الأحد، 12 مارس 2023

قيثارة اللحظة بقلم الكاتب حسين السياب

 قيثارة اللحظة

_____________ / حسين السياب
حينَ تموتُ الأغاني تمضي الأيامُ من دون معنى..
تتسربُ من فجواتِ الخيالِ كلُّ الأحلام
بيضاء اللونِ على مدِّ البصر...
فتلكَ جموعُ الحزنِ تحاصرُ فرحتي اليتيمةَ
كعاصفةٍ هوجاءَ قادمةٍ من الجحيم..
وأنا أمشي في هذا الفناء وحيداً
من دون ظلي!
خطأٌ قاتلٌ أو خطيئةٌ أطاحت بي..
قيثارةُ اللحظة هزمتْ صمتيَ المجنونَ..
سيلٌ من الهمومِ الجارفةِ تترصدني...
كموعدٍ أخير أنتظركِ
فتلكَ المقاعدُ الخاليةُ كلّها لي
كلُّ العيوبِ أحببتها فيكِ إلا الغياب..
وتحدثني الظنونُ عن ليلٍ طويلٍ قادمٍ وقصيدةٍ بلا عنوان..
أنا هنا... فابتلعيني أيتُها الغيومُ
وامطريني في أرضٍ مسكونةٍ بالخرافةِ والأشباح
حباتٍ متناثرةً تُفنى بلمحِ البصر
Peut être une image de 1 personne, position assise et ciel

أيا تونس..أنت مقامنا أنّى حللنا..وأنت السفر. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 أيا تونس..أنت مقامنا أنّى حللنا..وأنت السفر.

"يا تونس الخضراء جئتك عاشقا *** وعلى جبيني وردة وكتاب.." (الشاعر الراحل تزار قباني)
تصدير: انطلقت الثورة في تونس حركةَ احتجاج اجتماعي ثم تطورت إلى حركة سياسيّة ومسار في بناء الديمقراطية.ولئن كانت ديمقراطيّة أثينا مشروطة بالعبوديّة والديمقراطيّة الغربيّة مشروطة بالاستعمار؛ فإنّ الثورة التي انطلقت من تونس تتّجه إلى تأسيس ديمقراطيّة مشروطة بالحريّة.
لن يتحقّق هذا التوجّه غدا..ولكن سيكون مداه القرن الحالي؛ ولذلك هي ثورة الألفيّة الثالثة.
لست أحلم..لكنه الإيمان الأكثر دقة..من حسابات راكبي سروج الثورة في الساعة الخامسة والعشرين..(الكاتب)
نخجل من الكتابة عن الثورة التونسية المجيدة في زحمة الكلام. نخجل، لأنّ الكلمات، ما زالت تحوم في الفلك المحيط بجوهر الثورة، ولأنها تصبح فعلاً مجسّداً خارجاً من شرايين جسدها الغاضب وأوردتها. وستكون الكتابة عن هذه الثورة المدهشة فعلاً مفعماً بالصدق، إذ تصبح عملا معادلاً لعظمة اليأس الذي تجلى فيها من دون مساومة.
وهكذا تحوّل الانتظار الذي طال إلى ثورة ترسم المستقبل، تلك الثورة الشعبية العارمة التي انطلقت شرارتها الأولى، ذات شتاء عاصف من شهر ديسمبر/كانون الأول 2010، هي ليست رداً على الاستبداد وحسب، بل ثورة على الماضي بكل تراكماته المخزية وتداعياته المؤلمة.
هل نخجل من الكتابة، لأننا بانتظار "هومير" عربي، لكي يسجّل ملحمة التحرّر العربي الحديثة، وهي تتخبّط في بحر التآمر الإقليمي والدولي، أو لأنّ الملحمة التونسية التي ستكتب بالكلمات ستكون المعادل الحقيقي لعظمة هذه الثورة؟
المقهورون وحدهم يمهّدون الأرض أمام من سيكتب تلك الملحمة،لتدخلَ في سجل التاريخ، عملاً عظيماً يوازي الملاحم الكبرى في حياة الإنسانية.
الغاضبون هم الذين يصنعون أسس عمارة الملحمة التي ستنتصب في مسيرة التاريخ شاهداً على أنّ الكتابة فعل يوازي عظمة الغضب.
لذا، نخجل من الكتابة عن الثورة التونسية المجيدة التي ما زالت إنشاء لغوياً، يبرّر هزيمة قدراتنا على الدوران خارج النبل التاريخي المتمثّل في غضب الثورة.
لهذا تطلّعنا جميعا إلى ملحمة البطولة التي تمثّلت على الأرض بالرفض والمقاومة،وتجلّت في تصحيح التاريخ العربي، بأمثولة تكتب لكل الشعوب العربية، ملحمة خالدة تقاوم القهر والاستبداد، وتكشف زيف قوّة الديكتاتورية العمياء والظلم الحافي، لتمجّد ألقَ الروح الشعبية التي تكتب الشعر بإيقاع الانفتاح على الخلود.
لا أقول إنّ الرأسَ تطأطأ أمام الاستشهاد من أجل تونس،بل إنّ الرأسَ تظل مرفوعة، فخراً بشعب أعزل، آمن بأنّ الشجرة إذا ما اقتلعت تفجّرت جذورها حياة جديدة، وتلك هي ملحمة الانبعاث من رماد القهر،بانتظار من يدخلها ذاكرة التاريخ عملاً عظيماً، يشعّ منارة في المسيرة الظالمة التي تنشر ظلمتها قوى الشر في العالم.
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان،بل بذاكرته المنقوشة في المكان.أزمنة متراصة مكثّفة.
هي ذي تونس إذن.زمان تكثّف حتى غدا مكانا وحكايات، أقاصيص وملاحم، سماء تنفتح في وجه الأرض، أرض تتسامى وتتخفّف من ماديتها حتى تصبح كالأثير. ثم يلتقيان. الأرض والسماء يغدوان واحدا.
هي ذي تونس اليوم مجلّلة بالوجع ومخفورة بالبهاء : أمل يرفرف كلما هبّت نسمة من هواء.. ثمّة فسحة من أمل.. خطوة بإتجاه الطريق المؤدية،خطوة..خطوتان ومن حقّنا أن نواصل الحلم.
سلام هي تونس،فلا بهجة لأبنائها خارج فضائها، وهي مقامنا أنّى حللنا،وهي السفر.
على سبيل الخاتمة :
يمثّل سؤال : "ماذا تحقّق من أهداف الثورة؟" -بعد مرور عشر سنوات ونيف على انطلاقها- أكثر الأسئلة إرباكا للطبقة السياسيّة التونسية، ويستوي في ذلك من ابتهج بقيامها ومن انزعج من اندلاعها.
فمثلما لا يستطيع الأول أن يُفاخر بما أنجزته الثورة من استحقاقات اجتماعيّة، ليس بوسع الثاني أن يُنكر ما تحقّق في مجال تأسيس الحريّة،إذ لا يزال منسوبها عاليا قياسا بما يعرفه المجال العربي من اقتتال أهليّ ضارٍ،يغذّيه تدخّل قوى إقليميّة ودوليّة ناهضت الثورة وتأسيس الديمقراطيّة،وتسعى إلى إعادة ترتيب الأوضاع بما يحفظ مصالحها القديمة والجديدة.
جمعت الثورة التونسية منذ انطلاقتها بين الحريّة والكرامة،ولئن بدا مطلب الحريّة متقدّما على الاستحقاق الاجتماعيّ من خلال شعار "خبز وماء وبن علي لا"،إلاّ أنّ احتداد المطلبيّة طغى على ما سواه،ولازم المشهد السياسي على مدى سنوات الثورة 12،رغم اختلاف الحكومات المتعاقبة.
وسنجعل من الوقوف عند مراحل الثورة الكبرى مدخلا إلى جدل الحريّة والكرامة فيها من خلال مقال قادم..
محمد المحسن


الشّمس ذا الصّباحُ بقلم إشراف رمضاني

 الشّمس ذا الصّباحُ

تبكي على غير عادتها
أتراها أضاعت مشرقها
أم أنَّ المصلّين أخطؤوا القبلة
وانصرفوا إلى سماء
مفقوءة العينِ
لا يصلها الدّعاءُ
وأنا
ترى ما بي أنا ؟
لمَ أتشبّث بذيل اللّيلِ
وهو يمسح بخماره دموعها
كي يعصرها على كفّي
بلا حياء.
لِمَ اتوضّأ بصوتي المبتلِّ بالأسى
لمَ أجوّدُ أحكام وجعي
وأرتل آهاتي في الصّلاه
أ لتهدأ شمسي؟
وتتوقّف عن البكاءِ ؟
إشراف رمضاني
من تونس

الغرفة 101 بقلم الكاتبة حبيبة عداد

 الغرفة 101


أخيرا انتهى يوم عملها الطويل ...نزعت عنها سترتها البيضاء وتهالكت على المقعد تريح جسدا منهكا وتجمع شتات عقل اعياه التفكير...لم يكن يومها عاديّا...مع كل ما مرّ بها وما عاشته في ذاك المكان الغريب ، لم يكن هذا اليوم من حياتها عاديّا ...
حاولت أن تشغل نفسها بتصفّح هاتفها والنّظر فيما يمكن ان يكون قد وصل إليها من رسائل قبل ان تغادر المكتب .
لا زال ذلك الصوت يقضّ مسامعها... تساير ذبذباته نبضات قلبها...
_"اي بنيّتي لم هذا الجفاء ...لم تلقين بي في هذا الصقيع ؟" قطرات الدموع تلك التي بلّلت خدا غزته التجاعيد ... تلك النظرة المنكسرة وتلك الرّجفة التي يهتزّ لها الكيان ...
مشهد طالما تعودت تفاصيله وتكرر الى الحدّ الذي بات خبزها اليومي ولكنها اليوم ، تعيشه بشكل مغاير تشعر به بشكل مغاير...
_" لاتتأخري نحن في انتظارك ...نجمة معي ... أخذتها من الحضانة وها نحن في طريقنا إلى البيت...ارجوك حاولي ألا تتأخري في العودة ... هذا اليوم على الاقل..."
كانت رسالة من زوجها أعادتها إلى الواقع ، ونبّهتها إلى أنُ الوقت قد حان للعودة إلى المنزل فارتدت معطفها وحملت حقيبتها واستعدت للمغادرة...فجأة رنّ هاتفها:
_ "ٱنسة حنين لو سمحت نحتاجك في الغرفة 101الامر طارئ ..."
الغرفة 101 ؟ إنها غرفتها...تلك المرأة ...نعم السيدة ...فاطمة ؟ كان ذاك اسمها ...ترى هل اصابها مكروه ؟ عادت ادراجها إلى المبنى وكانت قد غادرته، وفي ذهنها ألف سؤال...ماقصة تلك المرأة ؟لم رسخت ملامحها في ذهنها إلى هذا الحدّ ؟ مالذي يشدّها إليها وهي التي تعوّدت على رؤية عدد لا يحصى من النساء في مثل سنّها وفي مثل وضعها...؟
كان اللقاء غريبا لافتا...نظراتها إليها كانت آسرة ...نبرة صوتها وهي تعاتبها اخترقت وجدانها ويبدو أن ملامحها قد سكنت قلبها...لطالما فصلت بين عملها كأخصّائيّة نفسيّة في مأوى للعجّز وبين عواطفها ومشاعرها الذّاتيّة...ولطالما أقنعت نفسها بأن تبنيَ لها جدارا عازلا ، مانعا من تسرّب اثر الحالات التي تعالجها ، إلى وجدانها فتُضعف مناعتها النفسيّة وهي التي عانت من هشاشتها لسنوات ...حافظت على ذلك المبدإ طيلة السّنوات الخمس التي قضّتها في ذلك المأوى...وهاهي تكاد تفقد صلابتها وتوشك مقاومتها أن تهوي أمام هذه النزيلة ذات النظرة الٱسرة...
_"الغرفة 101...101...إنها هناك في آخر الممرّ .."كانت تسرع
الخطى وفي ذهنها سؤال واحد ترى مالذي يحدث بين جدران تلك الغرفة ومالذي ينتظرها فيها ؟
في سنوات عملها في هذه الدّار ،دار المسنّين ، كانت قد صادفت العديد من النزيلات والنزلاء ...مسنّات ومسنـّين...واستمعت الى قصص وحكايات عدّة ... بعضها حقيقيّ وبعضها تشوبه المبالغات ....كان بعضهم يلجأ إلى سرد قصًته ليخفّف عبئا أثقل كاهله في حين يلوذ البعض الآخر بالصمت يتحصّن به إمّا يأسا وخيبة أو حفظا لماء وجه وانتصارا لعزّة نفس ... أمّا دورها والمهمّة الموكلة إليها فهي هدّ أسوار هذا الصّمت والنّبش في مكنونات الصّدور علّها تُشفي جرحا وتعيد إلى الأرواح صحّتها وإلى الوجوه بسمتها...
كانت روحها عليلة وكانت هذه المهنة لها بلسما...توفي ابواها فجاة...عاشت الفقد وعانت من اليتم ...تهاوى سقف بيتها بموتهما فبحثت عن جدران تاويها وكان الٱباء والأمهات في ذلك المأوى حضنا يقيها قرّ اليتم ومرارة الفقد ...كم من القصص تواترت على مسامعها وكم حكاية أسالت مدامعها وكم سؤال أقضّ مضجعها ..كيف يمكن لقلب الإنسان أن يتحجر إلى هذاالحد ؟ لم يكن عقلها ليستوعب ما تعاينه في عملها من مآس ...ان يتخلى المرء عن امه او ابيه يبدو بالنسبة إليها اشبه بالتخلي عن قطعة من جسدها ..عضو منه لا تستقيم الحياة بدونه...قلب ربما...كانت تدرك أنهما القلب والروح وبفقدانهما يفقد المرء طعم الحياة...
هي اكثر من يدرك ذلك ..كانا لها سقفا وجدرانا وبرحيلهما باتت تشعر انها في العراء ...درست ...تزوجت...أنجبت...ولكن ذاك الشعور المرير باليتم ظل ساكنا فيها ينغّص كل لحظة سعادة عاشتها وكلما توهّمت ان جرحها قد اندمل تعود إليها آلامها مع كل هبّة لنسائم الذكرى والحنين...
_"آنسة حنين ...الحمدلله انك لم تغادري ....نحتاجك في الغرفة 101لو سمحت.."
_مالامر ؟ مالذي حصل ؟
لم تنتظر ردا على سؤالها بل سارعت إلى الغرفة تفتح بابها في خوف وتوجّس ...التقت نظراتهما للحظة فسرت في جسدها رجفة لم تدرك لها سببا...كانت المرأة ذات النظرة الآسرة تفترش الأرض، تتكور على ذاتها كما لو انها تود ان تختفي وتتلاشى فما جدوى الحياة إذا تخلى عنا من نحب... كان المشهد موجعا إلى حد الغثيان...ولكنه لم يكن جديدا بالنسبة إليها بل هي الحالة المعتادة لكل نزيل جديد يُحمل ويُترك في هذا المكان ...يُلقى به كما يُلقى بما زاد عن الحاجة من الأشياء..او..باشياء انتهت مدة صلاحيتها...هكذا كانت تشعر كلما عاينت نزيلا جديدا واستمعت إلى قصته...كومة ألم تتراكم على صدر آباء وأمهات خذلهم ابناؤهم ورموا بهم في هذا المأوى و تحججوا بحجج شتى ليبرروا تخليهم عن واجبهم تجاههم...كانت تتساءل في كل مرة هل الأبناء وحدهم من يعيشون يتما ام انّ الابوين كذلك يعانيان من اليتم حين يتخلى عنهم الأبناء... ؟ وهل ان احتياجاتهم تقتصر فقط على مجرد الايواء ؟
لم يكن المشهد جديدا ...ولكن وقعه عليها كان غريبا....تقدمت نحوها بحذر وإشفاق ... حاولت الاقتراب منها وتهدئتها ولكنها لم تزدد إلا خوفا ورفضا...ونحيبا خافتا يشق الضلوع....مرت لحظات وإذا بالمراة ترفع راسها بحذر ...تمد اليها يدها...تلامس وجهها وتردد وجعها في تلك الحروف التي اقضت مسامعها منذ اول لقاء بينهما ...
"_أي بنيتي لم هذا الجفاء ...لم تتخلين عني...لم تلقين بي في هذا الصقيع ؟ كانت تصوّب نحوها نظرات غريبة لم تتمكن من فكّ رموزها ولكن اثرها في نفسها كان عميقا ... اتخالها ابنتها ؟ أتعاتبها ...هي ؟اتظنها من تخلى عنها ...؟حاولت ان تخفف من وجعها ،ان تتشبث بدور الأخصائية النفسية ولكن هيهات ..كانت تشعر ان عقد صلابتها قد انفرطت حباته...حبة حبة مع كل دمعة تبلل ذاك الخد المجعّد...ومع كل نفس يغادر ذاك الصدر المثقل بالاوجاع...اشاحت بوجهها عنها حاولت الانشغال بقلم كان يخط قصتها... وفجأة عنّ لها خاطر...غريب...؟ او هو ... مجنون ربما؟ بل هو الجنون بعينه ...أيعقل أن تفعلها ...؟ولم لا...؟ إنه العقل عينه..
وزوجها ؟ كيف ستكون ردّة فعله.. ايرفض؟ ولم يرفض؟ أتراه يقبل ؟ ولم لا يقبل ؟ أليس زوجها ...سندها ...الشّاهد على تعاستها ؟ الحريص على إسعادها وملء فراغ روحها ؟ لم هي من بين كل النزيلات ؟ هي ...لكانها كانت في انتظارها...كان كل مافي تلك المراة يحتضها ...يربت على قلبها ...نظرتها الآسرة ...صوتها...لمستها وهي تمسح على خدها في حنو تتفحص وجهها...حتى عتابها الذي اخترق كيانها كان له وقع خاص...لقد ايقظت السيدة فاطمة فيها شعورا ظنت انها قد قبرته ولكنه لم يكن إلا نارا تسكن صدر الرماد وهاهي تشتعل مجددا في صدرها وتشيع فيه دفأها ...
حبيبة عداد
Peut être une image de sculpture et plein air

إلى متى سأظلّ أمارس وهمي..وأرسم على صهوة الرّوح ملامحَ جرحي..؟! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 إلى متى سأظلّ أمارس وهمي..وأرسم على صهوة الرّوح ملامحَ جرحي..؟!

الإهـــداء: إلى تلك التي أبرقت إليَّ أوجاعها..وحين تصفحتها..أسرجت دمي إلى شهقة العاصفة..
(كلما لاح بين المرايا..كهل جنوبي متعَب..عانقيني..ليس بين المرايا..سوايَ")
..منذ عشر عجاف..أبحث عنكِ
أكاد أصيح:ترى أين أنتِ!؟
ويتوه الصّوت سدى في الدروب
وفي غمرة الغيب أهذي:
لِمَ.. أسقطتني القوافل من دربها
ِلمَ.. لمْ تصل ومضتي للمرايا
لِمَ..بعثرتني الفصول..بين شتيت المدى
والوصايا..؟
وأظلّ أمارس وهمي..
وأرسم على صهوة الرّوح
ملامحَ جرحي
إلى أن يعبرَ القلبُ بوابةَ العمر
لكنّني..أبدا لا أراك..!
* * *
هاهنا يجترح الغيم أحزانه
تجيء البروق وتمضي
تبحث في أعين العاشقين
عن غرّة الفجر..
وتستطلع الصّبح في شهقة العابرين..
وأعيد السؤال:تُرى..هل أضعتكِ..؟!
أم أراني أسافر خارج الظل
ليهجع القلب في صمته
ريشة في مهب الهلاك..
* * *
إلى أين تمضين في مثل هذا الفراغ العظيم..؟!
وكيف أظلّ وحيدا أتهجّى..
همس خطاك
وكيف لي أن أحتفي بالماء في لجّة البحر
وكل النوارس تسرج أشواقها للرحيل..؟!
..ههنا يبحث الغيم عن دمع زيتونة أهملتها..
الحقول
ويطرّز من أدمع العاشقين وشاحا
للذي سوف يأتي..
كما لو تجيء الفصول بما وعدته الرؤى
لكن..ترى..ماذا سأقول إذا جاءني الماء والملح
بأشرعة مزقتها السيول؟!
-ربّما لن يكون الذي ينبغي أن يكون-
وربّما لن أضيء زمانا جديدا..
على شرفة في يديك
وربّما قد أرشف من مهجة العمر..
كأس المساء الأخير..
أو قد أظلّ
أبحث عنك في ما اعتراني من العشب
والطين
والدّمع
وأطرّز عمري فصولا على راحتيْك..
ويغفو الوجْد في غربة الغيب
يهفو إلى عطر صداك..
وتمرّ غيومك جذلى..تلامس نرجسَ القلب
لكنّني..أبدا لا أراك..
محمد المحسن
Peut être une image de 1 personne