إيفا... Eva
الشمس لاتزال ناعسة بين وسائد السحب البيضاء، والظلام ينشر بقاياه هنا وهناك.
دخلت آلما غرفتها مهرولة لتضع اللمسات الأخيرة قبل خروجها للعمل.
هاهي تختار حجابا يليق بثوبها وكعادتها تفضل الأسود.
-في حفظ الرحمن يا بنيتي...
ما إن تغادر المنزل، تضع آلما سماعات الهاتف، لتبدأ في رحلة المعاناة اليومية مع المواصلات.
منطقة ريفية، هاجر أغلب شبانها، واكتست بطابع الملل.
لا أحد في المحطة، يبدو أن البنت قد خرجت باكرا وقبل موعدها اليومي بنصف ساعة، الطقس بارد والضباب يحجب الرؤية.
فجأة سمعت آلما صوت أنين من شجرة التين الوارفة. أصابها الفزع في بادئ الأمر.
- يا إلهي! أيعقل أن تكون روحا شريرة هنا؟
ثم تطمئن نفسها" لا ، لا فهذه خرافات يا آلما"
تسترسل في قراءة القرآن، لكن الأنين يزداد.
توجهت بخطوات مترددة، تارة تقف، وتارة أخرى تتقدم نحو الصوت.
يا للهول! ما هذا!
ألقت حقيبتها، ومدت يداها نحوه، هاهي تسحبه ببطء.
-أرجوك انقذيني، ويجب أن لا يراني أحد، ولا تنقليني إلى المستشفى.
احتارت آلما، من أين ستبدأ رحلة الإنقاذ والشاب ينزف كثيرا.
-عارف، لا أحد غيره أثق فيه.
أخرجت هاتفها، واتصلت به متلعثمة،
ثم طمأنت الجنديّ،" سننقذك لا تخف"
هاهم في منزل عارف قرب الجبل،
والدته السيدة "Eva" إيطالية الأصل، استقرت هنا منذ أربعين سنة،
ممرضة متقاعدة، اعتنت بالجندي، نظفت جرحه جيدا ووصفت له الدواء الذي جلبته آلما.
-حين يُصاب أحدنا، يُقتل من الزعيم، فهو بنظره لا يجدي نفعا، لقد دافعت على أرضي بشرف وكرامة ولا أريد حرق قلب أمي، لا شك أنهم يطاردونني الآن...
هدّأ عارف و آلما من روعه، وتعهداه بالرعاية إلى أن يجدوا حلا مناسبا.
تتالت الأيام و "ناصر" الجندي بدأ يتماثل للشفاء،
كل يوم تزوره آلما في منزل خطيبها عارف حتى تطمئن عليه و يجلب له هذا الأخير عدة جرائد لأنه من هواة قراءتها ومتابعة الأخبار.
و أخيرا تماثل ناصر للشفاء،
وحان موعد ترحيله خلسة إلى إيطايا حيث تم تأمين إقامته، و شغله كنادل في مطعم.
كان رجاؤه احتضان والدته قبل الرحيل. فقامت آلما بالتنسيق مع أهله للقدوم إلى منطقة الجبل.
هاهي في طريقها إلى منزل عارف.
وقبل الوصول يتلقى عارف اتصالا من آلما تخبره أن السيارة التي تقلّهما مراقبة.
فاختار الالتحاق بهما،
في حين أخذت والدته حقائبها مرافقة ناصر إلى المطار.
شعر عارف بالخوف على خطيبته كثيرا، وصار يرسل لها رسائل توجيهية،
فغيرت وجهة السيارة بالاتفاق مع والدة ناصر إلى بيت المسنين الأقرب وذلك لتمويه الأعداء.
نزلت من السيارة، لتسقط مباشرة على الأرض وهي تنزف.
أصاب الناس المتواجدين هناك الهلع.
ولم تصل الشرطة بعدُ رغم كل الاتصالات التي تلقوها.
وصل عارف قبلهم، مطمئنا خطيبته بأن الجرح غير عميق وفي قلبه خوف لا يوصف.
أما السيدة إيفا، وبمعرفتها للعاملين هناك،تمكنت من تمرير ناصر خلسة إلى إيطايا وهو في مكان آمن لا أحد يمكنه الوصول إليه.
يا لها من خطة جهنمية! نظرا لأنها تحجبت منذ زمن، وضعت ناصر تحت رجليها وهي ترتدي جلبابا فضفاضا، و ظلت بالسيارة، ونظرا لأنها معروفة تقريبا لم يدقق أحد معها.
كانت في غاية السعادة حين تمكنت من إنقاذ ذلك الشاب إلى أن تتلقى اتصالا من تونس.
-لقد فقدت آلما دما كثيرا لكنها تجاوزت مرحلة الخطر.
ناهد الغزالي/تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق