السبت، 22 يناير 2022

نظرة في علم البيان/ دعبد الحميد ديوان/جريدة الوجدان الثقافية


 من كتابي البلاغة التقليدية (عرض ونقد) الجزء الثاني

نظرة في علم البيان
لقد كان مصطلح علم البيان يطلق على مجموعة من الفنون القولية التي تؤكد المعنى في الذهن بطريق الصورة، وذلك في القرنين الخامس والسادس على يد عبد القاهر الجرجاني ومن تبعه، ثم جاء السكاكي في القرن السابع فخص هذا العلم ببحث المركبات، وجعله قسماً من أقسام البلاغة الثلاثة، كما حدده بضروبه الثلاثة: (التشبيه والمجاز الذي يحتوي الاستعارة والكناية).
إن هذا العلم على الرغم من دورانه حول وسائل تصويرية، وصحة هذه النظرة، إلا أنه كان وما يزال علماً قاصراً لقصور وسائله التي يُعمل بها. وقد اعتبرت هذه الوسائل (من تشبيه واستعارة وكناية وغيرها) قوالب جامدة برع القدماء في تغيير ظواهرها الشكلية وتفتيتها، وتجزئتها، وتسميتها بالمصطلحات دون أن يربطوا بين هذه القوالب وبين ما يحاول الأديب الفنان أن يضع فيها من محتوى فكره، أو محتوى تجربته الحية، وعللوا ذلك بأن بعض التشبيهات أبرع من بعض، وأن بعض الاستعارات أرفع من بعض، ونسوا في ذلك حقيقة هامة وهي أنه مهما كان من التشابه أو التغاير الظاهر بين قوالب هذه المصطلحات (التشبيه والاستعارة) فإن الذي يجعلها واسطة فنية لها قيمتها هو طريقة استعمالها في نطاق النص أي الزاوية التي تنسجم مع رؤية الأديب الفنان، فالأديب يبني بهذه الوسائل البيانية عمله الأدبي بصورته الفنية التي يطلقها من مخزون فكره المتحد مع الذات.
إن الأديب كما ذكرنا يبني بناءه الأدبي الفني بالوسائل البيانية التي يملكها، والمتلقي يتلقى هذه الوسائل ويتأثر بها في نطاق نسق القصيدة، ولا يكفي لهما أن يقفا (الأديب والمتلقي) أو يميزا بين نوع من التشبيه، ونوع آخر، أو بين شكل من الاستعارة وشكل آخر بل عليهما ان يربطا بين المستوى والقالب ويشداهما إلى نفسيهما، وينظرا إليهما وهما يعملان معاً في حدود تجربتهما الفنية تجربة المبدع الخالقة (للأديب) وتجربة المتلقي للقارئ.
ولا يتأتى للأديب بصورة خاصة أن يقدم هذا العمل بالشكل الذي ذكرناه إلا إذا تحرر من تلك القوالب الجافة التي وضعها السكاكي ومن جاء بعده وجعل تجربته الفنية تنصهر في ذاته فتخرج إلينا صورة فنية أدبية متكاملة الصورة والبناء الفني بشكل يجعل المتلقي يتجاوب معه وتتحد كلتا النظريتين اتحاداً شاملاً.
دعبد الحميد ديوان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق