السبت، 11 أكتوبر 2025

جزء من أقصوصة"لمن تلتقط صورك يا يوسف ! للكاتبة نجوى العريبي

جزء من أقصوصة"لمن تلتقط صورك يا يوسف !؟
من مجموعة" استووا.. يرحمكم الله"حتى لا ننسى ما عاشه ويعيشه الأبطال الغزاويون وكل مناضل من أجل حرب الكرامة والاستقلال.
...مائات من الضّحايا تحت الأنقاض. أطنان من
الحديد، أسلاك وغبار،لحم معجون بالأتربة، القهر والجوع والأوبئة تطوّق المكان. معول الإبادة محق كلّ عشتارولاّدة، بسمة طفل في الأفق، ذاكرة شيخ آتية من عبق الماضي يورّثها لأحفاده. معول الغدرلم يبق ولم يذر. أزيس وإيريبوس اكتسحا الأرض الطيّبة..
حرارة خانقة أكثر ممّا لو أنّ السّعير فتح أبوابه..
مازالت كاميرا يوسف تصوّر آثار الجريمة ،تتابع جبال الإسمنت والحجارة، تنبش في آثار البيوت المهدومة عن عرق مازال لم يجفّ وأياد خشنة، تتذرّع خاشعةلرفع هذا البلاء، ويعيد رشد السّفهاء..كامرا يوسف تجوس ركام الحجرات، فهناك كانت حياة،بقايا ألعاب أطفال ودفاتر وأقلام،ترسم عشبا أخضر، رغيف خبز غير مغمّس في الدّم،طحينه غير مخلوط بالشّظايا وميزان وحمامة.. دفاتر تحضن قبلة بلا أنياب، وسماء تغيب فيها العتمة. و بعيداهناك بين الأرض والفضاء يتجلّى طفلان في شموخ تباشير فجر، يقفان ثابتين، أمسك كلّ منهما بقبضةالآخر لا يبغي فكاكا. طيفان كظلّ مديد بألوان قوس قزح. كانا بلا خدوش، أو دماء تكسوهما، بلا يد مبتورة،أو عين مفقوءة، أو لحم منزوع أوعظم يتدلّى، أو بطن من الجوع تتضوّر..قد شبعا بعد سغب وارتويا بعد ظمأ. طفلان قلبهما يتّسع لكلّ المحن، يتجاوزها إلى الضّوء..بقعة الضّوء تعشي البصر..
"الطّفلان نورانيان، همامن محض خيالك يا يوسف.إنّه تأثير هول ما مررت به، ركّز على توثيق ويلات المشهد ونار جريمة الإبادة".هكذا خاطب نفسه، محاولا التملّص من رسمة الطّفلين، غير أنّ ثوب الطّفلة الأحمر المطرّز بأزهار البرتقال، تبدو زينته دقيقة،تلك الغرزة يعرفها يوسف. فقد فتح عينيه و أمّه وأخواته وكلّ الفلسطينيات وهنّ يوشّين بها مختلف أثوابهنّ، غرزة نقلتها الجدّات إلى الأمّهات، وتوارثتها البنات.. أين أمّه؟أين إخوته وأخواته ووالده وأعمامه وأبناء أعمامه؟!جميعهم دفنوا تحت الأنقاض؟!. ليته ما شجّعهم على مغادرة جنوبهم إلى الشّمال .. متى كان للأنذال عهد؟
"معلش"معلش"... هو حيّ و أرضه لن تموت، ستبقى حيّة، لن تموت..
طيف الطّفلين غزاعدسة الكامرا، حيث ينقل يوسف زاوية الالتقاط يتصاعد ضوؤهما. يحاول ملأ رئتيه ببعض الهواء،وإن كان خانقا.. يستمرّ في التّوثيق،ضحكة الطّفلين تزيّن أرض غزّة وكلّ السّماء..

للكاتبة نجوى العريبي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق