الاثنين، 16 أغسطس 2021

قراءة في المجموعة القصصية "نكران الأصول" الكاتب عبد الحق شحادة بقلم الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت

 قراءة في المجموعة القصصية "نكران الأصول" الكاتب عبد الحق شحادة

الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت
نحن أمام مجموعة سردية صنفها كاتبها بأنها "مجموعة قصصية"، ولكنها عبرت في سردها عن مجموعة تمزج في ثناياها القصة والحكاية معاً. وضمت مجموعة (نكران الأصول) الصادرة دار الكلمة للنشر بغزة عام 2019، (18) قصة أو حكاية قصيرة للكاتب عبد الحق شحادة.
الكاتب عبد الحق شحادة أسير محرر، شغل عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين من 1992- 1995، كما شغل عضواً في عدة مؤسسات ثقافية واجتماعية، وتقلد عدة مناصب قيادية في حركة فتح، آخرها عضو الهيئة القيادية العليا لحركة فتح في المحافظات الجنوبية. صدر له عدة مؤلفات: قهر المستحيل (رواية)، والشيء المفقود (مجموعة قصصية)، وعدة كتابات سياسية، بالإضافة إلى مخطوطات ثقافية لم تنشر بعد.
كتب هذه المجموعة في الفترة بين الأعوام 2008 و2018، وثمة قصة كتبها سنة 1987 في معتقل عسقلان، وأخرى في سنة 1992، وحملت القصص عناوين ذات دلالة على ارتباطها بالواقع الاجتماعي وبالتجربة الشخصية. وهما الخطان السرديان التي سارت فيهما المجموعة.
دلالات الواقع الاجتماعي:
ونقرأ في دلالات الواقع الاجتماعي، قصص: نقطتين كاز، وخرافة من الماضي، وابداع في التسول، والهليون اكذوبة العمالة، وشماعة الحصار. ونحاول في قراءتنا إبراز الرؤية الكلية لمضمون القصص، ونتوقف بالتحليل عند القصة التي حملت عنوان المجموعة.
نقرأ في: قصة (نقطتين كاز): عن دلالات الحصار الاسرائيلي على قطاع غزة، والتي تمثلت في قطع امدادات الكهرباء والوقود والمواد الغذائية واغلاق الحدود، ومنع التحويلات الطبية، والتهريب عبر الانفاق، وانتشار البطالة والفقر، وطوابير السيارات في انتظار دورها للتزود بالوقود، وابتكار وسائل جديدة بديلاً للوقود "السيرج"، واطلاق الصواريخ على العدو، واجتياح العدو لقطاع غزة، وارتكابه جرائم ضد الانسانية. في هذه القصة يستعرض الكاتب كل دلالات الحصار وتأثيراته، ولكنها لم تكن الرسالة التي يسعى إليها، إنما هي قضية احتكار الوقود واستغلال حاجة الناس للوقود، وذلك أن محطات الوقود كانت تفتح نقطتين للكاز، احداهما للمواطنين وهي فارغة، وأخرى خلفية للواسطات.
وفي قصة (خرافة من الماضي): يعود بنا الكاتب إلى ذكريات مخيم الشاطئ، فيقدم وصفاً لملامح المخيم، وحالة السكان داخله، وحكايات الجدات، وخرافات المخيم، وتأثيرات أبو رجل مسلوخة على الأطفال، تلك الثيمة المرعبة التي كانت الأمهات يحذرن أبنائهن من الخروج ليلاً أو الابتعاد عن البيت، فيخرج عليهم أبو رجل مسلوخة فيخطفهم. لذا يؤكد على تمرد بطل قصته على الخرافات ويبحث بالتجربة عن وجودها، وبالعلم والمعرفة ننزع الخوف من نفوسنا.
وفي قصة (ابداع في التسول): يطرح الكاتب قضية التسول كقضية اجتماعية يعاني منها المجتمع، وأنها لا تعبر عن فقر بقدر ما تعبر عن مهنة، فثمة اشخاص يجعلون من أنفسهم أسياداً وأوصياء على المتسولين الصغار منهم أو الكبار، ومهمة هؤلاء الأوصياء توزيعهم على الأماكن.
هذه القصة تتضمن قصتين مرتبطتين بحالة التسول، قصة اقتراب متسول في غزة من البطل يحمل قصاصة ورق يتسول بها، والثانية تعود ذاكرة البطل لقصة أيام دراسته في بلد عربي، وفي الختام يقدم الموعظة قائلاً: هذه الحكاية عبرة للناس والمجتمع كي نتسلح بها ضد من يدعي العوز والحاجة وهو ليس بحاجة للمساعدة، والمعوز صاحب الحاجة لا تقبل نفسه التسول والخداع لأنه صاحب شيم وعزة نفس وكبرياء.
وفي قصة (الهليون .. اكذوبة العمالة): يطرح في هذه القصة شخصية الهليون، من خلال الحديث عن حياة السكان في مخيم الشاطئ، وعلاقتهم بهذه الشخصية وحكاياتهم معها. فهذه الشخصية كانت عند العديد من سكان المخيم أنه جاسوس اسرائيلي عاش بينهم، ولم يعرفوا حقيقته إلا بعد موته. إلا أن الكاتب ينقض كل هذه الروايات ويؤكد أن الهليون شخصية فلسطينية مهاجرة من يافا، وأنه التقى في معتقل عسقلان مع أحد أقاربه من عائلة "جياب" في مخيم البريج، مما يؤكد كذب كل الروايات التي نسجت حوله.
وفي قصة (نكران الأصول): وهي القصة التي حملت عنوان المجموعة، تطرح القصة قضية التنكر للأصول من قبل بعض الافراد، حيث تبرز التغيرات التي أحدثتها الظروف على شخصية سويلم ابن البادية الذي تربي على تربتها وبين حيواناتها، وعاش سنوات بين خيامها، إلا أن الظروف دفعته للهجرة إلى استراليا وهناك تغيرت أحواله الاجتماعية والمادية، فتزوج من فتاة استرالية. وأثناء تجواله مع زوجته في شوارع استراليا بسيارته الفارهة، شاهد جمال تعبر الطريق، فيسأل زوجته عن اسم هذا الحيوان، فتقول له جمل، فينكر أنه رأى مثله من قبل. (ثمة اختلاق في التعبير لا تنسجم مع الواقع).
سويلم يتنكر لصداقته للجمل، وهنا يدخل الأسلوب الغرائبي أو العجائبي في سرد الكاتب، إذ يستمع الجمل إلى حوار سويلم مع زوجته، فيقترب من السيارة ويدخل رأسه من الشباك قائلاً "ولو يا سويلم عامل حالك مش عارفني". ثم يأخذ الجمل في معاتبته وتنكره لأصوله، ويشرح له بطريقة مباشرة مكانة الجمل وأهميته بالنسبة لأهل البادية، وأنه جاء ذكره في القرآن، وصفاته في الجوع والعطش.
إن الاسلوب العجائبي يعد من المناهج النقدية الحديثة التي تستمد أصولها من الأدب العربي في كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع، حيث جاء السرد على لسان الحيوانات، أما ما أثار استغرابي في حديث الجمل أن زوجة سويلم كانت تستمع إلى الجمل وهو يتحدث "فغرت زوجة سويلم الاسترالية الشقراء فاها من هول ما سمعت". وهنا العجائبية الحقيقية هل كانت تلك الفتاة الشقراء تفهم لغة الجمال، وهل الجمل تحدث بالعربية أم الانجليزية؟.
ومما أضعف البناء السردي تضمن قصة زوجة الخليفة معاوية وطلاقها منه لأنها حنت إلى البادية في شعرها، قصة ليست لها علاقة بالمضمون إلا على المستوى الشكلي، ولا تضيف شيئاً للسرد، فهي تزيد لا فائدة منه في القصة.
إن قصة "نكران الاصول" هي أقرب للحكاية منها للقصة القصيرة، بأسلوبها المباشر، وبموعظتها التي ختم بها القصة يقول: "اسمع يا ابن آدم انت الذي تلهث خلف الجشع والمغانم، لو دامت متعة الحياة لغيرك ما جاءت إليك، فالدنيا فانية والآخرة باقية، فاغتنم آخرتك وتزود بها، وفي القصة عبرة يا أولي الألباب".
دلالات التجربة الشخصية:
تطغى التجربة الشخصية على ابداع الكاتب في الكتابة الأدبية، حيث يشعر القارئ أن القصص كلها أو أغلبها تتناول جزءاً من حياة الكاتب، على قاعدة الكاتب يكتب نفسه، وتتمثل هذه التجربة في فترة اعتقاله سنوات طويله وتحرره في صفقة عام 1985، ليبدأ الكتابة عن تجربته الاعتقالية، كما ذكرنا، في رواية وقصص في المجموعتين اللتين صدرهما، الشيء المفقود، والتي نحن بصددها.
في هذه المجموعة يسجل ملامحاً من تجربته الاعتقالية أو ذكرياته في المعتقل، وعلاقاته مع بعض المعتقلين الذين التقاهم في المعتقل، وهي الدلالة الثانية في السرد القصصي، حيث نلاحظ تأثيرات تجربته الاعتقالية رغم مرور سنوات على انتهائها إلا أنها ما زالت عالقة في ذهنه، وتحمل الكثير من الذكريات. ومن هذه القصص: حكاية من عسقلان، والبتارية .. البطارية، وأبو السندس، وذاتية اعتقال، والبحث عن جيليت، وزنزانة رقم 27. وسوف نتوقف بالتحليل عند قصة "ذاتية اعتقال".
فنقرأ في: قصة (حكاية من عسقلان): حكاية أبو صنارة ذلك الفدائي الذي قام المحتل واعتقل، والتقاه الكاتب في المعتقل، ليروي من خلاله ظروف السجن القاسية وانعكاسها على المعتقلين، وحالة السجن وآليات تنظيم العمل بين المعتقلين، وفرض العقوبات على المخالفين، ويرصد في السجن حالة البحث عن ونيس (الطيور) التي تمثل للمعتقل البحث عن الحرية، وخوض الاضرابات لتحقيق مطالب حياتية.
وفي قصة (البتارية .. البطارية): حكاية أسير ناضل من أجل الوطن، اسمه سمير اليوسف من قرية السافرية قضاء يافا، عاش في الأردن، لاجئاً، وانضم للثورة الفلسطينية وقطع النهر لتنفيذ عملية، وتم اعتقاله. ويصفه بأنه "كان صلباً وعصبياً وعبيطاً ودائماً ما يكون عكر المزاج"، بالإضافة إلى أميته. وهذا الحالة النفسية التي تسيطر عليه تعود إلى فقدان إحدى عينيه داخل المعتقل، مما أثرت على علاقته مع المعتقلين الأخرين. وتميز هذا المعتقل بالإصرار على رأيه أمام المعتقلين حتى وإن كان خطأ فهو لا يعترف بالخطأ، وكان دائما يلفظ كلمة البطارية، بالبتارية، ويفرق بينهما "فالبطارية بحرف الطاء هي بطارية السيارة أو الشاحنة، اما البتارية بحرف التاء فهي بتارية حجر الراديو، ويقاتل من أجل صواب رأيه. وبقي مصراً على رأيه حتى يوم تحرره، وقد علم الكاتب أنه توفى في الأردن.
وفي قصة (أبو السندس): نتعرف على شخصية مقاتل عراقي انضم للثورة الفلسطينية مقاتلا من أجل فلسطين، وعندما قام بعملية فدائية تم اعتقاله، وفي المعتقل يتعرف عليه الكاتب، ويصف ملامحه وبساطته وثقافته، ومن خلالها نتعرف أن الفقراء هم الذين يناضلون من أجل الوطن والقضايا العربية.
وفي قصة (زنزانة رقم 27): يؤرخ في هذا القصة لتاريخ الاضراب ومقاومة المعتقلين للسجان في يوم الحادي عشر من أيلول عام 1985، وفيها يتناول حالة السجن والفوضى التي دبت في أركانه، والعلاقة بين السجين والسجان، وموقف ادارة السجون من اضراب المعتقلين وممارساتها العدوانية تجاههم بالغاز والقمع والضرب بالعصي على أجسادهم، وكان الكاتب/ بطل القصة في زنزانة رقم 27 التي يصفها مع حالات القمع التي تعرض لها.
وفي قصة (ذاتية الاعتقال): يرسم في هذه القصة ملامح من سيرته الذاتية، وكيفية اعتقاله، يقول: كان الموقف رهيباً والوضع صعباً، ففي حوالي الساعة الثالثة والنصف تقريبا من يوم الخميس الموافق 7/2/1980 أصبحت قيد الأسر، بعد أن طوقت معصمي القيود، فعمدت أسيراً .. إنها لحظات لا يمكن طردها من ذاكرتي". وذلك بتهمة القاء كيس يحمل متفجرات في مدينة المجدل، ويصف بكل دقة المكان وتفاصيل الحدث، وتم الاعتقال في شرطة المجدل، وتعرف عليه المارة من اليهود، وتعرض للتعذيب والضرب بهدف الاعتراف، وتم جلب مخابرات غزة للتحقيق معه، ولكن دون جدوى، فلم يعترف. ووضعه في غرف الجواسيس، واتهامه بالتجند أثناء دراسته في لبنان، ونقل إلى سجن غزة. ليواجه كل الأساليب القاسية في التعذيب، ويشير إلى ما يحدث داخل غرف الاعتقال، وما حدث معه في غرف العملاء، وأمام اصراره على عدم الاعتراف وضع على آلة كشف الكذب، ويذكر الأسماء المستعارة لرجال المخابرات الاسرائيليين، وأرقام الزنازين التي وضع فيها، ويصف حالته النفسية والجسدية في ظل الاعتقال، والضغوط الشديدة التي واجهها، ثم وجهت له التهمة وحكمت عليه محكمة بئر السبع بالسجن في تهمة جاهزة.
هو لم يكتب قصة بل كتب سيرة ذاتية، مستخدماً ضمير الأنا المتكلم الذي يعبر عن شخصية السارد، وتحمل القصة/ السيرة تفاصيل اعتقال الكاتب سنة 1980 والحكم عليه بالسجن عشر سنوات، ومما يؤكد أن ما جاء في السرد هو سيرة الكاتب، ما أشار اليه في سيرته الذاتية في ختام المجموعة، وثمة دلالات مرتبطة في متن السرد بهذه السيرة.
في الختام، نؤكد أن قصص المجموعة تبرز شخصية الكاتب/ المؤلف، كأنه يكتب ملامح من سيرته الذاتية عبر مجموعة من اللوحات القصصية، فطغيان شخصية الكاتب علي مجمل القصص واضحة باستخدامه ضمير المتكلم، حيث أنه السارد الأول للأحداث، والمتجول في أماكنها.
أما فيما يتعلق بلغة القص، وهي أهم ميادين الابداع القصصي وأصعبها، ومما يضعف القصة طغيان لغة كاتبها على لغة شخصياتها. فحين يتحدث بأسلوب الأنا، يؤكد ذاتيته في السرد، وحينما يكرر عبارات معينة ومفردات محددة في أكثر من قصة فإنه سيكون حاضراً في ذهن القارئ كأنه يفرض عليه وعلى شخصيات القصة سلطته وتأويلاته. إن اللغة القصصية هي الأداة السحرية للتخييل التي تعيد خلق الواقع وتجسده على الورق. وتعبر اللغة أيضاً عن المستوى الثقافي والعلمي للشخصية. إن اللغة التي استخدمها الكاتب هي لغة بسيطة قريبة مما يدور على ألسنة الناس في حياتهم اليومية، واللغة كانت حاملة للأحداث المعبرة عن صلب الحدث وموضوع القصة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القراءة النقدية التي قدمناها في اللقاء الأدبي الذي نظمه الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في قطاع غزة، عن تجربة الكاتب عبد الحق شحادة يوم الأحد 15/8/2021.
Peut être une image de 1 personne et position debout

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق