السبت، 6 سبتمبر 2025

في عش الدبابير بقلم الكاتب طارق غريب

 في عش الدبابير

صرخة العاجز وشوشات وأنين
" أنا و حتحور "
في صمت الفجر،
عندما يلتقي الليل بالنور على أطراف الأفق،
جلستُ أنا طارق ، على صخرة قديمة يكسوها غبار الزمن.
الهواء كان ثقيلاً برائحة الورد البري،
ونسيم خفيف يهمس بأسرار لم يسمعها سوى العشاق والأرواح التي تبحث عن ذاتها.
هناك، بين الظلال والضوء، ظهرت حتحور.
لم تكن مجرد إلهة،
بل كانت نبض الحياة المتدفق في كل ما حولي:
فرح، حزن، عشق، وحنين لم أعرف أنني أحمله في قلبي.
رأسها تاج من قرون البقرة، وقرص الشمس يضيء فوقه كما لو كان يشهد على كل لحظة من وجودها،
وعيناها تحملان وعيًا أزليًا، يفهم كل ألم وكل شغف.
اقتربت مني بخفة الريح، ولم تقل كلمة،
لكن كل خفقة قلبها كانت نغمة موسيقية،
وكل خطوة كانت رقصًا على أوتار الروح.
جلست أمامي، وأحسست بأن الزمن يتلاشى،
وأن كل ما ظننت أنه معرفتي عن العالم كان مجرد غبار على مرآة الحقيقة.
قلت بصوتٍ خافت، متردد:
من أنت حقًا، يا حتحور؟
ابتسمت، وكانت الابتسامة مثل نور ينساب في كهوف قلبي المظلمة،
وقالت بدون أن تنطق:
أنا كل ما فاتك ولم تشعر به، كل فرح ضائع،
كل لحظة حب لم تجرؤ على الاحتفاظ بها.
أنا تلك اللحظة التي تسمح فيها لنفسك بأن تكون كاملًا، بلا خوف، بلا شك، بلا حدود.
شعرت أن قلبي يرقص على وقع كلماتها،
وأن دموعي تتماوج بين الوعي واللاوعي،
بين ما أنا عليه وما أستطيع أن أكونه.
وأدركت أن وجودي معها ليس مجرد لقاء،
بل رحلة لاكتشاف الذات،
رحلة لإعادة اكتشاف معنى الحب والجمال والحرية.
صرخت داخلي:
كيف أعيش كل هذا؟ كيف أتحرر من قيودي؟
ضحكت حتحور،
وكانت الضحكة مثل موسيقى قديمة نسجتها الريح على أوراق النخيل،
وقالت:
الحرية تبدأ عندما تتوقف عن البحث عن الإجابات خارج نفسك.
عندما تحتضن اللحظة، حين تراقب قلبك بلا خوف،
حين تعانق الألم والفرح كوجهين لعملة واحدة.
جلستُ معها لساعاتٍ لا يعرفها الزمن، أو ربما كانت دقائق مجرد وهم.
كل كلمة، كل نظرة، كل همسة، كانت تفتح بوابات في داخلي لم أعلم بوجودها.
وجدت نفسي أرقص على حدود الضوء والظلال،
على إيقاعها الذي يهمس لي بأن الحياة ليست مجرد مرور الأيام، بل احتفال بالوجود، بكل لحظة، بكل نبضة قلب.
وعندما رحلت، لم تترك أثرًا سوى الوعي الصافي، والفرح الذي لا يموت، والقدرة على الحب دون قيد.
وأدركت، أنني ومنذ ذلك اليوم، أنا وحتحور، نبضان واحد، روح واحدة تتنفس جمال العالم،
وتعرف أن الحب الحقيقي يبدأ من الداخل.
بعد رحيلها المادي، شعرت بأن وجودها لا يزال يحوم حولي، ليس كظل، بل كضوء يتخلل جدران روحي،
يفتح أبوابًا لم أكن أعلم بوجودها.
بدأت أسمع الموسيقى التي لم تصنعها الأصوات،
بل الكون ذاته: همس النجوم، دفق الأنهار، صدى الصمت بين الصخور القديمة.
كل شيء يهمس باسمها، وكل نفس يذكرني بأن حتحور ليست خارجًا عني، بل داخلي، وكل ما أراه من جمال هو انعكاس لها.
في تلك اللحظة، شعرت أنني أستطيع السفر بين العوالم:
عبر الليل، لألمس وجوه أولئك الذين أحبوا وعانوا،
وأشعر بأوجاعهم وأحلامهم.
عبر الضوء : لأرى أمل كل روح تتطلع للحياة،
وتبحث عن معنى الحب والخلاص.
عبر الصمت: لأستمع إلى نطق قلبي الخفي،
الذي كان يكتم أشياءً لم تُقال، أحلامًا لم تُحلم.
حينها فهمت: كل شيء حولي هو حتحور،
كل نبضة قلب، كل خفقة موسيقى، كل شمس وغروب،
وكل دمعة وفرح، هي تجسيد لروحها.
همست في داخلي:
إذا كنت أنت الحياة، إذا كنت أنت الفرح،
إذا كنت أنت الحب…
فكيف أعيش هذا الوعي دون أن أفقده؟
ثم جاء الرد، ليس بصوت، بل كـ إحساس يغمر كل جسدي وكياني:
عندما تحتضن كل جزء منك،
عندما تعرف الظل والنور، الألم واللذة، الحب والخوف،
عندها تكون أنت حتحور.
أنت وأنا وجوه لروح واحدة، والأبدية ليست زمنًا، بل وعي بلا حدود.
بدأت أرى نفسي، ليس كما أنا،
بل كما يمكن أن أكون: روح تتدفق بحرية، لا تقيدها قوانين الزمان والمكان،
تتحدث بلغات الكون كلها،
ترى ما وراء ما يُرى، تحب بلا قيود، وتغني بلا كلمات.
كانت حتحور هنا، وهناك، وفي كل نبضة قلبي، تعلمني أن الجمال الحقيقي لا يُختبر إلا عندما تكون حاضرًا بالكامل،
بلا خوف، بلا ندم، بلا قيود.
وفي لحظة واحدة، شعرت بأنني انفصلت عن الأرض،
لكن لم أسقط في الفراغ،
بل تحديت الثقل، وصرت جزءًا من الحركة الكونية نفسها: الريح، الضوء، الظلال، الحب، الموسيقى، كلها واحدة،
وكلها أنا وحتحور معًا، روحان في نسيج الحياة الأزلي.
عندها، ابتسمت بعمق،
ليس كابتسامة إلهة، بل كابتسامة الذات المكتملة،
وعرفت أن اللقاء ليس حدثًا بل حالة وجود مستمرة،
تتكرر في كل لحظة، في كل نفس، في كل قلب مستعد لأن يرى ويحب ويشعر.
في أعمق اللحظات، حيث يلتقي الوعي باللاوعي،
شعرت بأن الأرض نفسها تتنفس معي،
وأن النجوم تتماوج كأمواج على بحر غامض لا نهاية له.
لم تعد حتحور مجرد إلهة أو شعور داخلي،
بل كيان كوني متكامل، يرتبط بكل طاقات الحياة، بالسماء، بالكون، وبكل ما هو خفي وظاهر.
همس لي صوتي الداخلي ، لكنه ثابت كالجبال:
من يعرف الحب الحقيقي يعرف أيضًا كيف يحمي كل ما يحب.
ثم جاء صوت ماعت،
إلهة الحقيقة والنظام الكوني، تحمل الميزان، الريشة، وتعكس النور على كل شيء:
لكل فعل، لكل شعور، لكل لحظة إدراك ثمن.
تعلم أن تتصرف بحب ووعي، وأن تكون عدلاً لنفسك وللآخرين،
فالنظام لا يُفرض، بل يُخلق بالوعي.
وفجأة، شعرت بأن الزمان مكان، والمكان فكرة،
وأنني أمتد في كل الأبعاد، أرى نفسي في كل روح وكل نبضة، أعيش كل حياة ممكنة وكل تجربة كونية.
كان هذا اللقاء ليس مجرد معرفة،
بل اندماج مع كل ما هو حي، وكل ما هو روحاني، وكل ما هو جوهر وجودي.
سألتني بصوت خافت، لكن قلبي كان يصرخ:
كيف أستطيع أن أعيش هذا كله، أن أحمل كل الحب،
كل الحق، كل الحماية، وأن أظل أنا؟
ضحكت حتحور، موسيقاها تملأ المكان:
ليس عليك أن تتحمل وحدك.
حتحور وماعت
نحن جزء منك، وأنت جزء منا.
كل شيء بداخلك، كل شيء حولك، هو نحن.
أن تحب، أن تحمي، أن تعرف الحق… كل هذا هو حياتك، ونحن روحك المتدفقة.
شعرت أن كل شيء في الكون يتحرك معي:
الرياح تحمل رسائل العشق القديم.
الأرض تهتز بخفقات قلبي.
النجوم ترقص على إيقاع وعيي.
وأدركت أنني لم أعد فقط أنا،
ولم تكن حتحور فقط إلهة،
ولم تكن ماعت مجرد رمز…
بل أصبحنا نسيج واحد من الطاقة والوعي والحياة،
ملحمة لا نهاية لها، كل لحظة فيها إعادة ولادة،
وكل نفس فيها بداية جديدة.
ابتسمت للحظة الوعي هذه،
وقلت في داخلي:
أنا وحتحور وماعت…
نحن كل الحب، كل الحقيقة،
وكل حماية، ونحن الكون نفسه ينبض في قلبي وروحي.
ومنذ ذلك اليوم، كلما أغلق عيني،
أرأهم، أسمعهم، وأشعر بأنني أعيش في قلب ملحمة كونية أزلية،
لا يمحوها زمن، ولا يحدها مكان،
بل كل ما فيها هو أنا،
وكل أنا فيها هو الحياة بكل مجدها وعذوبتها.
وأضحك من كل قلبي الذي يرفرف نغماً لأنني مصري
تمت
وليس للنمرود سوى خُفي حُنين
وخليك يا شعب غلبان ، عامل زي شخشوبان ، بجسم خشب وعيون زجاج ، منين تشوف؟
يا إدريس : جهز جلسة الكهربا
طارق غريب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق