الاثنين، 1 أبريل 2024

بين سآمة وحنين بقلم الأديب سعيد الشابي

 بين سآمة وحنين


تقت اليــــك ، أبي

وأنا على الــربوة أنتظر

أرقب خـــروجك..

من المــــغارة الســـوداء

من تحت الجــــبل...توقي

الى خروج الهلال من وراء السحب

يبشّر بالضـــياء ، بالنور الساطع

وأركض نحوك مـــعانقا مقبّــــلا...ثم

أطير نحـــو أمي مبشرا بمقدمك

وأنك ،...لم تجـــرح ولم تمــت

ويضحك وجهها مشرقا ، وتنشط

لتحضر لك الماء والطعام...

ومـــوفور المكان للجلوس والراحة

ثم ، تشرع في الـــزينة...لأن

نسوتنا لا يتبرجن ولا يتزين ، الا

لأزواجهن ، بعد خروجهم سالمين

من المغاور ، من تحت الجبل

تقت اليك أمي

أنت والـــجارات في السقيفة

تنفشين الـــصوف ، وتلك تمشـــطه

وتي تغزله خيوطا ، والشّاي يوزّع

تقت الى المنـــسج ، وأنا

جـــئة ، وذهابا، أســدّي وأنـــيّر

رغم صــغري ، وبراءة الأطفال تهزّني

وينتهي النسيج غطاء ، أو فراشا يدفئني

أو برنسا تحت جناحه شتاء ، أبي يضمني

تقت الى جــدتي ، في ركن دافئ

عليها أستند ، وهي تسرد على مسمعي

حكاية ابن السلطان علي...وكم...تقت

أن أكون كابن السلطان علي ، يوم أكبر

تقت الى توزر ، الى حامة الجريد

أين يقــضي أبي عطلة الســـنة

تقت الى عين النجوع ، الى وادي المشـرع

حيث النساء يغسلن الــصوف على ضفافه

ينشرن الثـياب ، بعد غسلها بالطين الأبيض

تقت الى الصبايا ، منه يملأن القـلال

باللـــيف يغلقنها ، غطاء ومصفاة لها

يحملــنها على ظهورهن تقــــطر

وهن ضاحكات ، زاهيات ، كأنهن في محفل

تقت الى العير ، من الوادي تكرع

والى مناخــها ، حيث ( وقيدها ) يجمع

نجعله فحــما منه النار توقد

عليــها نطبخ مرقا ، أو خبزا ينضج

والســــعادة تغمرنا ، والله نحـــمد

تقت الى عنز ، أحلبه بيدي وأشرب

حليبا سخنا ، منه كل صباح أرتوي

تقت الى خالتي ، تجمع حبات الزيتون

تنقيها ، تغسلها ـ ترحيها ، تعجـــنها

تستقطر منها زيتا عذريا عذب المطعم

تصب منه على الفلفل المهروس

مع بيض مطبوخ ، عليه في الصباح أفطر

تقت الى جمع الحطب معها ، عليه نتدفأ

وسئمت الآن يا أمي المدينة وفوضاها

سئمت ضــوضاءها ، سئمت بناها

سئمت النفاق ، سئمت الصلف...

سئمت الكذب والريــاء ، سئمت العراء

وشابا يقبل فتاة ، على الرصيف

وأخــرى تراود الرجــال دون حياء

سئمت الأرائك والكراسي ، وركوب السيارات

سئمت فوضى المرور ودوس القانون بين الناس

سئمت أماه الشــوارع وما حوت

سئمت تحديثا وحــداثة وما أفرزت

سئمت التلفزة والفضائيات وما قدمت

سئمت الحاسوب ، سئمت كل الوسائط

حتى هـاتفي الجـــوال وما به يأتي

وماذا أقول ، وأقول يا أمي ، ونحن 

لم نأخذ من الحضارة شيئا

غير القـــشور ، وتفاهات الفتات

أين منا المـــخابر والبحوث والورشات؟؟؟

أين منا الآلات والابداع والتقنيات؟؟؟

لا شيء أمـاه ، غير نعيق في الأبواق

وكلام فضفاض ، لا معنى له 


سعيد الشابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق