الاثنين، 16 يناير 2023

ليلة فريدة قصة لــــ دحماني مصطفى/مؤسسة الوجدان الثقافية


 ● قصّة:

♧ليلة فريدة♧
•°•°•°○•°•°•°○•°•°•°
خرج من عمله ذات مساء منهك القوى، بعد عمل يوم كامل يدرِّس طلّابه، تمّت تحيّة العلم الوطنيّ، رمز السيادة التي أتى بها شهداء ومجاهدون من خيرة أبناء الوطن، وطن المليون ونصف المليون شهيد، ثمّ حيَّا الحاضرين من زملائه ممّن كانوا على مقربة منه، اعتلى درّاجته النّاريّة من نوع:(cmg)، شغّل المحرِّك وانطلق يبغي بيتَ العائلة، إذ لم يكن آنذاك قد تزوّج، ومضى إلى حيث مسافة ميلين أو يزيدان، وهناك تبدّلت سيرورة الدّرّاجة، فتفطّن إلى أنّ إطار العجلة الداخلي قد فقد كميّة معتبرة من الهواء الذي كان يملؤه، وكان الطقس يومها حارّا، قرّر أن يسوق دراجته مترجلا بيديه، ليسير مسافة كيلومتر واحد حيث توجد شجرة وحيدة، هي شجرة زيتون كثيفة الأغصان والأوراق...، وها قد حلّ بالمكان وقرّب الدرّاجة حتّى جعل جذعَ الشجرةِ متّكأً لها، همَّ بإصلاح عطل الإطار المطّاطيّ الدّاخلي لها، ولكن لم يجد أيّ شيء من لوازم ذلك، فكّر في أن يستريح متظلّلًا وكيف لا؟! وقد هبّ نسيمٌ عليلٌ خفيف، وفعلًا فعل، وغطّ في نومه متوسّدا بعضا من جذع النّخلة وبعضا من الحجارة، استيقظ ويا لَلهول الشمش قد غربت..! والمكان خطير خطير خطيرٌ جدّا، إنّه معبر للجماعات الإرهابيّة الّتي كانت في أوج خطورتها وقتئذ، نهض بسرعة البرق وَجلًا، أمسك بمِقوَد الدراجة وراح يدفعها وقلبه يخفق سريعا، يكاد يسمع من أيّ كائن قربه له أذنان.. مشى بها مسافة دقيقتين، اقترب من شِعبة وحاول الهبوط بدراجته إليها، حيث وضع الدراجة بعيدة عن مرأى المارّة على أمل أن يعود إليها في الغد، و واصل المسير وسط السكان لا يحيد عن الطريق الأساسي، تجنّبًا ومخافة أن يشكّ فيه أنّه أحد العناصر الإرهابية فيطلق السكّان عليه الرّصاص، ومن رحمة ربّك مضى إلى أن وصل.. اقترب من البيت وإذا بأفراد العائلة خارج البيت ينتظرونه، وهم على أهبة مغادرة المكان إلى حيث كانوا يتجمّعون كلّ ليلة من تلك اللّيالي السود والحمراء معا...، يتجمّعون في بيت أحد الأقارب، كي يتمكّن بعض العناصر من الرجال والشباب من حراسة المتجمّعين، إذ بعضهم يحرص النصف الأوّل من اللّيل، أمّا البعض الآخر فيكمل الشطر المتبقّي..، حيّاهم والكلّ مضطرب وخائف على الآخر، ومن الآخر المغرّر به، الّذي صار لا يعرف إلّا الذبح والقتل..!
أمسك البندقيّة والتي كانت من نوع (نشاسطرة عيار خرطوشها: 16)، ثمّ تراجع وأعادها إلى أخيه، وقال لهم: اذهبوا أنتم، أمّا أنا فأتناول قليلا من العشاء وألحق بكم على بركة الله، راحوا...، وولج إلى البيت يأخذ شطيرة من البطاطا المقلية، ورأسين من الفلفل الحلو كانا مشويّين، والجميع بداخل خبزة من خبز( كسرة المدلوك الملويّ اللّذيذ جدّا جدّا، وخاصة أنّه من صنع يدي الأمّ، والدّقيق كذلك هي من صيّرته إلى ذلك الحال، وحتّى الطّاجين كان معدّا خصّيصا لذلك النوع من الخبز، وهو الآخر من صنعتها، وكان من الطين الجيّد جدّا..)، وبينما وضع أوّل لقمة منها في فيه، وإذا به يسمع ابن عمّ له يناديه: يا فلان، يا فلان، تعال من هنا، تعال من هنا...!
ظنّ المسكين أنّه قد حوصر من جانب أو أكثر بعناصر إرهابيّة، أو أنّه قد رآهم من بعيد أو..أو...
فقرّر الخروج بسرعة، وان يسلك الطريق الأقرب تجاه مصدر الصوت الّذي سمعه، وذلك يعني أن يكون أقرب مسلك هو الخط المستقيم، وأسرع، وكان يحمل مسجّلًا للصوت صغير الحجم من نوع(aiwa)، أمّا أشرطة التسجيل الخاصة به فهي صغيرة(ميكرو كاسيت)، وسكّينا كبيرًا للدّفاع عن قرب، كما لم ينس الخبزة وما بها...، وبينما هو يجري وسط أشجار السّفرجل، سقط في جبّ كان قد حفر لغرض ما، وكان الجبّ قد ملئ بفعل المياه الناتجة عن أوحال، أتت بها مياه أمطار الرعود، ولحسن الحظ فإن عملية السقوط لم تكن كاملة، إنّما سقط ثلث جسمه السفلي داخل الجبّ اعلى الوحل بقليل، ولحسن حظه لم تتبلّل ملابسه، أمّا الثلثان ونتيجة الدّفع فقد كانا خارج الحفرة، وتطايرت المحمولات من جيبه ويديه، واستمرّ يجري ويسقط وهو أعزل وحين وصل المكان الأشبه بالمعسكر وكان الضوء ليلتها لا يضيء جميع الجهات، صاح البعض، هم هناك، هناك قرب البئر...هناك..هناك...
وأطلق أحدهم الرصاص تجاه المكان، ثمّ أخذ صاحبنا البندقيّة من أخيه وسدّد و صوّب باتجاه المكان وأطلق الأولى، فالثانية، وسمعوا من المكان المستهدف صوتا يقول: أنا فلان، أنا فلان، ومعي فلان... وكادت المصيبة تقع لولا عناية الواحد الأحد..
♧♧♧♧♧
دحماني مصطفى
الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق