الأحد، 15 يناير 2023

نذرت دمي لِتُرابي وكنتُ الشّهيد! بقلم طاهِر مشّي

 نذرت دمي لِتُرابي وكنتُ الشّهيد!

******************************
نذرتُ دَمي
لهذا الترابِ الذي فيه أحيا
سهرتُ، وتاهتْ خُطايَ بعيدا
ولكنّ نبضي يُعيدُ الرّحيلا
فتَعْوي رياحُ الأماني
والقمرُ يكشِفُ بنورِهِ جُرحي
كأنّي أسيرُ بلا خارطة
فيقودُني نبضي
رَغمَ الظلامْ
رغْم الرياحِ العاتية
ورغْمَ الصّحاري القاحلة!
وحبّاتُ رملٍ تغوصُ بِوَجْهي
تُرَمِّمُ تجاعيدَهُ الفانية
لكنّ نبضي
يصيحُ، فَيَسْري دَمي
بين أطرافيَ البالية
فتَغلي عُروقي
يسوقُنِي شوْقي وحيدا
بين الهضابْ
وبين الشُّجيْراتِ
في الغابْ
ذئبٌ طليقٌ
يتَرصّدُ خَطَواتي
يداعبُ تلك الغُصونِ
وينتظرْ كَبَواتي
لِينقَضّ بِتَلهُّفٍ على الأمنياتْ
ولكنّ نبْضي يصرُخ عاليا
ودمي يُميطُ اللّثام عَنِ الخارطة
ويرسمُ مِن جديدٍ مسارا
يخضِّبُهُ الوردُ بالعِطرِ حينا
وحينا آخَرَ تجرُّني العاصفة
تحملُني مُكبّلاً دون أصفادْ
وعيْني بها من شَتاتِ التّرابِ
رُكاماً على وجنتِي العابسَة
فكانَ نصيبي من البُؤسِ
كأساً تجرّعتُهُ يوْمَ أمسِ
بتلكَ الرُّبوع
على حافة الوادِي
فوق الهضاب الشاهقةِ
في بِلادِي
ما زلتُ أسيرْ أعافِرُ جُرحي
أجر ُّ انكسارَ المنايا
وأرسمُ صورةً فيها الحكايا
وأبحثُ في جوْفِ فِكري قليلا
لعلّي أرى في بِلادي رجايا
وأمضي وحيدا
مُشَرّدةً روحِيَ بيْنَ الدُّروبْ
وَكأنِّي ما عبَرتُ الغُروبْ
كأنّهُ يومي سَلا منهُ نورُ الوجودْ
فباتَ الظلامُ يلازمُني أنّى ذهبتْ
يصاحبُني أنّى ارتَحلْتْ
ويحملُني في سُباتِ الرحيلْ
ولكنني ما أزال فَتِيّاً
كأنّي اليومَ وُلِدتْ
ودمعي على وجنتيَّ شريدا
يُنادِمُ طيْفي وحيداً طريدا
نذرتُ دَمي لِتُرابي
وكَبّلتُ الرّوحَ في معصمي
وجُبتُ الدّروبَ وحيدا
بِلا مِعطَفٍ قد يقيني بردَ روحي
فَبردُ المَكانِ عليّ عنيدا
وعُدت إلى نقطة الصفر
أذرو دموعي
وأسقي الترابَ دماً زَكيّا
مِن وتيني
وقلتُ اكتفيتُ، كفاني رحيلا
كفاني صهيلا
وكفّي مخضّبٌ بِعطرِ دمي
فكَم من ربوعٍ سقتها الدماءْ
وقد فارق الأهل والأصدقاءْ
وغادر منها الجنودُ حفاةْ
بلا خارطة كيف يبغُوا النجاةْ؟
وذلك البحر عميق
وَحَدَّ الغرَقْ
حزينٌ على الشاطئ
أبحثُ عن مَراسي
أحطُّ رِحالي، كفاني قلقْ
ولكنْ دروبُ الوغى تستحيلْ
فقالوا :"هناك بعيداً قتيلْ
وقالوا :شهيدا لماذا العَويلْ"؟
ولكنّ نبضي عصِيٌّ شَهقْ
ودمعي سقى طوبَها والنخيلْ
وسال دمي
نذرته للأرض حالَ السّبيلْ
وهبتُه لِنور الدُّجى في الأصيلْ
وتُهتُ وتهتُ
إلى أن سكنتُ اللّحَدْ وكنتُ الشّهيدْ!
طاهِر مشّي
Peut être une image de 1 personne

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق