قصة قصيرة ( موت خالتي رقية)
لم نكن لنسمع بعداد الموت يتسارع بطريقة رهيبة كاليوم في الدقيقة، في الساعة...تهب ريحه العاتية فتأخذ في طريقها ما تجده و لو كان هباء منثورا.حرب الموت لا تخمد أوزارها كالرحى ينثر الحب ثم يجمعه و لا يلملمه.لا من معين يصبر على وطأة الفقد و الحزن، يقض دفء الجدران، يستل ابتسامة الشفاه، و يعتق الدموع خمرا للأوجاع.دون سابق إنذار مرضت جارتنا خالتي رقية ذات الأربع و الأربعين عاما لم تكن تشكو من مرض اكتنزت لحما و شحما طويلة القامة.
في شهر جويلية أصابها التهاب في الحلق ، ووجع في الرأس ، انقطعت عنا أخبارها لم نعد نراها وهي التي كانت تسبقنا بتحية الصباح و المساء كالأغنية الجميلة، و بطبخة لذيذة و ساخنة ترسلها في صحن. و ما كان يعجبني فيها ابتسامتها التي رسمها الله على شفتيها لتوزعها على كل من تلتقيه.من ذا الذي خلقه كشذا الورود يختفي عن الأنظار و لا يشعر به من يحبه؟ لم تقصر برهة في تناول ما يرفع من مناعتها من أدوية و أعشاب و أكل صحي للهجوم على كورونا في عقر دارها، لكن رياح الموت شدت الرحال هذة المرة نحوها مثلها مثل غيرها ممن كانوا في قائمة كورونا.
في يوم الجمعة نقلها أبناؤها إلى المستشفى لأن حالتها حرجة لم تعد تتحمل، الشهيق و الزفير يطلبان الدخول و الخروج لكن هيهات هيهات أن يعودا كما كانا.
لم نعد نرى أبنائها في الحي كما تعودنا لأنهم حجروا أنفسهم خوفا من انتشار العدوى. في ليلة السبت انقطع التيار الكهربائي في المستشفى بدأ المرضى يصرخون من شدة الظلام القاتم في هذه اللحظات أصيبت رقية بنوبة خوف شديدة سرعت نبضات قلبها فأردتها ميتة.في الصباح تكفلت المستشفى بدفنها لأن موتى كورونا هي من تتكفل بدفنهم.
بين عشية ضحاها استطاعت كورونا أن تفتك من بين أيدينا خالتي رقية و تأخذ منا طيبة الأخلاق، و حسن الجوار،و فيض الحنان ، و رقة الابتسامات.
وهيبة بتشيم ( الجزائر )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق