

تبعث فينا السنابل…

بعد طولٍ وانتظار.



بِئْرُ مَاضِي بقلم الشاعر محمّد جعيجع

 بِئْرُ مَاضِي :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

قِف بِنَا فِي حِمَى المُنَى يَا سَعِيدُ ... "بِئْرُ مَاضِي" رَبعٌ وَ مَجدٌ تَلِيدُ 

وَ"جَدُوڨٌ" جِبَالُهُ قَد تَعَالَت ... مِثلُ تِيجَانٍ هُزَّ راسٌ وَ جِيدُ 

وَ"حُرَيفِيشَةٌ" بِظِلٍّ ظَلِيلٍ ... غَابَةٌ فِيهَا رَاحَةٌ وَ مَصِيدُ 

حَجَلٌ ظِربَاءٌ أَرَانِبُ صَيدٍ ... وَ طُيُورٌ غِرِّيدَةٌ وَ المَزِيدُ 

مَاءُ "عَينِ الحَمرَاءِ" نَبعٌ كَرِيمٌ ... سَلسَبِيلٌ جَرَى وَ ذَوقٌ فَرِيدُ 

"عَينُ حَمُّودِ" سَلسَبِيلُ حُقُولٍ ... وَ رَوَابِي سَقيٌ وَ رِيٌّ مُفِيدُ 

وَ حُقُولُ الشَّعِيرِ وَ القَمحِ تَسمُو ... مِن بَعِيدٍ حِرَاثَةٌ وَ حَصِيدُ 

عِنَبٌ رُمَّانٌ وَ خَوخٌ وَ تِينٌ ... جَزَرٌ يَقطِينٌ وَ لِفتٌ يَزِيدُ 

بَصَلٌ خُرشُوفٌ وَ ثَومٌ وَ خَسٌّ ... كُسبَرٌ بَقدُونِسْ وَ عُشبٌ مَزِيدُ 

وَ المَوَاشِي مَعزٌ وَ ضَأنٌ وَ حُمرٌ ... وَ بِغَالٌ وَغَيرُهَا مَا يُفِيدُ 

يُنسَجُ اللِّبسُ وَ الغِطَاءُ بِصُوفٍ ... أَو بِشَعرٍ ضَأنٌ وَمَعزٌ يَجُودُ 

وَ دَجَاجٌ بَطٌّ إِوَزٌّ دُيُوكٌ ... زَادَ نَحلٌ أَرَانِبٌ لَا حَسُودُ 

"تِسْكَمِينٌ" مَعَالِمٌ مِن قَدِيمٍ ... بُنِيَت تَأرِيخٌ وَ إِرثٌ مَدِيدُ 

وَالمُسَمَّى "ذِرَاعُ لَبْغَالِ" يَحوِي ... مَرقَدًا لِلكِرَامِ شَعبٌ وَ سِيدُ 

وَ"كُرَاعْ الحَمْرَا" "تِخْلِقِينْ" "بُوشِوَانٍ" ... وَ"مَرَاحْ لِكْلَابْ" "ڨِرْنِنِي" وَالمَزِيدُ 

وَ"الرَّبِيبْ" "عِلْبُ التَّمْرِ" وَ"القَصْعَ" تَسخُو ... وَ مَعَ "الدَّوْدَايْ" "فَيْضُ لِقْبُورْ" يَسُودُ 

ثُمَّ "دَارُ البَيضَا" وَ"لِفْدُولَ" تَرنُو ... "كُدْيَةَ الكَحْلَ" "كُدْيَةَ الزِّبْدَ" جُودُ 

فَإِذَا نُودِيَ الشَّبَابُ وَ شِيبٌ ... "تَاوْزَةً" أَو "تُوِيزَةً" كَانَ عِيدُ 

دَعوَةُ الخَيرِ لِلتَّعَاوُنِ فِيهَا ... هَبَّ مَالٌ جُهدٌ رِجَالٌ وَ غِيدُ 

كُلُّهُم فِي تَعَاوُنٍ دَائِمٍ فِي ... فَرَحٍ أو حُزنٍ وَ رَاقَ الوَحِيدُ 

فِي الدَّكَاكِينِ حَيثُ تُروَى حَكَايَا ... ذِكرَيَاتِ الصِّبَى وَ يُلقَى الجَدِيدُ 

مَعَ "أَمْقَارْ" حِكَايَةٌ مِنهُ تُروَى ... مِن قَدِيمٍ يَأتِي القَرِيبُ البَعِيدُ 

حَكَوَاتِي الدِّيَارِ مِن غَيرِ نِدٍّ ... لَهُ يُصغِي الجَمِيعُ بِيضٌ وَ سُودُ 

وَ بِمَقهَى الدِّيَارِ يَجلِسُ فِيهَا ... "بَنْ عَرُوسْ" بَينَ الكُلِّ طِيبٌ وَ جُودُ 

مَعَ مَشرُوبَاتٍ وَ قَهوَةِ بُنٍّ ... مَعَ شَايٍ كَالمِسكِ جَادَ السَّعِيدُ 

بِابتِسَامَاتِهِ نَهَارًا وَ لَيلًا ... يَخدُمُ الحَاضِرِينَ مِسكٌ وَ عُودُ 

وَ بِهَا يَلتَقِي شَبَابٌ وَ شِيبٌ ... مِثلُ إِخوَانٍ وَ الجَمِيعُ وَدُودُ 

"بِئْرُ مَاضِي" فِيهَا أُنَاسٌ كِرَامٌ ... وَ سَخَاءٌ خَصَّ الجَمِيعَ وُجُودُ 

فِي الخِيَارِ المُعَلِّمُونَ بِعِلمٍ ... وَ خَلَاقٍ أَفَاضِلٌ وَ وُرُودُ 

زَرَعُوا فِي النَّشءِ الفَضِيلَةَ أَرضًا ... فَنَمَت لَبْوَاتٌ بِهَا وَ أُسُودُ 

أَزهَرَت صِدقًا فِي الحَدِيثِ وَ طِيبًا ... تَبِعَتهُ أَمَانَةٌ وَ عُهُودُ 

فَلَهُم مِنَّا الشُّكرُ بَعدَ الإِلهِ ... وَالدُّعَا دَومًا جَنَّةٌ وَ خُلُودُ 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

محمّد جعيجع من الجزائر – 26 سبتمبر 2025م



أيها العالم الصامت بقلم الكاتب المنصوري عبد اللطيف

 ****أيها العالم الصامت *****

أيها العالم الصامت 

بشقيك الغربي

 والعربي

الى متى هذا الصمت

المريب

و تثر العصر الحديث

يأتي على الاخضر

واليابس

غزة ابادوا

 اهلها

بيروث دمروا

قتلوا

ساكنتها

لاابتهالات الشرق

ولا صلوات الغرب

وجدت الآذان

الصاغية

ولا شلال الدماء

المتدفقة

حرك الضمائر

الميتة

ايها العالم المتخاذل

المتكالب

اما آن الاوان

ليصحو ضميرك

لتحالف قادتك

لانتفاضة شعوبك

من أجل أطفال

مزقت أجسادهم

ونساءانتهكت

حرمتهم

وشباب تناثرت

اشلاء جتثهم

وشيوخ ما احترمت

شيبتهم

أيها العالم المتفرج

على همجية هولاكو

وخبث نيرون

العصر الحديث

متى تسيقظ

من سباتك العميق

متى يكف مراسلوا

قنواتك

عن التضليل

وعن النهيق

وذبابك الإلكتروني

عن التصفيق

الى متى... 

الى متى....

المنصوري عبد اللطيف

ابن جرير 27/9/2025

المغرب



أيا ليلاهُ بقلم إبراهيم سليمان

 (أيا ليلاهُ.....)

يا كل أحلامي يا من تشرقين  الحنين حنانًا  في القلب يسري


                      أيا ليلاهُ يا أملًا

                   وحلم العمر مجتمعًا

                     أيا ليلاهُ يا حلمًا

                   وأمل العمر مكتملًا


أيا ليلاهُ يا أملًا

ويا منتهى العمر

أنا ليلاه تواق

وهل للتوْق من صبر


أنت مبلغي قصدي

أبحث عنك في سفري

بك عرفت نفسي

وعرفت الحب بالفكر


أيا ليلاهُ يا حلمًا

ويا مالكة أمري

أنا ليلاه مشتاق

وهل للشوق من خطر


أنت غايتي حلمي

أتمناك في قدري

فحبك نور أيامي 

يضيء العمر كالقمر


يا نور أيامي يا من تنيرين السنين إحسانًا في الحياة كالبدر


                      أيا ليلاهُ يا أملًا

                   وحلم العمر مجتمعًا

                     أيا ليلاهُ يا حلمًا

                   وأمل العمر مكتملًا


أيا ليلاهُ يا فرحًا

وحزن العمر ملتحمًا

بعدي عنك أشجان

ينوء بحملها ظهري


جرى بنا العمر

 كتقلب موج البحر

رحلت عني يومًا

غلبني اليأس والقهر


وعدت اليوم يا ليلاه

فقر  بك عمري

عشت أنا أهواك

ما عدت الرجل الحر


أيا ليلاهُ يا فجرًا

أشرق بعد الغدر

أنا ليلاه من العشاق

وهل للعشق من هجر


يا أملًا ظل ألاحقه

من أمسي إلى يومي

أنشده ما بقي  زمني

في علني وفي سري


أحيا معك أيامي 

بين الروض والزهر

سيبقى وصالنا أبدا

وتبقين مدى الدهر


فأنت معركتي الكبرى

أحقق بها أملي

وستبقى قصتنا

 حلوة الأثر 


سيتناولها من عشق ومن يعشق ومن سيعشق وستٌرفع دومًا في أرضك راية نصري.


إبراهيم سليمان



...ما أبعدني عن الدنيا اللعينة... بقلم فرحي بوعلام نورالدين المسمى عامري جمال الجزائري.

 ...ما أبعدني عن الدنيا اللعينة...

ما أبعدني عن هاته الدنيا اللعينة


                         والناس تحسبنني منها قريب.


 هم فيها كل آلف و مألوف 


                    فقط !؛ كنت أنا الذي عنها غريب.


 فصرت إلى زهد في غير ثوبه


                    أقضي ما بقي لي من عمر أجوب.


 دروب الزمان ومسالك الحياة 


                   أكمل سبيلي إلى أن يحين غروب.


 تغيرت ملامح الزمان في أهله 


               وصار المرء كثير العدا قليل الحبيب.


 ظلم وجور و فسوق وفجور 


                  تاالله أمر الزمان هذا بحق عجيب.


 شربوا الدنيا حتى منها سكروا 


               طبوا و استطبو فما لهم فيها طبيب.


 فيا خيبة البعض ممن ركنوا إليها 


                       وظنهم أن عيشها خلدا يطيب.


 أليس وعدنا بدار خلد غيرها 


                وملتقى عند الحوض برسول حبيب.


 فمال الناس لاتصحوا من غفلة 


                      أم ماتت القلوب فعزاء ونحيب.


            بقلم فرحي بوعلام نورالدين.


           المسمى عامري جمال الجزائري.


      الجزائر ولاية سعيدة يوم 11-09-2025.



أزقّة الغياب بقلم عائشة_ساكري من_تونس

 أزقّة الغياب

بقلمي عائشة_ساكري من_تونس 

27 سبتمبر  2025.


في الزقاق المبتلّ بالذكريات

يمتدّ صدى خطاكَ

كأنّه رجع لحنٍ قديم

أضاعته الريح في الضباب...


هناكَ،

تحت قنديلٍ وحيدٍ

تهتزّ الظلال على الجدار

تكتب أسماءنا

ثم تمحوها قطرات المطر...


أخبّئ سرّي في جيوب الصمت

وأمضي،

كأنّي عابرة سبيل

ترهقها الحكايا

وتثقُلها رسائل لم تُفتح...


أيها الليل،

أتركتَ لي غير خيوطٍ من وجع؟

أتركتَ غير رماد حلمٍ

وخطواتٍ تتوه بين الضباب؟


أنتَ مرآتي،

أراكَ ولا أراك...

فتمتدّ يدي نحو وهمٍ

يتكسّر قبل أن يولد...


دعني أذوب في صمتك

كعطرٍ يتوارى

في معطف شتاءٍ قديم...

ودع أسراري

تبقى معلّقة

بين قلبي... وبين الضباب.



قراءة نقدية:" القصيدة بين تسريد الشعر والتناص الديني" القصيدة :"حدّ اليقين" للشاعرة الهام عيسى(سوريا) بقلم الناقدة :جليلة المازني(تونس)

 قراءة نقدية:" القصيدة بين تسريد الشعر والتناص الديني"

القصيدة :"حدّ اليقين"

الشاعرة الهام عيسى(سوريا)

الناقدة :جليلة المازني(تونس)


القراءة النقدية: "القصيدة بين تسريد الشعر والتناص الديني"


1- عتبة العنوان:


أسندت الشاعرة الهام عيسى لقصيدتها عنوانا (حد اليقين) له دلالة اسلامية تتمثل حسب علماء الدين في" الوصول الى درجة عالية من الاعتقاد الجازم والثابت الذي لا يخالطه شك أو ريب في القلب, وهو العلم التام والراسخ الذي ينعكس في سلوك المؤمن وطمأنينته النفسية.. اليقين هو أساس الايمان الكامل ودليل على الاحسان في العبادة ومن ثمرات الزهد في الدنيا والعمل الصالح, والسعادة في الدارين".


في هذا الاطار يقول تعالى "واعبُدْ ربك حتى يأتيك اليقين" (سورة الحجر الآية 99) وقد فسر علماء الدين هنا اليقين بمعنى الموت الذي لا شك فيه.


وعلى هذا الاساس ما الذي تعتبره شاعرتنا قد بلغ حد اليقين في القصيدة؟


2- التحليل: تسريد الشعر والتناص الديني بالقصيدة:


أ- مفهوم تسريد الشعر:


يرى النقاد أن تسريد الشعر هو استخدام العناصر والتقنيات السردية في النص الشعري أوتحويل القصيدة الى قصة أو حكاية بما فيها من مقومات السرد (الأحداث, الشخصيات والزمان و المكان ) وأركان السرد من وصف وحوار.


وتسريد الشعر هي ظاهرة أدبية تقطع مع الأجناس الأدبية وتنتهك حرمة أفضلية جنس أدبي على جنس أدبي أوفني آخر.


ب- تجليات تسريد الشعر بالقصيدة:


لقد كانت الشاعرة راوية عليمة بالأحداث فاستهلت المقطع الاول من القصيدة بمقابلة معنوية بين الأزمة وانفراجها:


فلئن كان الواقع متأزما وأليما بأحداثه (حرائق تلتهم الزوايا/ردم في الخسوف/ أينما تحل بقايا أطفال يملأ العيون) فان ساعة الانفراج قد تأخرت (تأخر الصباح على غير المألوف).


والصباح نور وضياء وحياة جديدة تتنافى ومشهد الموت المرسوم بألمه ووجعه


والراوية ليست راوية عليمة بالأحداث فحسب بل كان متدخلة في إبداء رأيها في الزمان(تأخر الصباح) الذي لم يكن في خدمة الأحداث وفي انتشال الشخصيات(الأطفال ) من الموت ولعل الشاعرة تلمح الى أطفال فل.س.طين الشهداء الابرياء ضحايا الك. يا.ن الصه. يو . ني.


ولعل القارئ هنا يستحضر الآية الكريمة81من سورة هود" إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" ليطمئن الشاعرة التي تسرّ الوجع من تأخر الصباح الذي يرمز الى ساعة الانفراج لهلاك العدو الذي استباح دم الاطفال الأبرياء في كل مكان تماما كما كان الصبح موعدا لهلاك أعداء النبي لوط.


وبين صباح عادي وصباح غير مألوف وبين صباح جديد وصباح متأخر وبين أزمة وانفراج لها تعيش الشاعرة قلقا وجوديا انها مأساة عجز الانسان أمام الموت التي لم تبق من الأطفال ولم تذر(بقايا أطفال يملأ العيون).


والشاعرة تصف بامتياز كثرة الضحايا من الاطفال وبشاعة المشهد بصورة شعرية حسية تجعل بشاعة المشهد يثير الاحساس بالوجع.(بقايا أطفال يملأ العيون).


وكأني بالشاعرة سلطت الضوء على هلاك الأطفال لأنهم اللبنة الأولى للمجتمع ولأنهم مستقبل البلاد والعباد. وبهلاكهم  يتم القضاء على مستقبل البلاد لتنهار من الأساس وتذهب ريح العباد.


ازاء هذا المشهد الأليم من الهلاك الشامل لهؤلاء الضحايا والشهداء(من وراء بحار الآلام) لاذت الشاعرة الى إيمانها ويقينها بأنهم سيجازون عند الله بالجنة وبذلك كما تدخلت الراوية في الزمان ها هي تتدخل في المكان لتستبدل المكان الواقعي الاليم بمكان ميتافيزقي (الجنة) .


انها استدعت النص القرآني الآية34 من سورة ( ق) "ادخلوها  بسلام ذلك يوم الخلود" والآية 46 من سورة الحجر "ادخلوها بسلام آمنين".


وقد سخرت شخصية غير بشرية لتنادي في هؤلاء الشهداء ليدخلوا الجنة(نادى مناد).والمنادي الذي ينادي قد ذكره النبيّ (عليه الصلاة والسلام) بانه ملاك ينادي اهل الجنة .


وكأني بالشاعرة تعَزّي نفسها بخلود هؤلاء الهالكين من فلس.طي.ن بدخولهم الى الجنة(ادخلوها بسلام) آمنين خالدين في نور دائم (واسرجوا لياليكم بشعاع النور)


حيث لا ظلم ولا ظلام.


وأكثر من ذلك فان الشاعرة قد استدعت الشخصية الدينية المتمثلة في مريم العذراء (حيث أوت الى جذع نخلة) تقديسا للمرأة الفلس.طي .نية الشهيدة وهي مفرد في صيغة الجمع وهي رمز لكل النساء الفلسطينيات.


فلئن أوت مريم العذراء الى جذع نخلة هربا من كلام الناس أعداء الله فان هذه المرأة الفلس.طي.نية قد أوت الى مكان آمن وخالد بالجنة هربا من ظلم الظالمين


ومؤمنة بقدرها المحتوم الذي يحقق لها السلام والأمان(وابتهلت في صمت وأنين..اللهم آمين) .


ولئن كان حوار المنادي لأهل الجنة جهرا فقد استخدمت الشاعرة الحوار الباطني أو حديث النفس لهذه المرأة التي "ابتهلت في صمت وأنين..اللهم آمين"


 وكأني بها حين شبهتها الشاعرة بمريم العذراء "قد أنذرت لله صوما ألا تكلم اليوم انسيّا" فلاذت بحديث النفس الباطني.


 وتختم الشاعرة بمقطع هو من جنس المقطع الأول بالقصيدة ومن جنس العنوان:


فلئن تأخر الصباح على غير المألوف بالمقطع الاول" فالشمس تفتح ذراعيها بخجل لم تعهدها من قبل بهذا الوجل":


- وكأني بالشاعرة شاهدة عيان على مأساة هؤلاء فلا الصباح طلع عليهم لأنه تأخر ولا الشمس أشرقت لأنها لا تريد أن توقظهم فهي تخفض لهم جناح الذل


- كأني بالشاعرة  وهي راوية عليمة بما يحدث لهؤلاء الضحايا قدعبرت بامتياز عن الازمة وعدم انفراجها بان أخضعت الظواهر الطبيعية في خدمة المعاناة التي يعيشها هؤلاء الضحايا بان جعلت الصباح يتأخر  والشمس وجلة وخائفة من الشروق حتى لا توقظهم وتخفض لهم جناح الذل.


والشاعرة تستحضر مرة اخرى الاية24 من سورة الاسراء(واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) التي تدعو الى البر بالوالدين والدعاء لهما  بالرحمة.


والشاعرة تشخص الشمس لتجعلها تتواضع وتتذلل لهؤلاء الشهداء لان الموت هو حد اليقين وقدرهم المحتوم ازاء الظلم والقهر (فسكرة الموت جاثمة حد اليقين) انه مشهد ابادة جماعية وشاملة. نقلته لنا الراوية العليمة بامتياز في تناغم بين العنوان والقفلة.


والشاعرة هنا تزاوج بين الشعري والفن التشكيلي وهي ترسم للقارئ لوحة تشكيلية تجسد مأساة ابادة جماعية بكل وحشية وبشاعة للاطفال من ناحية ودخول الشهداء للجنة خالدين آمنين.


وفي هذا الاطار استخدمت الشاعرة التناص الديني:


2- تجليات التناص الديني بالقصيدة:


أ- استحضار النص القرآني:


استحضرت القصيدة العديد من النصوص القرآنية:


سورة هود /سورة الحجر/ سورة (ق)/ سورة الاسراء.


ب- استحضار الشخصية الدينية:


- شخصية النبي لوط


- شخصية أهل الجنة


- شخصية مريم العذراء


وفي هذا الاطار من التناص الديني لا تخفي الشاعرة الهام عيسى عن القارئ مرجعيتها الدينية وتشبعها بالروح الدينية التي جعلها تستخدم القصة داخل القصة بان جعلت القصة القرآنية (قصة لوط/ قصة  أهل الجنة/ قصة مريم العذراء/)في خدمة القصة الواقعية (شهداء فلسطين).


وتقنية القصة داخل القصة لها دلالة الاعتبار بها لا سيما الاعتبار بالقصص القرآني .وتقنية القصة داخل القصة تقنية قديمة لضرب المثل اشتهر بها الأديب  القدير عبد الله بن المقفع في قصة كليلة ودمنة ولعل شاعرتنا تحْييها بتسريد الشعر لتجعل قصيدتها لا تقطع مع السرد لتجسد للقارئ مشهد ابادة جماعية لشعب مقهور داعمة ذلك  بتقنية الثنايات المتضادة (نور /ظلام- صمت/ أنين- جنة/ نار- حياة/ موت –أزمة/ انفراج..)


 سلم قلم الشاعرة الذي تفرّد لوجه الحرف سلاحا مقاوما.


بتاريخ 27/ 09/ 2025


القصيدة(د.الهام عيسى)


حد اليقين ..


الهام عيسى


تأخر الصباح على غير المألوف ..


الأمنيات تعبر فوق الحواجز بهجس وخوف ..


حرائق تلتهم الزوايا وردم في الخسوف ..


أينما تحل .. بقايا أطفال يملأ العيون


***


من وراء بحار الآلام


منادٍ ينادي -ادخلوها بسلام ..


واسرجوا لياليكم بشعاع النور


حيث آوت إلى جذع نخلة


هربا من ظلام العالمين


وابتهلت في صمت وأنين ..


اللّهم آمين ..


***


الشمس تفتح ذراعيها بخجل


لم أعهدها من قبل بهذا الوجل


وحتى لا توقظهم


تخفض جناح الذل


فسكرة الموت جاثمة حد اليقين…



نحن لا نكبر بقلم الكاتب رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس

 نحن لا نكبر

سألوني: ماذا تريد أن تكون حين تكبر؟

لم تكن لي إجابة،

وأنا أحمل في عينيّ ركام بيتي،

وفي يديّ دم إخوتي.

أجبتهم: نحن لا نكبر.

يكبر الطّفل حين يستقرٌ،

حين تشهد الشّوارع أحلامه،

ويرسمها على شفاه والديه،

وحين يكتب قصّته تحت الشّمس،

ولا تطالها القنابل فتقصفها.

أو خنجر خائن فيطعنها.

نحن لا نكبر.

فألواننا غيّرها الجوع والعطش،

خطواتنا قيّدتها القنابل،

أحلامنا صادرها الرٌكام،

قصفتها السّماء،

أشعلت فيها النّار،

وأتلفت دفاترها.

نحن لا نكبر.

نعيش مثل ضوء شمعة في ليل طويل،

مثل نور قمر في سماء أثقلها السّحاب.

وبذلنا أكثر ممّا تقوى عليه أجسادنا.

نحن لا نكبر،

ولا نعيش طويلا،

لكنّ طيفنا يخيف الأعداء،

وصوتنا يدكّ جدار الحصار،

أعلى من صمت العالم،

وأطول من عمر لم يكتب لنا.

رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس


كسر الصمت بقلم الكاتبة‏ياسمين عبد السلام هرموش

 كسر الصمت 


أفصحتِ اللوحةُ عن صمتها،

‏وخرجتِ المرأةُ من إطارٍ ضاقَ بأنفاسها،

‏كأنّ الألوانَ ملتْ سكونها،

‏فتناثرَ رمادُها بين الضوء والظل،

‏وكانت ملامحًا غارقةً في الغياب،

‏وروحًا مُعلّقةً على جدارٍ أصم،

‏تمشي كطيفٍ لا يُدركه النظر.

‏رأيتُها تميلُ بوجهها نحو خليلها وتقول:

‏سنواتٌ وأنا حبيسةُ هذا السكون،

‏مجرّد ملامح ضائعة في الغبار،

‏حتى مررتَ أمامي كنورٍ يوقظُ جمرة،

‏تأملتَ وجهي الذي لم يكتمل،

‏وغصتَ في عروقي المرتجفة،

‏فخفق نبضي، وصرتُ حيّة،

‏وتفتّحتُ كربيعٍ يُولد من رُكام.

‏هل تعلم أني قبل أن ألقاك

‏كنتُ الغريبةَ الميتةَ الأشواق؟

‏لوني رمادٌ بين بياضٍ حالكٍ

‏وسوادِ ليلٍ مطبقٍ غسّاق

‏حتى أتيتَ، ففاض فجرٌ باسم

‏يسقي جفاف الروح بالأحداق

‏أيقظتَ فيّ امرأةً منسيّة

‏ضلّت سنينًا بين تيهٍ شاق

‏وتفتّحت أزهارُ عشقٍ بائدٍ

‏بعد الجمود، كخضرة الأوراق

‏أحببتُك الحبَّ الذي لا ينتهي

‏كالنجمِ لا يخبو مع الإشراق

‏ما عاد قلبي يُبصر الدنيا سوى

‏عينيك، رغم النوى ورغم الفراق

‏ورغم عيونِ الحاسدين وغيرتِهم

‏أبقى على العهدِ الجميل أُلاك

‏أنا حرفٌ يذوبُ إذا مررتَ،

‏وريحٌ تهدأُ إن مسَّها نداكَ.

‏كأنَّ عمري قبلكَ كان سرابًا،

‏فجئتَ لتمنحني صدقَ هواكَ.

‏فخذني، فما لي بعدكَ وطن،

‏وما لي مأوى سوى حضنِ ثراكَ.

‏كأنني ما خُلِقتُ إلّا لأكونَ لكْ،

‏وما سكنتُ الحياةَ إلّا بسكنِ هواكْ.

‏ياسمين عبد السلام هرموش 🇱🇧



جذبة السكون بقلم الكاتب سلام السيد

 جذبة السكون


هدهدة الليل كأنغام المجذوب،

بصدى الأرواح، لذكره يصحو وقع الرنة،

اشتياقًا لمحرقته،

فلا الحضور يمنعه إن شاء 

بقوس الصعود عروجًا،

ولا في غياب الكل عنه وحشة.


أول الحب بين كفتي بسملته،

وختامها السر، حضوره.


سلام السيد



قداس الهطول بقلم الكاتبة سعيدة شباح

 قداس الهطول

أيها الورد الذي أضناه الذبول 

شاحبا صرت على مر الفصول

مثل قلب شاخ من قبل الأوان 

لم يعد للملذات يميل

أيها الورد الذي كنت أسقيه بدمعي

فإذا جفت دموعي و شكا القلب العليل 

ذبل الحلم و صار في لون الرماد

و بكى الورد من ظلم و هول

أيها الورد تمهل و أنتظر 

 أوبة الشمس و قداس الهطول 

أنتظر صحوة الروح تعود للحياة 

ياسمينا و أشجار نخيل 

إنتظر قطرة ماء تجيء تكشف

ما حسبناه ذات يوم مستحيل 

إنتظر زفة الفجر و عمرا يولد 

لا ضياء يأتي إلا بعد ليل


سعيدة شباح



قبلات الأمل بقلم الكاتب مصطفى سريتي

 قبلات الأمل

قبلات الشباب قد ضاعت و تلاشى الأمل


وحلت وداعات القلوب جهارا عوض القبل


فتعالت لغاة الخديعة غلابا بفستان الحيل 


أضحى لزوما تشييد جسور يعتليها الفشل


زمن عمت فيه الخبائث فكثرت فيه العلل


فتوارى الإصطبار فينا وانقضى عنه الأجل 


ضرير كنت أجاريك صبرا ولا أطيق العجل


كفيف عفيف أنا عذب اللسان غزير الخجل


جواد حر صبور سمح الفؤاد أخشى الكسل


أبيت من على هذب الورود نديا مثل الطلل


و أصحوا بشوشا بوجه مليح كزرقاء المقل


فإن تهت عنه يوما يقينا قد أصابني الحول


سأجوب جل الميادين عنه بحثا و دون كلل


فأزحف على ركبي مغلوبا ولو صار بهما شلل


هذا حال قلبي دوما صعب المران كثير العلل


فكيف لمغلوب سيبقى عاشقا لها مهمى حصل


فلولى آجالي لقيل عني مثل ذاك المصاب الجلل


وكل هذا ليس بعيب لداتي و لا بالوباء و لا الخلل


و لكن بالصبر كأيوب يكفيني لأعيش إلى الأزل.


مصطفى سريتي


 المغرب



مرت السنوات بقلم صالح مادو

 مرت السنوات

بقلمي: صالح مادو


مرت السنوات

وجُبتُ مُدنًا عديدة

هربًا... وخوفًا

كي أُحقق

ما في خيالي

من أحلامٍ حلوة.


رحلتُ...

ولم أتصور

أن الأولى...

لن تكون الأخيرة.


جُبتُ مدنًا وبلدانًا،

وشاهدتُ

السهول والجبال

والبحار...


لكن لم أُدرك

أن ما أطمح إليه

كان قريبًا،

فوق سنبلة قمحٍ أمامي في السهل،

وفي شجرة تينٍ

فوق الجبل المنيع


عندما يتخطى الرسام حدود الإبداع بقلم الكاتب طه دخل الله عبد الرحمن

 عندما يتخطى الرسام حدود الإبداع

هُوَ ذَا الْفَنُّ الْخَالِدُ.. لَيْسَ رَسْمًا يَتَعَلَّقُ بِالْقِمَشَةِ وَالأَلْوَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَفَسٌ سَاجِدٌ بَيْنَ يَدَيِ الْجَمَالِ الأَعْظَمِ. يَأْخُذُ الرَّسَّامُ الْقَلَمَ، لَكِنَّ الْيَدَ تَرْتَعِشُ فَالرُّوحُ قَدْ سَبَقَتْهَا إِلَى الْعَالَمِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ.

يَبْدَأُ كُلُّ شَيْءٍ بِخَطٍّ أَوْ بُقْعَةِ ضَوْءٍ. ثُمَّ تَأْتِي اللَّحْظَةُ الْمُقَدَّسَةُ، حِينَ يَسْكُتُ الْعَقْلُ، وَتَتَنَحَّى الْحِكْمَةُ الْبَشَرِيَّةُ جَانِبًا. فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، لَا يَكُونُ الْفَنَّانُ سَيِّدَ الْعَمَلِيَّةِ، بَلْ أَدَاةً طَيِّعَةً بِيَدِ سِرٍّ عَظِيمٍ. تَتَحَوَّلُ الْفُرْشَاةُ إِلَى جَنَاحِ مَلَكٍ، يَنْقُلُهُ بَيْنَ عَوَالِمَ لَا تُرَى. يُصْبِحُ اللَّوْحُ مِرْآةً لِرُوحِ الْكَائِنَاتِ، وَالنَّقْشُ عَلَيْهَا هُوَ تَرْجَمَةٌ لِهَمْسِ الأَنْفُاسِ وَصَمْتِ الأَحْلَامِ.

عِنْدَهَا.. لَا يَرْسُمُ بِالأَلْوَانِ، وَإِنَّمَا يَسْكُبُ عَلَى الْقِمَشَةِ ضِيَاءَ الْفَجْرِ، وَعُصَارَةَ اللَّيْلِ، وَحَنِينَ الْقُلُوبِ الْعَطِشَةِ. يَرْسُمُ صَمْتَ الْوَحْدَةِ وَضَجِيجَ الْوِجْدَانِ. يَرْسُمُ الْوَقْتَ وَهُوَ يَتَجَمَّدُ فِي لَحْظَةِ خُلُودٍ.

فَإِذَا بِاللَّوْحَةِ تَتَحَدَّى الْوُجُودَ نَفْسَهُ، لَيْسَتْ صُورَةً لِشَجَرٍ وَسَمَاءٍ، بَلْ هِيَ ذَلِكَ الشَّجَرُ وَتِلْكَ السَّمَاءُ قَدْ وُلِدَتْ مَرَّةً أُخْرَى، بِنَسِيجٍ مِنَ الْغَيْبِ. الْحَبَّةُ فِيهَا تَنْبُضُ، وَالنَّهْرُ يَجْرِي حَقًّا بَيْنَ أَزْهَارِهَا، وَالْعُيُونُ الْمَرْسُومَةُ تَنْظُرُ إِلَى نَفْسِكَ بِعُمْقٍ يُزْعِجُ الرُّوحَ.

هَذَا هُوَ تَخَطِّي حُدُودِ الإِبْدَاعِ.. أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحَاكَةِ وَالتَّقْلِيدِ، إِلَى فَضَاءِ الْخَلْقِ الْجَدِيدِ. أَنْ تَمَسَحَ الْحُدُودَ بَيْنَ الْحُلْمِ وَالْحَقِيقَةِ، حَتَّى يَصِيرَ الْخَيَالُ هُوَ الْأَصْلَ، وَالْمَرْئِيُّ هُوَ الظِّلُّ. هُوَ أَنْ تَصْنَعَ مِنَ الْجَمَالِ دِينًا، وَمِنَ اللَّوْحَةِ مَعْبَدًا يَسْجُدُ فِيهِ كُلُّ مُشْتَاقٍ إِلَى نُقْطَةِ النُّورِ الَّتِي وُلد مِنْهَا الْكَوْنُ.

فَإِذَا مَا اكْتَمَلَتِ اللَّوْحَةُ، وَوَضَعَ الْفَنَّانُ فُرْشَاتَهُ أَخِيرًا، يَقِفُ خَاشِعًا كَطِفْلٍ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ بِوَقَارٍ وَخُضُوعٍ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سِوَى قِنِّيْنٍ أَمِينٍ، نَقَلَ رِسَالَةً مِنَ الْعَالَمِ الْأَعْلَى، لَمْ تَكُنْ مِنْ صُنْعِ يَدِهِ، وَإِنَّمَا مِنْ هِبَةِ رُوحِهِ.

طه دخل الله عبد الرحمن

البعنه == الجليل

27/09/2025



صوت القصائد بقلم الكاتب نصيف علي وهيب

 صوت القصائد

.. 

لا تكتبُ العنادل 

قصائدها

نسمعها تغريدا

كذلك الورود

تتمايل ألوانا

وإلى الأنفاس

تتطايرُ عطرا

نحن من نكتب

والروح

على بغداد

تحلق

... 

نصيف علي وهيب 

العراق



عند الفقد بقلم الكاتب سعيد إبراهيم زعلوك

 عند الفقد


عندَ الفَقدْ،

يَثقلُ الوقتُ حتى يَكادْ،

ويَغدو كَصَخرٍ يَجرحُ صدرَ الجَوادْ،

ويَزحفُ فينا كأوجاعِ صَمتٍ طِوالْ،

ويُوقِظُ فينا الحَنينْ.


عندَ الفَقدْ،

لا يَغيبُ الأحبّةُ كُلّهمُ،

ففي زَوايا البيوتِ يَنامون،

في رائحةِ الكُتبِ العَتيقةِ يُقيمون،

وفي فِنجانِ قهوةٍ لم يَبرُدْ بعدُ،

وفي نَجمةٍ لا تَغيبْ.


عندَ الفَقدْ،

نَعلمُ أنَّ الغيابَ خِداعْ،

وأنَّ الأرواحَ لا تَعرفُ البُعدَ،

تَجيءُ إلينا كحُلمٍ رَقيقْ،

وتَضحكُ فينا كصَوتِ الصدى،

وتَسكُنُ بينَ الضُّلوعْ.


✍  سعيد إبراهيم زعلوك



مشتاقون بقلم د. محفوظ فرج المدلل

 مشتاقون 


مشتاقون

قالتْها وتوارتْ عَنّي

فرَوَتْ لي العصفورةُ 

أنَّ تواريها عن قصدٍ

كي توقظَ فيكَ الشجنَ الضاربَ

في الأعماقِ

تَدعْكَ تَذَكَّرُ كلَّ لقاءٍ 

كنتَ تغازلتَ بهِ معها

تَتَذكَّرُ حسنَ مُحَيّاها 

حينَ يرفرفُ قلبُكَ

كالطائرِ وهو يحومُ 

على هالاتِه

تحضرُ قدّامَك الحاظٌ

 من عينينِ هما أحلى من لونِ عسَل 

النحلِ 

به حرقةِ لونٍ أسودَ كنتَ تدقِّقُ

في إيِّ عوالمَ ترحلُ فيكَ

لا تدري الا بعد تَبسُّمِها

يرسو مركبُكَ الغاطسُ على

أطرافِ الهدْبِ

رَوتْ لي العصفورةِ

أنَّ تواريها 

من بعدِ ال(مشتاقونَ )

سيورثُ فيضاً من أحرفِكَ المحمومةِ

تلهجُ  فيها مثل المجنونةِ

تمسكُ أعماقُ مخارجِها 

 أطرافَ الأرْدانِ وتغطسُ 

في عَبقِ اليسمينِ النائمِ 

يبن الثوبِ وبين بياضِ الساعدِ

أتَذَكَّرُ أنّا منذُ تلاقيْنا 

في بَريّة سامراء

عَرَفَتْ روحانا أنّا من عهدِ سلالةِ أكدٍ

نعشقُ بعضَيْنا 

وبقينا متَّحديْنِ 

إلى أنْ زحفَ الرومانُ 

طغاةُ القرنِ الواحدِ والعشرين

فَتفرَّقْنا 

وشعرتُ على كِبَرٍ أنّي أبحثُ عنّي

في زحمةِ أشتاتٍ أودى فيها

الخَرّاصون وجمعُ المرتزقة

لكنْ ظَلَّتْ قامتُكِ الحنطيّةُ

باسقةً كنخيلِ البصرةِ 

تَمْثُلُ لي في الحاراتِ المأسورةِ

حتى العودةِ للبريّةِ  لا يمكنُنِي رؤيتها !

وُضِعَتْ أسلاكٌ شائكةٌ 

تَمتدُّ على طولِ الدربِ إليها

أين أراكِ ؟

 وحلبُ الشهباءُ عليها سورٌ فولاذي 

في شحّات ؟

وشحاتُ تمادى فيها

من لا يعرفُ طيبةَ أهليها 

لن ألقاكِ إلى أنْ يرتَدَّ 

المندسونَ يجرّونَ ذيولَ الخيبة


د. محفوظ فرج المدلل



امنيات عم فتحي لمحمد مطر عامية مصرية

 امنيات عم فتحي

لمحمدمطر 

عامية مصرية


سألت عمي فتحي إيه احلى الاماني قال لي عاوز أفطر حبتين فول مدمس هي دي أقصى الاماني


وكمان اتغدى حتتين لحمةفي الحلة بدمعةحمرة وشوية رز مفلفل من بتاع زمان  وأعزم اي حد جاني


أنا مش عاوز شاوزمة ولا باتيه ولا برام حتى اورمه هي اللحمة بدمعة دي  مكفياني


انا مش عاوز البتاع اللي بيقولوا عليه فليتو ولانيفة ولا حتى ريشة  من كبش ضاني


هي ياعم اللحمة بقت بكام النهاردة 

اصلي من زمان من زمان الميزانية عنها مبعداني


نفسي يكون عندي ديك يكركر لما الفجر يحضر ولوجاني ضيف ادبحه واحطه مكتف عالصواني


عاوز أحطب ومراتي تزرغت لما ابني يتجوز الحلوة بنت جارنا ويكون بالجوازة الاولاني


نفسي في حبايةغلة من صلب ضهر غيطنا ومتكونش جاية من عند اللي بيسموه مستر فولاني


وعاوز اشرب شوية ميه حلوة في قلة من بتاع زمان ومش عاوز من الدنيا حاجه تاني


عاوز لما اروح لجارنا يعزم علي بقلب

وملاقيش حالته زفت زيي وكمان  عمال  يعاني


نفسي لما أمشي في الشارع ارفع دماغي لفوق وكاني مش من الديانة ماشي جاني


ونفسي اسدد ديوني اللي مخلياني اطاطي راسي بين الناس لو مشيت لوشي مسوداني


وعاوز اروح اصلي وانا بالي مع الله  ومش مشغول لما يرفع المؤذن ليه في صوت أداني


نفسي أكل نفسي اشبع نفسي ما أوفر لقمة لابني لان الأكلة دي مش

مكفياني


ونفسي لما اقف احاسب ما اعد  فلوسي اصلي خارج وعامل حسابي ولقيت السعر تاني


ونفسي ونفسي ونفسي لكن الظرف الزفت مش هي اللي مخلياني


نفسي لما أمشي اعوج طاقيتي وأبين قصتي ويقولوا مش ده عمي فتحي المعجباني


نفسي اضحك نفسي اكرر لما مصلحي جارنا يقولي نكتة وتكون في ضحكي مسخسخاني


قلت له والله ياعم فتحي انازيك ظروفي هباب والحياة على نومي حتى مش مهنياني


سلام ياعم فتحي والزمن ياعم فتحي داس علينا هو اللي أندلس عليه يصحى تاني


سلام ياعم فتحي


محمد مطر


عويل الذئاب.. بقلم:حميد النكادي.

 عويل الذئاب..

بقلم:حميد النكادي..

 

سُمِع عويل 

الذئاب بوادينا

صاح الديك فجرا 

يوقظ اهالينا

هلموا قبل

 أن تَنهش

أنيابهم مواشينا 

أم استسلمتم 

 للنوم وقلتم 

ليس ذاك

 في وادينا

من فيكم 

يخرج يوافينا 

بخير يقين من 

شرهم ينجينا؟

الذئاب الجائعة 

إن طافت بنا

فسلام على 

ابينا واخينا

ذئاب فوق 

الربوة هناك 

تتحين اللحظة 

تنقض لتفنينا 

يا أمة النعاج

أليس فينا 

من يحمينا ؟

تبولوا علينا

ولا تحرك راعينا...

فرنسا 27/09/2025


 


تحليل القصيدة بالتفصيل، مع التركيز على الاستعارات والمعاني الرمزية: ​تحليل قصيدة "عويل الذئاب" ​تدور القصيدة حول صراع وجودي بين جماعة ضعيفة مهددة (يرمز إليها بـ النعاج والأهالي) وبين خطر داهم وقاتل (يرمز إليه بـ الذئاب الجائعة). إنها صرخة غضب واستنهاض تنتقد بشدة الخمول والجبن وفشل القيادة. ​1. الإحساس بالخطر والإنذار (الذئاب والديك) ​الذئاب الجائعة ({عويل الذئاب بوادينا}): هي الرمز الأساسي للخطر المحدق، الجشع، والقوة العدوانية التي لا ترحم. كلمة "عويل" تُضفي جواً من الرعب والتهديد القريب. كما أن وصفها بـ "الجائعة" يؤكد أن هدفها هو الاستهلاك والفناء. ​صياح الديك ({صاح الديك فجرا يوقظ أهالينا}): يمثل النداء العاجل للوعي والتحرك. الديك هنا هو ناقوس الخطر الذي يدعو إلى ترك سبات الغفلة قبل فوات الأوان. ​الهدف الواضح للذئاب {أن تَنهش أنيابهم مواشينا}): يؤكد على أن الخطر موجه ضد مقدراتهم وأمنهم المعيشي (المواشي)، مما يهدد بقاءهم. ​2. نقد التخاذل والتهرب (الأهالي) ​دعوة الاستنهاض ({هلموا قبل أن تنهش...}): نداء يائس للمواجهة والتحرك الجماعي. ​الاستسلام والنكران ({أم استسلمتم للنوم وقلتم ليس ذاك في وادينا}): هنا ينتقل الشاعر من وصف الخطر إلى نقد ردة الفعل الباردة للجماعة. يُهاجم الإنكار والتسليم السلبي للقدر، وكأنهم يختارون الموت وهم نائمون. ​البحث عن القائد ({من فيكم يخرج يوافينا بخير يقين من شرهم ينجينا؟}): يكشف هذا البيت عن غياب القائد الفعلي أو عن الشعور باليأس من القدرة على المواجهة الذاتية، فيبحثون عن "بشير" أو مُنقذ. ​3. ذروة الغضب والمرارة (أمة النعاج والراعي) ​الذئاب في وضع الاستعداد ({ذئاب فوق الربوة هناك تتحين اللحظة تنقض لتفنينا}): يصور هذا المشهد الخطر كأنه مُتربص ومُخطط، ينتظر اللحظة المثالية للانقضاض النهائي ({لتفنينا}). ​وصف المجتمع بـ "أمة النعاج" ({يا أمة النعاج أليس فينا من يحمينا؟}): هذا هو أقوى وأقسى رمز في القصيدة. النعاج هي رمز الضعف، الخنوع، وعدم القدرة على الدفاع عن النفس، التي تُقاد نحو مصيرها. الشاعر هنا يصف الجماعة بأسلوب تحقيري لشدة غضبه من خمولهم. ​فشل الراعي (القيادة) ({تبولوا علينا ولا تحرك راعينا}): يُعد هذا البيت بمثابة خاتمة صادمة ومؤلمة لتصوير العجز. ​عبارة "تبولوا علينا" هي تعبير عامي عن قمة الإهانة والتحقير من قبل الأعداء. ​"ولا تحرك راعينا" يوجه الاتهام المباشر إلى القيادة أو المسؤول (الراعي) الذي فشل فشلاً ذريعاً في حماية رعيته، وبقي ساكناً ومتبلداً أمام هذا الإذلال المُطلق. ​الخلاصة ​القصيدة هي صرخة شاعر يشعر بالخطر الداهم وبأن الكرامة الوطنية أو الجماعية قد دُنست، وأن السبب الرئيسي لهذه الكارثة هو تخاذل الشعب (النعاج) وفشل قيادته (الراعي) في القيام بواجبهما. إنها دعوة مُرّة للانتباه قبل أن يصبح البقاء مجرد "سلام على أبينا وأخينا".


تجربة مريرة بقلم الكاتب يحيى محمد سمونة - حلب.سوريا

 تجربة مريرة


قضيت ليلة ليست هادئة ولا هي هانئة في فندق كذا نجمة تحت الصفر - لم أعد أذكر اسم ذاك الفندق و أظنه كان في ساحة المرجة بدمشق -


و في صبيحة اليوم الثاني من ذلكم التاريخ لملمت أشلائي [ أشلائي ولا أقصد أشيائي ] من الفندق متوجها نحو مركز انطلاق الباصات في العباسيين و هناك صعدت باصا متوجها نحو حمص و أعلمت المعاون أن وجهتي هي النبك فقط و طلبت منه إعلامي حالة وصولنا إلى هناك لأنني لست أعرفها


كان الباص قد تخطى منطقة النبك بما يقرب من خمسمائة متر حين سألني السائق المعاون قائلا: ألست الذي وجهتك النبك؟ قلت: بلى. قال ها نحن قد تجاوزنا النبك، ثم التفت إلى السائق و طلب منه التوقف، الذي ما لبث أن تمهل بعد مئة أخرى و من غير أن يتوقف تماما رأيتني أندفع للنزول و هذا ما جعلني أسقط أرضا، فتراكض ركاب الباص نحو النوافذ لمعرفة ما جرى لي، لكنني تمالكت نفسي و استقمت واقفا و أشرت للباص أن ينطلق و انطلق الباص، و شعرت بعدها أن شيئا ما يسيل من جبيني، تحسسته بيدي فكان دما نازفا


كم أنا تعيس اليوم ؟ هذا ما قلته في نفسي و أنا أمسح بيدي ذاك الدم النازف و أنا أسير ببطئ عائدا نحو مركز تجمع النبك الذي كنت قد ابتعدت عنه أكثر من ستمائة متر بحكم عدم معرفتي بأبجديات سفري هذا


كانت الساعة قد تخطت الواحدة ظهرا و الشمس قد أحرقتني حين وصلت إلى الباب الرئيسي الذي ضم بضع عناصر من الشرطة العسكرية، اقتربت من أحدهما مترددا، سألته 

عما يتوجب علي القيام به من إجراءات باعتباري أحمل مهمة الالتحاق بمركز التجمع، أجابني بجلف و بطريقة لم أكن اعتدت عليها من قبل و طلب مني أن أتوجه إلى الذاتية على يمين الطريق بعد مئة متر و هناك أسلم مهمتي و أستلم لباسا عسكريا و ما يتبع ذلك من مهمات


و بالفعل انطلقت نحو الجهة التي أشار علي بها ذاك العنصر من الشرطة العسكرية، و انتهي بي الأمر إلى مجند وضع كرسيا خارج غرفة لا تشبه الغرف التي يسكنها أبناء المدينة و كان هذا المجند قد حمل بيده منقاشا و مرآة فهو يقتلع بضع شعرات من حاجبيه !! [ كان ذاك العمل عند أهل المدينة هو من الأعمال المعيبة بالنسبة للرجال ]


و من غير أن ينظر إلي ذاك المجند، سألني دونما مبالاة منه بي، قائلا: نعم ؟


- وكتب: يحيى محمد سمونة - حلب.سوريا 


إشراقة شمس 76


كم مضى من العمر..وجع يتلألأ في تسابيح العيون..؟! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 كم مضى من العمر..وجع يتلألأ في تسابيح العيون..؟!

الإهداء:.إلى..تلك المنبجسة من اختلاجات العزلة ..والمطلة على مهجة القلب..من خلف نوافذ الرّوح


عتمات الغروب،لها صمتها،يفيض به الصبر

حين يحطّ على ليل 

أوجاعنا..

فنبلّل المدى بالصلاة..نعلن عشقنا للرّيح

والإنتماء..

ونردّد لغة لم تبح بسرّها

كلّ المرايا..

***

ها هنا،يمتشق الوجد..

غيمة للهدى

ويرسي على ضفاف المدامع..

                       فتمضي بنا

على غير عادتها..

الأغنيات

آه من الرّيح تنوء بأوجاعنا المبكيات..

وتسأل الغيم..عسى يغسل 

رغبتها..بالندى..

عسى ينتشي البدر،ويعزف أغنية

يبتغيها..الصدى

فيضيء الصمتُ البيوتَ..

كي ننام عل ليل أوجاعنا..

نبكي الحصار..

       وما أفرزته الخطايا

وما لم تقله المساءات للرّيح..

        ووما وعدته الرؤى

برغيف،لم ينله الحصار..

كم لبثنا هنا..! 

لست أدري..؟!

وكم أهملتنا الدروب

وتهنا في أقاصي التشرّد

وكم مضى من العمر..

وجع يتلألأ في تسابيح العيون..

وكم ألقت علينا المواجع من كفن..

كي نعود إلى اللّه 

وفي يدينا حبّة من..تراب

وطين يشتعل في ضلوعنا..

      وزززولا يعترينا العويل..

***

آه من زهرة أهملتها الحقول..

وضاع عطرها

           ويتضوّع بين الثنايا..

كما لو ترى،العنادلَ تمضي لغير أوكارها..

في المساء

تهدهد البحر كي ينام على سرّه

كي تنام النوارس 

على كفّه

قبل أن يجمع أفلاكه للرحيل..

***

  وها هنا في هدأة الليل

       نلهث خلف الرغيف

نعانق الصّوت 

والصّمت..

ويمضي بنا الشوق

والأمنيات تمضي..

   إلى لجّة الرّوح

كي لا يتوهّج الجوع فينا..

لماذا أهملتنا البيادر

 ووهبت قمحها للرّيح..؟!

لمَ لمْ تجيء الفصول بما وعدتنا به

وظللنا كما الطفل نبكي-حصار المرارة-

-حصار الرغيف-

        وووألغتنا المسافات من وجدها..

حتى احترقنا

وضاع اخضرار العشق من دمنا

فافترقنا..

تركنا زرعنا..

في اليباب

تركنا الرفاق..

ربّما يستمرّ الفراق

 طويلا

وربّما يعصرنا الحزن والجوع

والمبكيات..

ألا أيّتها الأرض..اطمئني..

     سينبجس من ضلعك

النّور.. 

والنّار

ونعمّق عشقنا في التراب..

فيا أيّها الطير..

يا طائر الخبز تمهّل

ولا تسقط الرّيش 

            من سماء الأماني

سنبقى هنا..نسكن الحرفَ..

نقتل الخوفَ..

ونبحث فينا عن الشّعر..

ونبلّل قمحنا

بالعناق

ونرى اللهَ 

                            في اخضرار الدروب

فكم رعشة أجّجتها المواجع

 في الضلوع

وهجعت على غير عادتها..

الأمسيات...؟!


محمد المحسن



ما ضام مقدام بقلم الشاعر منصور العيش

 ما ضام مقدام

أين الكروم و العناقيد الصحباء 

يا رب و أين الخيرات و الثراء 


و أين السواقي  الناشد خريرها 

و أين البساتين و الغلال النعماء 


و أين الولدان  و صخب مرحهم

و أين العرائش و ظلالها الرحباء 


لا الآبار أضحت متدفقة وديانها 

و لا الأرض  أينع زرعها المعطاء 


أرض ما خاب حارثها و ساقيها 

و من نيران العدى ترى قحطاء 


جنى على البقاع قصف شنيع و

هو للعدو ضغائن و غلائل شنعاء 


قد توهج  لهيب قصفه من عل 

فصاحبه تلف  و تهجير و جلاء 


ساعات العسر قد توالت أعواما 

فجفت المآقي  و ما  خف الفداء 


الأكباد مكلومة و الضمائر ثائرة 

و العود للديار ما فقد منه رجاء 


صامد هو النضال الضاري  على

وطن للذود عن بقائه وجب الوفاء 


أنتركه يضيع منا و نحن عصب 

إن وحدت غايتها ما هضم لها بقاء 


الزعامات تفوهاتها  قد احتشمت 

مذ خانتها الأنفة و العزة و البلاء 


التوعد إن لم تعضضد العزائم 

أدركته مذلة و زوال  و إمحاء 


لولا نخوة تواكبها روح الجهاد 

ما انبرى للصد حماة شداد أكفاء 


الجذور إن من مغارسها استلت 

أصابها تلف يقين و يباس و فناء 


ها مجازر شعوب الهنود لها عود 

في الشرق و الأعين عنها عمياء 


و إبادة أهل البوسنا غير بعيدة 

أوما منها تؤخذ العبر يا أشقاء ؟


المنية إن حصحص أوانها قلادة 

لكل ابي  التحرير  غايته الشماء 


       منصور العيش 

       إستبونا

              20 - 09 - 25


*(( قِصَّة قَصيرَة )):* *((دَهالِيزُ كُشْكِ الأُدَباء))* بقلم الكاتب (مصطفى الحاج حسين).

 *(( قِصَّة قَصيرَة )):*

*((دَهالِيزُ كُشْكِ الأُدَباء))*


(مصطفى الحاج حسين). 


*الدَّهْلِيزُ الأَوَّلُ.*


أَنا تَعرَّضتُ لِلسَّرِقَةِ، لِلأسَفِ الشَّدِيدِ، وَلا أستَطِيعُ أَنْ أَتَّهِمَ أَحَدًا مِنكُمْ.. لأنَّكُمْ أَحِبَّتِي، وَأَنَا أَثِقُ بِكُمْ جِدًّا.. لا أَحَدَ مِنكُمْ غَرِيبٌ عَنِّي، فَأَنتُمْ إِخوَتِي وَأَصدِقَائِي،  

وَأَعرِفُ أَنَّكُمْ تُحِبُّونَنِي، وَلا يُمكِنُ لِأَحَدٍ مِنكُمْ أَنْ يَغْدِرَ بِي، وَيُطاوِعَهُ قَلبُهُ عَلَى تَحطِيمِي، وَالتَّسَبُّبِ بِدُخُولِي السِّجنَ بِتُهمَةِ النَّصبِ وَالاحتيَالِ، وَيُسِيءَ لِسُمعَتِي أَمَامَ النَّاسِ، وَخُصُوصًا أَمَامَ رِفَاقِي فِي الوَسَطِ الأَدَبِيِّ الَّذِي أَنتَمِي إِلَيهِ.. وَأَنتُم تَعرِفُونَ أَنَّ رَأسَ المَالِ الَّذِي أَعمَلُ بِهِ، لَيسَ لِي.. فَهُوَ أَمَانَةٌ عِندِي، أَعطَانِي الدُّكتُورُ نُقُودَهُ بِهَدَفِ التَّشغِيلِ، فَهُوَ يَستَفِيدُ، وَأَنَا أَستَفِيدُ، وَأَنَا بِدَورِي أَمَّنتُ لَكُم فُرصَةَ عَمَلٍ مُرِيحَةٍ، بِأُجُورٍ جَيِّدَةٍ.. الآنَ، مَاذَا يُمكِنُنِي أَنْ أَفعَلَ؟!.. كَيفَ سَأُوَاجِهُ الدُّكتُورَ؟!.. كَيفَ أُقابِلُهُ؟!.. وَماذا أقولُ لَهُ؟!.. هَلْ أُخبِرُهُ أَنِّي سُرِقْتُ؟!.. وَهَلْ سَيُصَدِّقُنِي؟!.. وَطَبعاً سَيَسألُنِي:*


*- مَنِ الَّذِي سَرَقَكَ؟!*


ماذا سَأُجيبُهُ؟!.. وَأَنتُم كُلُّكُم مَحسوبُونَ عَلَيَّ، أَي أَنتُم جَميعُكُم مِن طَرَفِي.. هُوَ لَمْ يَخْتَرْ أَيَّ واحِدٍ مِنكُم.. بَلْ هُوَ لا يَعرِفُكُم، وَلا يَتَعرَّفُ عَلى أَيِّ واحِدٍ مِنكُم.. هُوَ يَعرِفُنِي أَنا فَقَط.. أَعطى نُقودَهُ لِي.. لِأَنَّهُ كانَ يَثِقُ بِي، وَيُرِيدُ لِي الخَيرَ.. فَقَدْ سَحَبَ مِنَ البَنكِ ما كانَ قَدْ أَودَعَهُ، وَهِيَ حَصِيلَةُ شَقَاءِ عُمرِهِ، فِي التَّدريسِ بِالجّامِعَةِ، وَتَأليفِهِ الكُتُبَ، وَنَشاطِهِ الثَّقافِيِّ الكَبيرِ.


كُنتُ مُمَيَّزاً عِندَهُ، كانَ بِمَثابَةِ الأَبِ لِي.. شَجَّعَنِي عَلى الكِتابَةِ، مَدَّ يَدَ العَونِ لِي.. سَلَّطَ عَلى مَوهِبَتِي الأَضواءَ.. مَنَحَنِي الجَوائِزَ القَيِّمَةَ.. قَرَّبَنِي مِنهُ، وَأَنا الَّذِي لا يَحمِلُ الوَثِيقَةَ الإِبتِدائِيَّةَ.


بَلِ الْمِئَاتُ مِمَّنْ يَحْمِلُونَ الشَّهَادَاتِ الْجَامِعِيَّةَ،  

وَالْمَاجِسْتِيرَ، وَالدُّكْتُورَاه.


كُنْتُ مَحْسُودًا مِنْ قِبَلِ أَغْلَبِيَّتِهِمْ، بِسَبَبِ اهْتِمَامِهِ وَرِعَايَتِهِ وَحُبِّهِ لِي.


فَمَاذَا أَقُولُ لَهُ الآنَ؟!..  

وَأَنَا عَلَيَّ، فِي كُلِّ مَطْلَعِ شَهْرٍ، أَنْ أَذْهَبَ إِلَى بَيْتِهِ،  

وَأَدْفَعَ لَهُ أَرْبَاحَهُ.. فَإِنْ أَخْبَرْتُهُ، سَيَقُولُ:


- أَنْتَ وَحْدَكَ الْمَسْؤُولُ عَنْ عُمَّالِكَ، فَهُمْ جَاءُوا مِنْ قِبَلِكَ، وَهُمْ إِخْوَانُكَ، وَأَقْرِبَاؤُكَ، وَأَصْدِقَاؤُكَ..  

وَلَا دَخْلَ لِي بِهِمْ.. أَنَا أَعْرِفُكَ أَنْتَ، وَسَنَدُ الْأَمَانَةِ

، أَنْتَ مَنْ وَقَّعَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُحَامِي.


وَرُبَّمَا يَسْأَلُنِي:


- بِمَنْ تَشُكُّ؟!


فَبِمَاذَا أُجِيبُهُ؟!


أَنَا لَا أَشُكُّ بِأَحَدٍ مِنْكُمْ..  

مُسْتَحِيلٌ أَنْ أُفَكِّرَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.. فَأَنْتُمْ أَعِزَّاءُ، وَجَدِيرُونَ بِثِقَتِي.. وَلَكِنْ، كَيْفَ أَرُدُّ عَلَيْهِ؟!


سَتَكُونُ فُرْصَةً عَظِيمَةً لِمَنْ يَحْسُدُونَنِي  

لِيَتَحَدَّثُوا عَنِّي، خَاصَّةً لِمَنْ لَمْ يُحَالِفْهُ الْحَظُّ،  

وَلَمْ يَفُزْ بِالْجَائِزَةِ الْعَرَبِيَّةِ

الَّتِي نِلْتُهَا أَنَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ.. فَقَدْ جَعَلَتْ كَرَاهِيَتَهُمْ لِي تَزْدَادُ وَتَتَفَاقَمُ.. وَالآنَ، صَارَ لَهُمْ مُمْسِكٌ عَلَيَّ، سَوْفَ يُلَطِّخُونَ اسْمِي الَّذِي تَعِبْتُ عَلَيْهِ كَثِيرًا،  

وَيَنْسِبُونَ لِي أَقْذَرَ الصِّفَاتِ وَأَبْشَعَهَا.. خاصة (الشعرور أبو طاهر)،

ومِنْهُمْ مَنْ سَيَجْعَلُ مِنِّي (زِيرَ نِسَاءٍ)، وَبَعْضُهُمْ سَيُؤَكِّدُ بِأَنَّنِي أَلْعَبُ الْقِمَارَ،  

وَأَتَعَاطَى الْخَمْرَ، أَوْ رُبَّمَا الْمُخَدِّرَاتِ.. أَوْ أَنَّنِي قُمْتُ بِإِخْفَاءِ النُّقُودِ، ثُمَّ ادَّعَيْتُ خَسَارَتَهَا.


وَأَنَا لَيْسَ بِمَقْدُورِي الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِي.. وَلَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُوَجِّهَ تُهْمَةَ السَّرِقَةِ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ، لِأَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى سَرِقَتِي، كَانَ حَتْمًا شَدِيدَ الذَّكَاءِ، وَلَئِيمًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ،  

وَقَادِرٌ عَلَى دَفْعِ التُّهْمَةِ

عَنْه.


*(دَهْلِيزٌ خَفِيّ).*


زَوْجَةُ صَدِيقِي (صَلَاحِ) تَكْرَهُنِي، وَلَا تُطِيقُ ذِكْرَ اسْمِي أَمَامَهَا، وَقَدْ فَعَلَتِ الْمُسْتَحِيلَ لِإِبْعَادِي عَنْ زَوْجِهَا..  وَأَنَا أُحِبُّهُ.. وَأَعْتَبِرُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَصْدِقَائِي.. لِهَذَا بَذَلْتُ جُهُودًا كَبِيرَةً، وَكَثِيرَةً،  

حَتَّى أَسْتَطِيعَ إِرْجَاعَ صَدَاقَتِنَا، عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ سَابِقًا، وَلَكِنَّنِي عَجَزْتُ.. لَقَدْ خَسِرْتُهُ..  

وَأَنَا، مُنْذُ سَنَوَاتٍ، فِي حَالَةِ أَلَمٍ، وَحُزْنٍ شَدِيدَيْنِ.


هِيَ تَعْرِفُ مَدَى مَتَانَةِ، وَقُوَّةِ صَدَاقَتِنَا، فَنَحْنُ الاثْنَانِ، أَكْثَرُ مِنَ الإِخْوَةِ،  

نَكَادُ لَا نَفْتَرِقُ، رَغْمَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ، بَيْنَ بَيْتِي وَبَيْتِهِ

.. تَفْصِلُنَا مَسَافَةٌ، تَحْتَاجُ إِلَى (حَافِلَتَيْنِ)، لِنَجْتَازَهَا..  

هُوَ فِي شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ، وَأَنَا فِي غَرْبِهَا.. وَكُنَّا، لِكَيْ نَلْتَقِيَ، نَسْتَقِلُّ بَاصَيْنِ،  

أَوْ نَرْكَبُ تَكْسِي أُجْرَةٍ،  

يَوْمَ نَتَأَخَّرُ فِي سَهَرَاتِنَا، وَيَكُونُ مَعَنَا نُقُودٌ تَكْفِي..  

وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ، يَوْمَ نَكُونُ مُفْلِسِينَ،  

كُنَّا نَمْشِي سَيْرًا عَلَى الأَقْدَامِ، بِمِقْدَارِ سَاعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.. كَانَ الْمُهِمُّ أَنْ نَلْتَقِي.


أَهْلِي يُحِبُّونَهُ جِدًّا،  

وَأَنَا، بِدَوْرِي، كُنْتُ أَلْقَى مِنْ أَهْلِهِ، الْمَحَبَّةَ وَالتَّقْدِيرَ.


صَدَاقَتِي مَعَهُ، بَدَأَتْ قَبْلَ تَعَرُّفِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ،  

بِسَنَوَاتٍ عَدِيدَةٍ،  

حَدَّثَنِي عَنْهَا كَثِيرًا، حِينَ تَعَارَفَا، وَصَارَحَنِي بِإِعْجَابِهِ الشَّدِيدِ بِهَا،  

قَبْلَ أَنْ يُصَارِحَهَا،  

وَكُنْتُ، أَنَا بِدَوْرِي، أُشَجِّعُهُ عَلَى حُبِّهَا، وَالِارْتِبَاطِ بِهَا،  

لِأَنَّهَا بَدَتْ لِي، أَنَّهَا تَحْمِلُ صِفَاتٍ جَيِّدَةً، وَهِيَ ابْنَةُ نَاسٍ طَيِّبُونَ.


وَبَعْدَ زَوَاجِهِ مِنْهَا، عَرَّفْتُ زَوْجَتِي عَلَيْهَا، وَنَشَبَتْ بَيْنَهُمَا صَدَاقَةٌ مَتِينَةٌ..  

فَأَخَذْنَا نَتَبَادَلُ الزِّيَارَاتِ الْعَائِلِيَّةِ، فِي الْمُنَاسَبَاتِ، وَالْأَعْيَادِ، وَأَوْقَاتِ الْفَرَاغِ، وَغَيْرِهَا.


وَكَثِيرًا مَا كُنَّا نَحْضُرُ الأَمَاسِيَ الأَدَبِيَّةَ مَعًا،  

سَوَاءٌ كُنَّا، أَنَا وَ(صَلَاحِ)، مُشَارِكَيْنِ فِي الأُمْسِيَةِ،  

أَوْ كُنَّا مُجَرَّدَ حُضُورٍ، لِأُدَبَاءِ غَيْرِنَا.. وَكَذَلِكَ كُنَّا نَحْضُرُ، بَعْضَ أَفْلَامِ السِّينَمَا مَعًا.


أَقْصِدُ.. كَانَتِ الْعَلَاقَةُ بَيْنَنَا، رَائِعَةً، وَمَتِينَةً، وَعَلَى خَيْرِ مَا يُرَامُ.


وَعِنْدَمَا الْتَحَقَ (صَلَاحِ) بِخِدْمَةِ الْعَلَمِ الإلْزَامِيَّةِ، وَكَانَ بِحَاجَةٍ لِلنُّقُودِ..

لِتَغْطِيَ مَصْرُوفَهُ.. عَرَضَ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْهُ، مَكْتَبَتَهُ الأَدَبِيَّةَ.. فَقَدْ كَانَ يَمْلِكُ مَكْتَبَةً غَنِيَّةً، تَحْتَوِي عَلَى رَوَائِعِ الْكُتُبِ وَالْمَجَلَّاتِ الأَدَبِيَّةِ..  

وَأَنَا كُنْتُ مُسْتَأْجِرًا، (كُشْكَ الأُدَبَاءِ)، الْوَاقِعَ فِي سَاحَةِ (سَعْدِ اللَّهِ الْجَابِرِيِّ)، أَمَامَ (نَادِي الضُّبَّاطِ).. وَكُنْتُ أَشْتَرِي الْكُتُبَ وَالْمَجَلَّاتِ الْمُسْتَعْمَلَةَ بِالْجُمْلَةِ، وَأَقُومُ بِبَيْعِهَا بِالْمُفَرَّقِ.


ذَهَبْتُ إِلَى بَيْتِهِ.. تَأَمَّلْتُ الْكُتُبَ الَّتِي أَعْرِفُهَا جَيِّدًا..  

وَالَّتِي كُنْتُ أَسْتَعِيرُ بَعْضَهَا

.. وَسَأَلْتُهُ:


ــ كَمْ تُرِيدُ ثَمَنَهَا؟.


قَالَ:


ــ لا أَعْرِفُ.. أَنْتَ قَيِّمْ لِي ثَمَنَهَا؟.


قُلْتُ:


ــ بِثَمَانِيَةِ آلَافِ لِيرَةٍ..  

وَلَوْ عَرَضَهَا عَلَيَّ غَيْرُكَ..  

لَدَفَعْتُ لَهُ بِهَا (سِتَّةَ آلَافِ لِيرَةٍ).


قَالَ، وَهُوَ خَجُولٌ فِي الأُمُورِ الْمَادِّيَّةِ:


ــ أَنْتَ تَعْرِفُ كَمْ هِيَ غَالِيَةٌ عَلَيَّ.. وَلَكِنَّهَا الْحَاجَةُ يَا صَدِيقِي.. لِذَلِكَ أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تُعْطِيَنِي ثَمَنَهَا عَشَرَةَ آلَافِ لِيرَةٍ.


وَلَمَّا كَانَ صَدِيقِي (صَلَاحِ)

، غَالِيًا عَلَى قَلْبِي، وَأَنَا أَتَمَنَّى مُسَاعَدَتَهُ وَخِدْمَتَهُ..  

بَرَقَتْ فِي ذِهْنِي فِكْرَةٌ جَمِيلَةٌ.. فَقُلْتُ:


ــ اِسْمَعْ يَا (صَلَاحِ).. أَنَا سَأَخْدِمُكَ، فِي بَيْعِ مَكْتَبَتِكَ.


سَأَلَنِي بِلَهْفَةٍ:


ــ كَيْفَ؟!.. اِشْرَحْ لِي.


ــ سَأَبِيعُ لَكَ الْمَكْتَبَةَ بِالْمُفَرَّقِ، وَلَنْ أَشْتَرِيَهَا مِنْكَ بِالْجُمْلَةِ.


ثُمَّ أَخَذْتُ أُوَضِّحُ لَهُ، وَأَشْرَحُ فِكْرَتِي، الَّتِي لَمْ يَكُنْ، قَدِ اسْتَوْعَبَهَا بَعْدُ.  

قُلْتُ:


ــ اُكْتُبْ لِي قَائِمَةً، بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَالْمَجَلَّاتِ، الَّتِي عِنْدَكَ.. وَاكْتُبْ عَلَى كُلِّ غِلَافٍ خَارِجِيٍّ مِنْهَا، ثَمَنَ النُّسْخَةِ، بِطَرِيقَةٍ لا يَفْهَمُهَا الْمُشْتَرِي.


قَالَ مُبْتَسِمًا:


ــ لَمْ أَفْهَمْ.. كَيْفَ؟!.. وَضِّحْ لِي أَكْثَرَ.


أَجَبْتُهُ:


ــ أَنْتَ قَدِّرْ ثَمَنَ الْكِتَابِ..  

وَاكْتُبْ عَلَيْهِ السِّعْرَ الَّذِي تُرِيدُهُ، بَعْدَ أَنْ تُضِيفَ عَلَى الرَّقْمِ الْمَطْلُوبِ.. (مِئَةٌ وَخَمْسَةٌ).. يَعْنِي:  

إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بَيْعَ النُّسْخَةِ بِعِشْرِينَ لِيرَةً،  

فَاكْتُبْ عَلَى غِلَافِ النُّسْخَةِ، الرَّقْمَ: (مِئَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ).  

وَعِنْدَ الْبَيْعِ، نَطْرَحُ مِنَ الرَّقْمِ (الْمِئَة)، وَالْخَمْسَةُ، تَكُونُ قَابِلَةً لِلْمُسَاوَمَةِ، وَلِلْمُرَاعَاةِ، إِنْ قَامَ الْمُشْتَرِي بِالْمُسَاوَمَةِ، فَنَبِيعُهُ النُّسْخَةَ بِـ (عِشْرِينَ).


دَائِمًا نَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ: (مِئَةٌ وَخَمْسَةٌ)،  

وَعِنْدَ إِسْقَاطِهَا، تَبْقَى التَّسْعِيرَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِلنُّسْخَةِ، مِنْ دُونِ أَنْ يَعْرِفَ السِّرَّ أَحَدٌ.


وَأَنَا بِدَوْرِي، سَوْفَ آخُذُ مِنْكَ (بِالْمِئَةِ عَشَرَةً)،  

مِنْ سِعْرِ الْمَبِيعِ، وَهَكَذَا يَصِلُ إِلَيْكَ مَبْلَغٌ جَيِّدٌ،  

بَدَلَ أَنْ تَبِيعَهَا بِالْجُمْلَةِ، دُفْعَةً وَاحِدَةً.


كَانَ بِإِمْكَانِي أَنْ أَرْبَحَ أَكْثَرَ، فِي بَيْعِ الْمَكْتَبَةِ،  

لَكِنَّهُ (صَلَاحِ)، الَّذِي أُحِبُّهُ..  

صَدِيقُ عُمْرِي.. فَأَنَا لَا أَطْمَعُ بِرِبْحٍ، مِنْ خِلَالِهِ،  

بَلْ كُلُّ مَا أَرَدْتُ أَنْ أَحْصُلَ عَلَيْهِ، هُوَ تَعْوِيضُ بَعْضِ نَفَقَاتِي.. فَأَنَا أَدْفَعُ أُجْرَةَ (الْبَرَّاكَةِ) الشَّهْرِيَّةَ، إِلَى جَانِبِ أُجُورِ الْعَامِلِينَ.. مَعِي فِيهَا.. وَثَمَنُ فَوَاتِيرِ الْكَهْرَبَاءِ، وَالْمُوَاصَلَاتِ،  

وَالْغَرَامَاتِ الْكَثِيرَةِ،لِشُرْطَةِ (الْبَلَدِيَّةِ)،  وَإِلَى شُرْطَةِ (الْمُكَافَحَةِ)، وَإِلَى عَنَاصِرِ أَمْنِ (الْجِنَائِيِّ)،  

وَعَنَاصِرِ أَمْنِ (الدَّوْلَةِ)، وَعَنَاصِرِ أَمْنِ (السِّيَاسِيِّ)،  

وَعَنَاصِرِ أَمْنِ (الْعَسْكَرِيِّ)، وَعَنَاصِرِ أَمْنِ (الْجَوِّيِّ)،  

وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُصَادَرَاتِ، وَالضِّيَافَاتِ، وَالسَّرِقَاتِ،  

وَالنَّصْبِ وَالِاحْتِيَالِ، وَالدُّيُونِ الْمَيِّتَةِ، الَّتِي لَنْ تُدْفَعَ لِي.


كَانَ (صَلَاحٌ) سَعِيدًا، بِمُسَاعَدَتِي لَهُ، وَلَقَدْ قَدَّمَ لِي الشُّكْرَ، وَأَعْرَبَ عَنْ امْتِنَانِهِ مِنِّي، وَأَمْسَكَ بِيَدِي، وَضَغَطَ عَلَى أَصَابِعِي.


وَأَخَذْنَا أَنَا وَهُوَ، بِتَسْعِيرِ بَعْضِ الْكُتُبِ، عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي اقْتَرَحْتُهَا..  

ثُمَّ حَمَلْنَا قِسْمًا مِنْهَا فِي حَقَائِبَ، وَأَتَيْنَا بِهَا إِلَى (الْبَرَّاكَةِ).. وَبَدَأْنَا عَرْضَهَا، عَلَى بَسْطَةٍ، جَانِبَ

(الْبَرَّاكَةِ)، مِنْ طَرَفِ بَابِهَا.


وَسُرْعَانَ مَا لَفَتَتْ انْتِبَاهَ الْكُتَّابِ وَالْأُدَبَاءِ، وَالْفَنَّانِينَ وَالْمُثَقَّفِينَ.. الّذينَ يتردَّدون، وبشكلٍ دائم، على (بَرّاكَتي) الصّغيرة، الّتي أطلقوا عليها اسم (كُشك الأدباء).. فقد كانوا هُنا، وعلى الرّصيف العريض، مكانَ تَجمّعِهِم، ولقائِهم، ومواعيدِهم، قبل أن ينطلقوا إلى مبنى (البريد)، أو إلى إحدى المقاهي المُنتشِرة، أو إلى فرع (اتّحاد الكُتّاب العرب).


وعلى مدارِ أيّامٍ عديدة، كان (صَلاح)، وبِمساعدةِ أخويْه، يأتون إلى

(البَرّاكَة)، حاملين رُبَطاتِ الكُتب والمجلّات، مع قائمةٍ بعددِها، وعناوينِها، وأسعارِها.


وكانت الأيدي تَخطَفُها، وتنتظرُ وُصولَها، فهي غنيّةٌ، وذاتُ قيمةٍ هامّة، ونادرةُ التَّواجُد، وبأسعارٍ رَخيصة.


كان هناك من يشتريها دَيْنًا، وهناك من يأخذُ أعدادًا منها، ثمَّ يُساوِمُني على الشّراء بالجُملة، لا بالمُفرّق، وبالتالي عليَّ أن أُراعيَهُ في السّعر.

 

وكان هناك من يقول لي:


- لا أَملِكُ إِلّا هذا المَبلَغَ.


ويكونُ مَبلَغُه ناقصًا عن السِّعرِ... أيضًا، كان هناك مَن يُخفي بعضَ الكُتبِ بينَ الجرائدِ والمجلّاتِ التي يَحمِلُها، ويقومُ تحتَ سِتارِها بالسّرقةِ، ولا يَدفَعُ لي ثمنَها.


وكان هناك مَن يُشغِلُني، أو يُشاغِلُ أحدَ إخوتي، بعدَ انتهاءِ دَوامي وبِدءِ دَوامِه. لصوصُ الكُتُبِ بارعون، وهذا معروفٌ عنهم في كلِّ بُلدانِ العالَمِ؛ فهم أذكياءُ، ومثقَّفون، ومخادِعون... لا أحدَ يَقدِرُ عليهم.


بِعتُ الكُتُب، وفي تَقديري، بعدَ تَعبي... كنتُ خاسِرًا.


(صلاح) سيُحاسبُني بموجبِ القوائمِ التي كَتبَها، وهو يَحتفظُ بنسخةٍ منها لديه، عن كلِّ كتابٍ ومجلّة.


حاولتُ أن أشرحَ له المشكلةَ، فقامَ بالتّنازلِ عن مبلغِ (ألفِ ليرةٍ)، لكي لا أتحمَّلَ المسؤوليّةَ

وَحدي.


وَلَكِنَّ بِتَقديري، كانت خَسارتي أَكبَرَ مِن هذا الرَّقمِ بِكَثيرٍ.. ولَم أستَطِعْ أن أَتَكَلَّمَ أَكثَر.. صَمَتُّ.  

وكانَ عَلَيَّ أن أَدفَعَ لـ(صلاحٍ) مَبلَغًا قِيمتُهُ (سَبعةٌ وأَربعونَ ألفَ ليرةٍ).. المَكتبةُ الّتي قَدَّرتُ ثَمنَها (بِثمانيةِ آلافِ ليرةٍ)، طَلَبَ (صلاحٌ) مِنّي دَفعَ (عَشَرةِ آلافِ ليرةٍ)، بِحُجّةِ أَنَّها غالِيةٌ عليه، ثُمَّ لَمَّحَ لي بِصُعوبةِ وَضعِهِ الماديِّ السَّيِّئ. فدَفَعَني، بِدافعِ المَحبّةِ والمُروءةِ، أن أَعرِضَ عليهِ أن أَبيعَها لهُ بِالمُفَرَّقِ.. وَبِهذِهِ الطَّريقةِ، الّتي لَم أَحسِبْ أَبعادَها.. رَبِحَ (صلاحٌ)، وَتَضَرَّرتُ أنا.


أنا لا أَفهَمُ، وَلا أُصلِحُ، لِلتِّجارةِ.. لَستُ بِالرَّجُلِ الماديِّ.. أَتَحرَّجُ، وَأَخجَلُ، وَلا أُساوِمُ، أَو أُبازِرُ، أَو أُفاصِلُ، أَو أَغُشُّ، أَو أَتلاعَبُ، أَو أَخدَعُ، أَو أَكذِبُ، أَو أَخُونُ، أَو أَغدِرُ، أَو أَستَغِلُّ، أَو أَحتَكِرُ، أَو أَنكُصُ، أَو أَتَقَلَّبُ، أَو أَهرُبُ، أَو أَظلِمُ.


وكلُّ هذا أدواتٌ للتّاجرِ النّاجحِ، والمتفوّقِ، والرّابحِ، والمتوسّعِ، والشّاطرِ، والحاذقِ.


ومع هذا، طلبتُ من (صلاحٍ) أن يُعطيني (ثلاثةَ آلافِ ليرةٍ)، فيُصبحَ له عندي مبلغُ (خمسينَ ألفِ ليرةٍ)، أُشغِّلُها له عندي، ريثما يُسرَّحُ من الجيش، مقابلَ أن أدفعَ له، (ألفًا وخمسمائةَ ليرةٍ) شهريًّا، على سبيلِ الأرباح.  

فوافق، وجلبَ لي المبلغَ من راتبِ زوجتِه، ووقّعتُ له على سندِ أمانةٍ، ليطمئنَّ هو وزوجتُه، حيث كنتُ في ضائقةٍ ماليّة، بعد أن صادرت لي شرطةُ (المكافحة) كمّيّةً كبيرةً من الدّخانِ المُهرَّب.  

وصار في مطلعِ كلّ شهرٍ، يأتي إلى (البرّاكة)، ويأخذ منّي المبلغَ المُتَّفقَ عليه.


سنتانِ وأكثرُ، ونحن على هذا الحالِ، وبعد أن سُرِّحَ من خدمةِ (العَلَمِ)، طلب منّي نقودَه، فاتّفقتُ معه أن أُرَدِّها له بعد شهرين.


لم تكن ظروفي الماليّةُ بالجيّدةِ، كنتُ أتراجعُ، وأخسرُ، في (البرّاكة)..  

فأستدينُ، وألجأُ إلى تشغيلِ الأموالِ، من أصدقائي ومعارفي، على أملِ تعويضِ الخسائرِ، رافضًا أن أعترفَ بالهزيمةِ

، والفشلِ.

  

دائمًا كنتُ أبحثُ عن المُبرّراتِ، والحُججِ، والأعذارِ، ومُتخيّلًا نفسي بأنّني سأعوّضُ خسائري، وأربحُ الكثيرَ، وأُصبحُ غنيًّا، تفتخرُ بي زوجتي، وتتباهى أمام الجميع.


أنا: كتابةُ الشِّعرِ، والقصّةِ، والقراءةِ، ومتابعةُ الأمسياتِ والمهرجاناتِ الأدبيّةِ، وانخراطي في الوسطِ الأدبي، ومشاركاتي في المسابقاتِ الأدبيّةِ، التي يُعلَنُ عنها في سوريّةَ وسائرِ الأقطارِ العربيّة، وتردّدي على المقاهي، والحاناتِ، ومُعاشرتي للأدباءِ، ومُنافستهم، وتحدّيهم، وتعرّفي على فتياتٍ عوانسَ، يَدّعينَ الكتابة... وحُبُّهُنَّ للقراءةِ والمطالعةِ، وإعجابُهُنَّ بكتاباتي، ومصاريفي الكبيرةُ، كانتِ السَّببَ في تردّي وضعي المادّيِّ هذا.


حُصولي على عدَّةِ جوائزَ أدبيّةٍ، في حلب، وسوريّة، وبعضِ الدّول العربيّة، في زمنٍ قصير، شغَلَني، وجعلَ منّي حالِمًا بالمجدِ، والشُّهرةِ، والثّراء.. وهذا ما جعلني أُهملُ مُتابعتي للبَرّاكَةِ، التي كانت مُربِحةً لمن يَهتمُّ بها.


مرّةً أُخرى، وبعدَ انقضاءِ شَهرين، وكُنّا نجلسُ في مقهى (الموعد)، أنا و(صلاح)، وصديقٌ عزيزٌ آخر، اسمُه (طلال)، وكان صديقُنا هذا، يعملُ في التّرجمة، وهو من أعظمِ مُتذوّقي الأدب، في الشِّعرِ، والقصّةِ القصيرةِ، والرّوايةِ، والنّقد.. فهو واسعُ الثّقافةِ، يُجيدُ لُغاتٍ عديدة، ومُطّلعٌ على رَوائعِ الأدبِ العالمي.


حينها، طالَبَني (صلاح) بنقودِه، ونحنُ في الجلسةِ هذه، وذكّرني بالمَوعدِ الذي كُنتُ أنا مَن حدَّدتُهُ، منذ شَهرين، لتسديدِ المبلغ.


اِنْتابني بعضُ الصَّمْتِ.. وفكَّرتُ أن أعرضَ فكرتي على (صلاحِ)، بوجودِ صديقِنا (طلال)، فهو محبٌّ لنا، أنا و(صلاحِ).. ومؤكَّدٌ أنّه سيساعدُنا على إيجادِ حلٍّ، ولن يترُكنا نختلف.


قلتُ:


- (صلاحِ).. أنا أُعاني من وضعٍ مادّيٍّ صعب، ولا أُريدُ أن أقولَ لك:


- لا نُقودَ عندي.


تغيَّرتْ قسماتُ وجهِ (صلاحِ).. وجهُهُ الأبيضُ الجميلُ، تحوَّلَ إلى الاِحمرار، وأُصيبَ بالوجوم.. وأخذتْ عيناُهُ العَسَلِيّتانِ تَرْمِشانِ بسرعةٍ أكثر، إلى جانبِ ارتباكِ حدقتَيْهِ.


وانكمشتِ ابتسامةُ (طلال)، فوقَ شَفَتَيْهِ الرَّقيقتَيْن، والحادّتَيْن.. نظرَ إلينا، وسأل:


- ما بكُما؟!.. عن ماذا تتحدّثان؟!


أرادَ (صلاحِ) أن يتكلّمَ، وكان صوتُهُ مشحونًا بالضِّيقِ والانفعال، لكنّي سبَقْتُه، وقطعتُ عليهِ الطّريق:


- ولكن... لديّ فكرةٌ، وفيها فائدةٌ لك ولي، إنْ أنتَ وافقتَ عليها.


قال (طلال):  

- يا جماعة، أنا لم أفهم، عن ماذا تتحدّثان؟


أخذ (صلاحِ) يشرح لـ(طلال) الأمر، بينما كنتُ أُراجعُ فكرتي، وأدرسُها بشكلٍ جيّد.


وسألني (طلال)، وكان الاستغرابُ بادياً عليه:

 

- (مصطفى)، أنا عملتُ معك في (كشك الأدباء) لأكثر من سنة، وكانت مبيعاتك ممتازة...  

صار في جوارك مركزُ انطلاقِ سفريّات (النّحاستور)، وإنّ إقامةَ الأعراسِ في نادي (الضّباط)، الواقعِ أمام (برّاكَتك)... كذلك النّاسُ دائمًا منتشرونَ في ساحة (سعد الله الجابري)، القريبةِ منك... فلماذا أنتَ في ضائقة؟! وأحوالُك في تراجع؟!، لا بدَّ أنّ هناكَ من يقومُ بسرقتك!!


وتدخّل (صلاحِ) في الحديث:


- يا رجل... بيعُ الدّخانِ المهرَّبِ عندك، كافٍ لأن يُغنيكَ، وكذلك المشروبات

(كازوز)، و(مندرين)، و(كولا)، ومياهٌ (معدنيّة)، إلى جانبِ بيعك لـ (الموالح)، وأنواعٍ لا تُحصى من (الشّوكولا)، و(البسكويت)، و(البوظة)

... ويبقى الأهمُّ عندك، وهو بيعُك للكتب، والجرائد، والمجلّات.


قال (طلال):  

- أنتَ تشتغلُ في أهمِّ منطقةٍ في حلب... هنا مركزُ المدينة، وساحةُ (سعد الله الجابري)، و(نادي الضّباط)، ومركزُ (البريد)، و(المقاهي) العديدة، و(المطاعم) المتنوّعة، و(الاستراحات) الجميلة، و(الحديقة العامّة)، والمركز (الثّقافي)، والمكتبة (الوطنيّة)، و(اتّحاد الكتّاب العرب)، و(نادي التّمثيل العربي)، و(النّادي العربي الفلسطيني)، و(جمعيّة العاديات)، ونقابة (الفنّانين)...

وَالْمَسْرَحُ (الْقَوْمِيُّ)، وَمَعْهَدُ (الْفُنُونِ التَّشْكِيلِيَّةِ)، وَ(الْمُتْحَفُ الْوَطَنِيُّ)، وَجَرِيدَةُ (الْجَمَاهِيرِ)، وَالْفُنْدُقُ (السِّيَاحِيُّ)، وَ(الْمَكْتَبَاتُ الْعَامَّةُ)، وَمَرَاكِزُ (السَّرْفِيسِ)، وَمَوْقِفُ (بَاصِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ)، وَ(مَحَطَّةُ بَغْدَادَ لِلْقِطَارَاتِ)، وَشَلَّالَاتُ (نَهْرِ قُوَيْقٍ)، وَمَصَارِفُ (التَّسْلِيفِ الشَّعْبِيِّ)، وَ(وَالْبُنُوكُ الْمَرْكَزِيَّةُ)، وَمَرْكَزُ (حَجْزِ الطَّيَرَانِ)، وَمِنْطَقَةُ (الْجُمَيْلِيَّةِ)، وَمِنْطَقَةُ (بَابِ جَنِينَ)، وَمِنْطَقَةُ (السَّبْعِ بُحَيْرَاتٍ)، وَمِنْطَقَةُ (التِّلِّلِ)، مَرْكَزُ بَيْعِ الْأَلْبِسَةِ الْجَاهِزَةِ، وَمَحَلَّاتُ بَيْعِ الْأَحْذِيَةِ، وَ(مُنْشِيَّةُ الْبَاصَاتِ)، وَمَرَاكِزُ فُرُوعِ (الْأَمْنِ) الْمُتَعَدِّدَةِ، الْأَمْنُ (الْجِنَائِيُّ)، وَأَمْنُ (الدَّوْلَةِ) وَالْأَمْنُ (السِّيَاسِيُّ)، وَالْأَمْنُ (الْعَسْكَرِيُّ) وَفَرْعُ (حِزْبِ الْبَعْثِ الْعَرَبِيِّ الْاِشْتِرَاكِيِّ)، وَ(الشَّعْبِ الْحِزْبِيَّةِ) وَ(مُدِيرِيَّةِ التَّرْبِيَةِ)، وَفَرْعُ (الشَّبِيبَةِ)، وَ(نِقَابَاتِ الْعُمَّالِ) وَ(حَنَاتِ الْخَمْرِ)، وَمُشْفَى (الْقَسِيسِ) لِلْوِلَادَةِ.


وهنا التفتَ إليّ صديقي (صلاح)، وأخذَ يُقسمُ لي:


- أقسمُ بالله يا (مصطفى)

، إنْ لم تستغلَّ وجودَك في هذه (البرّاكة)، وتجمعْ ثروةً تُؤمِّنُ بها مستقبلك، فسأقولُ عنك: غبيّ، وفاشل، وأحمق.


وأكّد الصديقُ (طلال) على كلامه، بقوله:


- نعم، أنا أتّفقُ مع (صلاح) في قوله هذا.


تابعه (صلاح)، موجّهًا اتّهامَه لي:


- يا أخي، أنتَ مصروفُك كبير، لقد شكا لي منك أخوك (سامي).


ثم راح يشرح لـ (طلال):


- إنّه يصرفُ بلا حساب، على صاحباتِه.. كلُّ ساعةٍ تأتي لعنده واحدة، فيأخذُها ويذهب.. ثمّ إنّه لا يزالُ محافظًا على عاداتِه الرّيفيّة.. عندما نكون في المقهى، يدفعُ الحسابَ عن جميعِ من يجلسُ معنا على الطّاولة!

وكذلكَ يطلبُ الشّايَ والقهوةَ، في الجلسةِ الواحدة، أكثرَ من مرّة.. وكأنّه جالسٌ في بيتِه!


وتراهُ في اليومِ الواحد، ينتقلُ من مكانٍ إلى آخر.. ساعةً تجدهُ في مقهى (الموعد)، وساعةً في مقهى (رمسيس)، وأخرى في منتدى (الشّام)، وبعدها في صالة فندق (السّياحي)، ويذهبُ أيضاً إلى (بوفيه) الحديقة العامّة، وإلى استراحة (النّخيل)، ثمّ ينتقلُ إلى حانة (حنّا كعدة)، أو مطعم ومقصف (المنشيّة)

، وفي المساءِ، يُصاحبُ الشّاعر (محمود علي السّعيد) إلى مقصف (نادي الضّباط).


ومطلوبٌ منه أن يصرفَ، ويدفعَ، ويركبَ(التّكاسي)

، ويدورَ من مكانٍ إلى مكان، ومن شلّةٍ أدبيّة، إلى شلّةٍ أخرى!


سألني (طلال)، وهو يضحك:


- ومتى تذهبُ إلى بيتك؟!.. وكيف تحتملُكَ زوجتُكَ؟!

  

قلتُ بتحرُّجٍ:

 

- آهٍ يا أصدقائي... أنتم تُغالون، ولا تعرفون صعوبةَ ظروفي.


صاح (طلال): 


- اصمتْ يا (مَنيك)! لقد شكا لي منك، أخوك (سامي) أيضاً... قال:


-إنك لا تأتي إلى (البرّاكة)، إلّا لتأخذَ ما جمعوه من (غلّة)... تضعُ النّقودَ في جيبك، وتغيبُ. والله... لوْلا وجودُ أخيك (سامي)، لتدمّرتَ أنتَ، وتحطّمتْ تجارتُك.


قلتُ بنزقٍ:

 

- (سامي) أخي... أكثر من يعرفُ ما أنا أُعانيه من مشاكلَ في (البرّاكة)... أنا لا أنكرُ كلامكم... نعم، أنا (مُبذِّر)... ولا أنكر هذا، لكنْ على مُوجبِ حساباتي وتقديري... أنا أربحُ في كلِّ يومٍ ما يُقارب أو يتجاوز (الألفي ليرة)، وإن كنتُ أُنفِقُ في اليومِ الواحد (ألفَ ليرة)، فهذا يعني أنني أُوفّر (الألف) الثانية، في كلّ يوم! فأين تذهبُ هذه النّقود إذًا؟!  أنا مُفلِسٌ يا جماعة... تراكمتْ عليّ الدّيون، وإلى جهاتٍ عدّة... أكاد أَجُنّ... أنا لا أنام!

  

تابعتُ كلامي، مخاطبًا (صلاح): 


- أنتَ يا (صلاح)، ستأخذُ منِّي نقودكَ، لتُضيفها على ثمنِ الذّهبِ الذي بعتهُ لزوجتكَ، وأودعتَه عند (الرّواس)، بقصدِ تشغيلِ النّقود، وهو يدفعُ لكَ، على (المئةِ ألفٍ)، (ثلاثةَ آلافِ) ليرةٍ في الشّهر... وأنا كنتُ أفعلُ معكَ هذا، أدفعُ لك (ألفًا وخمسمائة) ليرة، على مبلغكَ (الخمسين ألفًا)... والآن، ما الفرقُ عندكَ، بين أنْ تودِعهم عند (الرّواس)؟ أو أن تأخذهم منّي على أقساطٍ؟ بعد أن أضيفَ لكَ عليهم (عشرةَ آلافٍ) ليرة؟!..  

وهكذا، أنتَ تربحُ (العشرةَ آلافٍ)، وأنا بدوري أوفّر (عشرةَ آلافٍ).


ردَّ (صلاح)، وعلاماتُ الحيرةِ باديةٌ عليه:

 

- لا أنكر... إنّها فكرةٌ جميلة... ولكن، أليس هذا حرامًا؟


(صلاح)... أكثرُ واحدٍ في شلّتنا تديُّنًا، ولكنّه يريدُ مالًا، فهو فقير، ويسكنُ في غرفةٍ ضيّقةٍ عند أهله.

 

لذلك يعملُ هو وزوجتُه، طمعًا أنْ ينالا الاستقلالَ عن العائلة، ويكونَ لهما بيتُهما الخاصّ.  

قلتُ له:


- هل عند (الرّواس) حلالٌ، وعندي حرامٌ؟!


أراد أن يتابعَ نقاشَه، فنظرَ إلينا حائرًا، وقال:


- ولكن...


وهنا قاطعه (طلال)، وقال له بنزق:


- حبيبي (المْنيك) (صلاح)... هذه الطّريقةُ تُزعجني فيك... إنْ كان حرامًا، إذًا خذْ نقودك دون أرباح!.. أصلًا (مصطفى) له الفضلُ أن يصبحَ عندكَ هذا المبلغ!.. كان بإمكانه أن يشتريَ منك مكتبتك بسعرٍ ضئيل، لكنّه أراد أن يخدمك!.. لم يتشاطرْ عليك، ويربحْ منك!.. وأنتَ عليك أن تُحدّد... إنْ كان هذا حلالًا، أو حرامًا.


وهكذا، وبمساعدة (طلال)... تمّ الاتّفاق، وأنا التزمتُ معه بجميعِ الأقساط... وكان (صلاح)، في مطلعِ كلّ شهرٍ، يأخذُ منّي (خمسةَ آلافٍ)،  

قسطُهُ المُستحقُّ، ويضعُ فوقَ هذا المبلغ، ما تيسّرَ له ولزوجته، من نقودٍ ومدّخراتِهما، من راتبَيْهِما، فيذهبُ (صلاح) إلى مكتبِ (الرّوّاس)، ليُضيفَ على وديعتِهِ، لتكبرَ... وتزدادَ أرباحُه، وتَنمو.


كان اسمُ (الرّوّاس)، يدورُ على كلِّ فمٍ، ولسانٍ، وطامعٍ، وحالِمٍ، ومرتشٍ، وسارِقٍ، وحراميٍّ، وبخيلٍ، ومُتقاعدٍ، وعامِلٍ،وموظّفٍ

، ورجلِ دينٍ، وضابِطٍ، ومسؤولٍ، وأرامِلَ، ومُطلّقاتٍ، وعوانِسَ، وراقصاتٍ، وبائعاتِ هوى، وفنّانين.


ويحدثُ هذا... على كاملِ الأراضي السّوريّة... المسألةُ لا تخصُّ (حلب) وحدَها، بل صار، كلُّ مَن عندَه نقودٌ أو مدّخراتٌ، أو ذهبٌ، أو عقاراتٌ، أو أراضٍ، أو محلّاتٌ، أو دكاكينُ، أو عماراتٌ، أو منازلُ، أو سيّاراتٌ، أو مزارعُ، أو مطاعمُ... صار أكثرُهُم يبيعُ ما يَملك، ويهرعُ إلى مكتبِ (الرّوّاس)، لتشغيلِ أموالِه... طامعًا بما يُعطيهِ من أرباحٍ كثيرةٍ.


فجأةً... دَوّى خبرٌ فظيعٌ، في سائرِ أنحاءِ (سوريّة)

... نعم... لقد أَشهرَ (الرّوّاسُ) إفلاسَهُ، وهربَ من البلاد.


صُعِقَ الناسُ... ضَجّوا... تجمّعوا عندَ مكتبِهِ، كَسَّروا، زَعَقوا، حطَّموا... هدّدوا، وتوعّدوا... وطالبوا الحكومةَ بالتدخّل، للقبضِ على النّصّاب، الذي سرقَ لهم "تَحويشةَ" العُمر.


رِجالُ الدّينِ، خجلوا أن يَكشفوا عن أنفُسِهم... فلاذوا بالصّمتِ... فهم يَتعامَلون (بالرِّبا)، في السِّر، دونَ أن يُخبِروا حتّى أقربَ الناسِ إليهم، خَشيةً على مكانتِهِم... فماتَ منهم، عن طريقِ الانتحار، أو شدّةِ القهرِ، والغيظِ، أعدادٌ غفيرة... وهناكَ من أُصيبَ (بالشَّلل)، أو (بالجَلطة).


أمّا السُّرّاقُ، والمُرتَشون، من طبقةِ المسؤولينَ في الدّوائرِ الحكوميّة، فحالُهم كان كحالِ رجالِ الدّين... لقد أُجبِروا على أن يَصمتوا... خَوفًا من أن يُوجَّهَ إليهم، من (الرّقابةِ والتّفتيش)، سؤالٌ:


- (مِنْ أَيْنَ لَكَ هذَا)؟!


وَهُنَاكَ بَعْضُ النِّسَاءِ.. مِنْ أَرَامِلٍ، وَعَجَائِزَ، وَمُطَلَّقَاتٍ، وَعَوَانِسَ.. وَبَائِعَاتِ هَوَى فِي السِّرِّ.. وَكُنَّ وَضَعْنَ أَمْوَالَهُنَّ عِنْدَ (الرَّوَّاسِ)، فِي السِّرِّ، دُونَ عِلْمِ عَائِلَاتِهِنَّ، أَوْ رِجَالِهِنَّ، أَوْ أَوْلَادِهِنَّ.. ظَلَلْنَ صَامِتَاتٍ، يَبْكِينَ فِي الْخَفَاءِ.. وَلَكِنَّ كَانَ لَا يَخْلُو الْأَمْرُ مِنْ نِسَاءِ، صَرَخْنَ، وَمَزَّقْنَ ثِيَابَهُنَّ، وَأُغْمِيَ عَلَيْهِنَّ، وَارْتَكَمْنَ عَلَى الْأَرْضِ، فَوْقَ الرَّصِيفِ الضَّيِّقِ، قُرْبَ الْمَكْتَبِ الْمَشْؤُومِ.


وَانْتَشَرَتِ الشَّائِعَاتُ.. عَنْ مَسْؤُولِينَ، أَصْحَابِ مَنَاصِبَ كَبِيرَةٍ، عِنْدَ الْحُكُومَةِ، بِأَنَّهُمْ سَاعَدُوا الْمَدْعُوَّ (الرَّوَّاسَ)، عَلَى الْهَرَبِ، وَتَهْرِيبِ الْأَمْوَالِ، الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، مُقَابِلَ أَنْ أَخَذُوا، حُصَصَهُمْ مِنَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ.


كَوارِثُ كَثِيرَةٌ حَصَلَتْ، مَعَ بَعْضِ النَّاسِ، بِسَبَبِ هُرُوبِ (الرَّوَّاسِ)،بِأَمْوَالِهِمْ.


وتقريبًا، شُلَّت الحياةُ الاقتصاديّةُ والتّجاريّةُ، وتفاقمتِ البطالةُ، وعَشَّشَ الهَمُّ، والحُزنُ، والكَربُ، في قلوبِ أهلِ البلد.


وكانَ صديقي (صلاحٌ)، واحدًا من هؤلاءِ الذين أُفْلِسوا... فقد ذهبت نقودُه، وكلُّ أرباحِهِ، معَ الرِّيح، مثلُهُ مثلَ البقيّةِ تمامًا.


كانتِ الصّدمةُ عنيفةً، وقاسيةً، ومؤلمةً، عليهِ، وعلى زوجتِهِ؛ فقد ضاعَ منهما حلمُهما، بالاستقلالِ في بيتٍ لوحدِهِما، حينَ فَقَدَا كلَّ ما جمعاه، من مُدَّخراتٍ، من راتبَيْهِما، وأُجورِ ساعاتِ الدّروسِ الخصوصيّة، التي يُعطيانِها للطّلبة... وثمنِ المصاغِ الذّهبيّ، وأيضًا ثمنِ المكتبةِ العظيمةِ، التي لا تُعوَّض، مع كافّةِ الأرباح.


ذهبنا إليه، في بيتِ أهلِه... أنا، وصديقُنا المشترك (فائز عبدان)، الذي كنتُ أَعتمدُ عليهِ، في تأمينِ البضاعةِ، التي أبيعُها، عندي في (كشكِ الأدباء).. فقد كان يذهبُ إلى (تركيا)، في كلِّ أُسبوعٍ، مرَّةً أو مرَّتين، لإحضارِ ما يلزمُ، ويُطلَبُ، ويُباع.


قال له (فائزٌ)، بعد أن جلَسْنا على الأرائكِ، ولاحظْنا مدى الحُزنِ والكآبةِ الباديتينِ بوضوحٍ على وجهِ (صلاح):


- كم مرَّةً نصحتُكَ، يا صديقي، بسحبِ نقودِكَ من عندِ هذا (النّصّاب)؟!


ردَّ (صلاح)، بعد أن هزَّ رأسَه، بصوتٍ خفيضٍ ومُتكسِّر:


- وجدتُ الجميعَ يَثقُ به، ففعلتُ مِثلَهم.


قلتُ له:


- كان عليكَ أن تُودِعَ نقودَكَ في البنك، ثمَّ تشتري بيتًا بالتّقسيط.. لكنّك طمِعتَ بالأرباح.


وهنا جاءنا، من خلفِ البابِ المُغلق، صوتُ زوجته، حادًّا وعاتبًا:


- أَلَسْتَ أنتَ السّببَ، يا سيّد (مصطفى)؟!.. سامحكَ الله.. لو كنتَ دفعتَ لنا المبلغَ دُفعةً واحدة، ما كُنَّا أعطيناه نقودَنا، وتركناهُ ينصبُ علينا!


صاحَ بها (صلاح)، بنزقٍ وحدّة:


- اِسْكُتي أنتِ.. ولا تتدخّلي بيننا!


صُعِقْتُ من قولِها هذا!.. دُهِشْتُ من تحميلي السّبب!.. أنا الّذي كنتُ أظنُّ أنّني قدَّمتُ خدمةً لصديقي!!


صِحتُ بألمٍ، واستنكارٍ، ودهشة، وأنا أنظرُ إلى (صلاح)، الّذي بدا عليهِ الخجلُ والارتباك:


- أنا؟!.. أنا السّببُ بما حصل معكم؟!


قالَ (صلاح)، مع حركةٍ من يدِه:


- اتركها.. لا تردّ عليها.. هي تقولُ هذا من شدّةِ ألمِها.


ومنذُ ذلك اليوم، تغيّرتْ علاقتي بـ (صلاح).. ولم أعدْ ألتقيهِ كما كنّا سابقًا.. وجدتُه يبتعدُ عنّي.. انقطعَ عن زيارتي.. سواءٌ في البيت، أو مرورِه على (برّاكتي).. حتّى إنّه صار نادرًا ما يأتي إلى مقهى (الموعد)، وكلّما سألته:


- أين أنتَ يا رجل؟!


يتذرّعُ بالظّروف، ودُروسِه الخصوصيّة، الّتي يُعطيها لطلّابِه.


صِرْتُ أذهبُ لِعِندِهِ، في بيتِهِ، فلا أجدُه، أو لا يخرجُ إليَّ.. وأنا كنتُ أقرأُ عليهِ ما أكتُبُه، سواءٌ أكانت قصَّةً، أو قصيدةً، وأسمعُ رأيَه، أوَّلَ الناسِ.


وكان، حينَ نحضرُ أمسيةً أدبيّةً، يجلسُ بعيدًا عن مقعدي، في حينِ كنَّا سابقًا، لا نحضرُ أو نجلسُ، إلّا صحبةً مع بعض.


وعندَ حضورِه إلى المقهى، بدأَ يجلسُ في الطّابقِ الأرضي، في حين كنّا لا نجلسُ إلّا في الطّابقِ الأوَّل، مع شلّتنا المعتادةِ من الأدباء.


قامَ بتغييرِ جلسائه، صادقَ مَن كنتُ أنفِرُ من مجالستِهم، أو مَن كنتُ أُعاديهم، أو لا أتحدَّثُ معهم، خاصَّةً الشّاعرَ المزعوم (أبو طاهر).


أنا لا أتصوَّرُ أنَّ في الدُّنيا شاعرًا اسمه (أبو طاهر)!!  

هو مُصمِّمٌ على مناداتِه بهذا الاسم!!.. يُقدِّمونَه في الأماسي التي يُشارِكُ بها، هكذا.


وكذلكَ ينشرُ قصائدَه، باسمِه الخلّابِ هذا: (أبو طاهر)، وكأنَّهُ وُلِدَ بلا اسم، أو ربّما هو يريدُ أنْ يُنادَوْه، على غرارِ: *(أبو الطيّب المتنبّي)، أو (أبو فراس الحمداني)، أو (أبو العلاء المعري).. لكنّه لا يملكُ موهبةً، مثلَ موهبةِ هؤلاءِ الشُّعراءِ العظماءِ.


فهو يكتبُ بطريقةٍ ميّتةٍ، عديمةِ النّبضِ، والرّوحِ، والطّعم.. كلماتٌ ذهنيّةٌ، بلا حَراكٍ، أو حرارةٍ، أو رائحةٍ. يكتبُها على أطرافِ الجرائدِ، في كلِّ يومٍ، سطرينِ أو ثلاثة..  

وعلى مدارِ أسبوعينِ، أو شهرٍ، يجمعُ جملَهُ هذه، ويُسمّيها قصيدة!


ثمّ يُعجبُ بها، مَن يدفعُ عنهم ثمنَ ما شربوهُ في المقهى، أو من كانوا قدِ استدانوا منهُ بعضَ النّقود

، أو من قدّمَ لهم هدايا.


فيُحدِّقُ بعينيهِ الجاحظتين، منتصبًا بصدرِه البارز، بكتلةٍ حمراءَ مُخيفةٍ، أسفلَ عنقِه، وفوقَ ثديَيه.. وَيَأْخُذُ بِإِلْقَاءِ مُعَلَّقَتِهِ القَاتِلَةِ.. بِصَوْتٍ مُتَهَدِّجٍ، بِالرَّعْشَةِ، وَالتَّأَتْأَةِ، وَالاِصْفِرَارِ.


صَارَ يُفَضِّلُ مُجَالَسَةَ، هَذَا (الشِّعْرُورِ)، عَن مُجَالَسَتِي

.. وَكُنَّا سَابِقًا، نَتَقَزَّزُ مِنْ كَلِمَاتِهِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي يُنَمِّقُهَا.


وَلَمَّا سَأَلْتُهُ..عِنْدَمَا صَادَفْتُهُ

، عِنْدَ مَدْخَلِ الْمَقْهَى:


- أَرَاكَ صِرْتَ مُعْجَبًا، (بِالشِّعْرُورِ) الْكَبِيرِ، (أَبُو طَاهِر)؟!. قَالَ:


- السَّيِّدُ (أَبُو طَاهِر)، شِعْرُهُ مُمتَلِئٌ بِالْفِكْرِ، وَالْفَلْسَفَةِ، وَالْحِكْمَةِ، وَالتَّأَمُّلِ، وَالْبَصِيرَةِ.*


مُصْطَفَى الْحَاجِّ حُسَيْن.