أنا لا أخاف عليك من جنوني.
بقلمي إبراهيم العمر
الحب، يا رفيقة القلب، ليس اختراعًا بشريًا ولا اصطلاحًا اجتماعيًا. إنه الفطرة الأولى، الصوت الذي نطق به الإنسان قبل أن يتعلم الكلام، النور الذي سكن عينيه قبل أن يرى العالم.
الحب هو الأصل، وكل ما جاء بعده من تعابير ومفاهيم ليس إلا غبارًا على مرآة الروح، صيغًا ابتكرها البشر ليقيدوا ما لا يُقيد، ويُفسدوا ما لا يُفسد.
لقد لوّث الإنسان الحقيقة حين حاول أن يشرحها، كما يفسد النسيم حين يُحبس في قارورة.
الحب هو الصفاء حين لا يُفسَّر، هو النقاء حين لا يُقاس، هو الخير حين لا يُشترط، هو الحرية حين لا تُراقب، هو الطفولة حين لا تُؤدَّب.
الحب لا يسكن العقل، بل يسكن تلك المساحة البريئة التي لا تعرف المنطق، حيث القلب يخفق بلا إذن، والروح تهمس بلا خوف.
هو ارتعاش اليدين حين تقترب، واحمرار الخدّ حين يُرى، وتلعثم الحروف حين تُقال، واختلاج الصورة حين تُحس.
هو انجذاب لا يُعلَّل، وميل لا يُفسَّر، وتعاطف لا يُدرَّس.
هو الأدب حين لا يُفرض، والوداعة حين لا تُدرَّب، والتجانس حين لا يُخطَّط له.
هو عناق الأرواح قبل أن تلتقي الأجساد، وترنيمة الفجر التي تزيح ستائر الليل، وحنين الشمس حين تودّع الأفق.
أما الصداقة، فهي اصطلاح اخترعه الناس ليحموا أنسابهم من اختلاط العواطف، وليضعوا حدودًا للحب كي لا يتجاوز ما سمّوه “المسموح”.
لكن الحب لا يعرف الحدود، ولا يعترف بالمصطلحات. إنه بريء من كل ما هو مصطنع.
العقل يفكر، نعم، لكنه لا يشعر.
والشيطان لا يدخل إلا من باب العقل، لا من نافذة القلب.
القلب لا يعرف الوسوسة، بل يعرف الخفقان.
فلا تخافي من جنوني، لأن الجنون هو لحظة صدق، لحظة تحرر من كل ما هو مصطنع.
لا تطلبي مني أن أكون صديقًا حين أكون عاشقًا،
ولا تطلبي مني أن أكون عاقلًا حين أكون صادقًا.
اتركيني تائهًا في غياهب العشق،
فأنا لا أخاف عليك من شوقي، بل من إدراكي.
أنا لا أخاف عليك من حنيني، بل من وعيي حين يبدأ في الحساب.
أنا أخاف أن أراك بعين العقل،
أن أتعرف على مفاتنك كما يتعرف الباحث على الظاهرة،
أن أضعك في خانة، أو أصفك بكلمة، أو أختزل حضورك في عنوان.
أرجوك، أبقيني بعيدًا عنك جسدًا،
وأبقِ روحي سائحة في فضاءك،
دعيني أتلذذ بهذا التيه،
فأنا لا أريد أن أمتلكك،
بل أن أظل مأخوذًا بك،
كما يُؤخذ الطفل بجمال زهرة لا يعرف اسمها.