"ميشو" و "هديل"
المشهد الأول:
"هديل"
في يوم قائض من أيام الصّيف رجعت الى المنزل وقد كنت خارجه لقضاء بعض الشّؤون وما أن دلفت إلى وسط الحديقة حتى استرع انتباهي منظر حمامة جميلة تفترش الأرض ولا تحرّك ساكنا فحتى حين اقتربت منها ظلت مكانها. كانت المسكينة في شبه إغماءة لا تعي ما حولها ولا تقدر حتى على أن تهزّ برأسها أو أن تتطلع الى السماء. كانت تنظر إلي بعين كئيبة حزينة تبعث على الرّأفة والشّفقة. وتسارع إلى ذهني في تلك اللّحظة ألف سؤال وسؤال.
ما الذّي أصاب تلك الحمامة؟
ولماذا هي هنا؟..ربّما هي مريضة؟
ربّما وقعت بسبب الحرّ الشّديد من عشّها بأعلى شجرة النّخيل التي تتوسط الحديقة ؟
وبينما أنا في حيرتي هذه اذ تبادر إلى سمعي صوت حزين من أعلى فاذا هو طائر حمام آخر اتخذ من أعلى السّاري القريب من المكان ملجأ وكأنّه يراقب من بعيد ما يجري من أحداث داخل الحديقة دون أن يقدر على التدخل أو محاولة اسعاف الحمامة البائسة فأكتفى بالنّحيب عليها والتّعاطف معها من بعيد. أسرعت إلى داخل المنزل أبحث عن وسيلة ما لانقاذ الحمامة المسكينة وفكّرت بأن أقدم لها أولا قليلا من الماء لعل العطش أصابها في هذا اليوم القائض ثمّ أنظر بعد ذلك في أمرها لعلي أفلح في مدّ يد المعونة لها.
رجعت سريعا بوعاء مليء بالماء وما أن اقتربت منها بهدوء حتى خفقت الحمامة بجناحيها محاولة الطّيران والابتعاد عنّي.
وفي تلك اللحظة وبكل خفّة قفز القطّ "ميشو" الذّي كان يرقبها منذ برهة من مكانه الغير بعيد عنها وانقضّ عليها بسرعة البرق ممسكا بأحد جناحيها بواسطة مخالبه الحادة لسوء حظّها اذ حاولت الهروب في اتجاهه على علوّ المتر تقريبا. وأمام ذهولي من ذلك المشهد المفاجىء تسمّرت مكاني ونهرت القطّ بقوّة " ميشو !!! ما خطبك يا ميشو؟... أترك الحمامة وشأنها قلت لك أترك الحمامة وشأنها " فأذعن القطّ للأمر وانكمش على نفسه دون أن يحدث أي صوت أو أي ردّة فعل وكأنّ شيئا لم يكن.
آلمني المشهد كثيرا فسارعت لحمل الحمامة إلى الدّاخل ووضعتها في سلة من الخيزران وتركتها تستريح بعد أن طهّرت الجرح الذي أحدثه القطّ "ميشو" في أحد جناحيها ودعوت لها بالشّفاء إن كان مازال في عمرها بقيّة وظلت الحمامة على ذلك الحال لا تحرّك ساكنا لساعات وساعات. ومع اقتراب المساء رأيت الحمامة "هديل" وقد إلتقطت أنفاسها تقفز إلى حافّة السّلة ثم طفقت بجناحيها إلى أحد الشّبابيك ثم اتّخذت من أعلى الدّرج مكانا لها ممتنعة عن الأكل والشّرب.
سررت لتحسن حالها وتركتها تمرح هنا وهناك داخل المنزل. وقبل أن أخلد للنّوم أردت أن أبحث عنها في الطّابق العلوي حيث تركتها للاطمئنان عليها لكنّي لم أجدها وقد كان شّباك الغرفة مفتوحا.
فتبادرت الأسئلة إلى ذهني وتزاحمت :
أين ذهبت الحمامة "هديل" في هذا اللّيل وجرحها لم يطب بعد؟
هل خرجت من الشّباك وحلّقت بعيدا نحو رفقائها وهي ذلك الطّائر الأليف الذّي يطوق دوما إلى نسائم الحرّية؟
أم أنّها وقعت في قبضة القطّ "ميشو" مرة أخرى؟
في الصّباح استبشرت خيرا حين لم أجد أثرا على الأرض للحمامة "هديل " التي جازفت بحياتها حيث آثرت مغادرة المنزل من أول كوّة تراءت لها أو شبّاك مفتوح صادفها دون تردّد برغم جرحها النّازف والظّلام المخيّم على المكان.
♡لطيفة_سالم_بوسته
♡بنت_الجزيرة_الحالمة
♡تونس_جربة 7جانفي 2024

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق