السبت، 22 يناير 2022

-قصة-قصيرة من داخل مجموعتي القصصية ( لولا السواد ما كانت الأحلام بيضاء ) بقلم الكاتبة فوزية البوبكري ( الأم فوزية )

 -قصة-قصيرة من داخل مجموعتي القصصية ( لولا السواد ما كانت الأحلام بيضاء )

ليلى_و_الذئب
استوت الجدة في جلستها وسوّت شالها الرمادي على كتفيها وأحكمت وضع نظارتها فوق أنفها والتفتت إلى سارة مبتسمة: __أي قصة تريدين سماعها هذه الليلة ؟
اقتربت الصغيرة من جدتها وناولتها قصة كانت تخفيها وراء ظهرها.
_____اممم هذه قصة *ليلى والذئب* .تريدين سماعها ؟ سأروي لك عن ليلى وعن الذئب ولكن عن ليلى وذئب آخرين .
جلست الصغيرة وكلها آذان صاغية.
__بعد الصلاة والسلام على خير الأنام ، كان يا مكان في وقت قريب جدا من هذا الزمان كانت هناك طفلة جميلة جدا وحالمة جدا ورقيقة جدا. تحب كل الناس.
عقدت سارة يديها حول صدرها ولمعت عيناها وأصبحت كل حواسها متوثبة قالت: إذن ليلاك لم تكن تعيش في الغابة ..فأين كانت تعيش ؟
كانت الجدة تعرف ذكاء حفيدتها لذلك هيّأت نفسها لمثل هذا السؤال.
أمسكت بيد الصغيرة وأخذت تعدد على أصابعها الصغيرة قائلة :
__ربما كانت في بلد بعيد عنا جدا يقال له البلد السعيد أنّى الجبال المزروعة رغم صعوبة الصعود إليها أو في صحراء جميلة مترامية الأطراف أو ربما هي الآن في بلاد مهد الحضارات ومسكن التاريخ أو قد تكون في بلد النخيل الشامخة والأنهار التي لم تتوقف عن الجريان منذ قديم الزمان أو ربما هي تعيش قريبة منا جدا على مرمى بصرنا وبصيرتنا .أو في بلد يجثم فيه التاريخ والحضارة في شموخ كهرم يعانق عنان السماء.
لا يبدو أن سارة فهمت ما تقوله جدتها عن أمكنة تواجد ليلى وبحركة لا مبالاة أبعدت يدها عن يد جدتها وسألتها :
__ والذئب ؟ سألت سارة وهي تزداد التصاقا بجدتها كأنها تحتمي بها ممّن سألت عنه.
---- مابه الذئب؟ آااه فهمت !!
__لا يا ابنتي الذئب هو نفسه الذي في قصتك ..ذئب واحد متربص بكل ليلات العرب ...سأنظر في قاموس اللغة إذا كان مسموحا جمع اسم ليلى .......أااه لا عليك لا تهتمي لهذيان جدتك يا صغيرتي.
إذن نعود للذئب هو ياابنتي ذئب واحد يخرج في كل مرة من بين ثنايا الكتب فيتواجد في كل هذه الأماكن في نفس الوقت ...فهو يملك قوة خارقة للتنقل بين القارات بسرعة الضوء ...
ماذا؟ ماهي سرعة الضوء .؟.. هرشت الجدة رأسها كمن يعرف الإجابة ولكنه نسيها ...
___حقيقة يا صغيرتي لا أعلم ما هي.
ابتسمت ثم أردفت هذه لن أبحث عنها في قاموس اللغة لأني لا أظن أن شرحها يكون هناك وأنا لا أملك قاموسا غير قاموس للّغة
____تسألين ما هي هذه الأماكن وأين توجد ؟ ..تلك قصة أخرى لم يكتبوها بعد للأطفال سأحكيها لك مرة أخرى ....
ماذا قلت ؟ فسمعي أصبح ضعيفا ..آااه سمعت
____طبعا يا سارة لابد أن تكون ليلى ترتدي رداء أحمر ...هذه نقطة لا نستطيع تغييرها في القصة ولكن في قصتي رداء ليلى الأحمر لم تشتريه لها أمها هدية في عيد ميلادها بل تحصلت عليه من إحدى جمعيات الإغاثة المنتشرة في كل المدن من وطننا العربي ...ماذا يعني وطننا العربي؟
...اتركيني يا سارة أتم القصة ودعك من الوطن العربي وانتظري حتى تكبري لتفهمي ذلك فشرحه أصعب من شرح سرعة الضوء
____ أين كانت ليلى ذاهبة ؟ ؟ . . سألت سارة
_______.امم هذا سؤال أجيبك عليه .
ليلى في قصتنا يا ابنتي لم تحمل معها كعكة وغلالا لجدتها فأمها بالكاد توفر لها الخبز الذي توزعه منظمات الإغاثة ...ولا تسأليني ماذا يعني منظمات إغاثة . لانني لن أجيبك والا لن تنتهي قصتنا أبدا ....
ليلى كانت تأخذ الدواء لجدتها بعد أن هدأ القصف قليلا ...لم تلتفت ولم تجر وراء الفراشات ...كيف يمكن ان توجد فراشات بين ركام المنازل المهدمة ...ولم تضع الوقت في قطف زهور تأخذها هدية لجدتها إذ كيف ينبت وسط الأتربة المتراكمة والحجارة المُكوّمةعشب أو زهر وقد أتت الحرب على الأخضر واليابس
ليلى لم تتحدث مع الذئب ولم تعص أوامر أمها ...كانت منتبهة جدا فهي تعلمت أن تكون متيقظة ...انها الحرب وزمن الحرب الكل يتعلم كيف يكون متيقظا حتى الأطفال ...
و الذئب في حكايتنا يا صغيرتي لم يكن في حاجة للتحايل على ليلى ..ولا إلى سؤالها عن بيت جدتها ...فهو يعرف كل المنازل وكل الحارات ثم إنه لا ينوي ابتلاعها كما في القصة الأصلية ..فهو متخم من اللحوم الملقاة أمامه منذ سنوات ....كان هدفه ليلى الحالمة ...البريئة ...فهو يرى أنه ليس لها الحق في أن تحلم ...وليس من حق جدتها أن يصل لها دواؤها ...لذلك سيكتفي بقتل ليلى وبذلك تموت الجدة معها لانها لن تجد دواء يشفيها من مرضها المزمن ....
_____ والصياد جدتي أين هو لماذا لم يأت لانقاذ ليلى
______ آااه تذكرت هناك صياد في القصة الأصلية ...
التفتت ليلى تبحث عمن ينقذها من الذئب المتوثب ...خرج الصياد من بين أوراق القصة ووقف بعيدا عنها مصوبا نحوها بندقيته ...تعجبت ليلى منه وظنت أنه لا يعرف القصة فصرخت ...أيها الصياد لست أنا من يجب قتله ...دونك الذئب صوّب نحوه سلاحك قبل أن ينقض علي ...هل نسيت دورك في القصةا لكن ضحكة من الذئب جعلتها تلتفت....قال الذئب ألم تعلمي أن الأدوار قد تغيرت بين ثنايا القصة ؟ وأنا من يتحكم في الأحداث الآن ..
ظل الصياد مصوبا بندقيته نحوها ...أشار له الذئب بحركة من رأسه ...واذا بطلقة تصيب قلب الصغيرة فتسقط أرضا تتخبط في دمائها ...ويتلطخ ذالك الثوب الأحمر ... بالأحمر ......وصوت الذئب يردد شكرا لك أيها الصياد على تعاونك معنا وبقهقهة عالية، لم يجتهد في إخفائها عن الجمع الذي تحلّق حول الطفولة المغدورة قال وهو ينفخ أوداجه منتصرا :
__لا مكان للبراءة وللحلم في هذه الربوع ....
أحست الجدة بالتعب والإجهاد ....التفتت الى سارة ...كانت قد نامت واضعة رأسها على ركبتها ...الحمد لله أنها نامت قبل أن تُقتل ليلى .... نامت سارة ولم تنم الجدة....باتت تلعن الذئب و الصياد ...لماذا قتل الصياد ليلى؟ ...لماذا ستموت الجدة أيضا ؟......ظل رأسها يعجّ بأسئلة وأجوبة متناقضة ...لماذا غيُرت الأحداث والنهاية ؟....ولكنه الواقع ....ألم يحن الوقت كي يسمع أبناؤنا قصصا من واقعنا ويعيشوا أحلاما قابلة للتحقيق ؟...أعياها التفكير.....تحاملت على نفسها بعد أن أزاحت رأس سارة بلطف عن ركبتها وقامت تتوضأ لصلاة الفجر ولسان حالها يردد ولكنه الواقع ....الواقع ....لتتوصل أخيرا إلى جواب أرضاها وأرضى شيخوختها ...
إن بين الجدة وليلى جيل من المهزومين والمتواكلين والجبناء المستنزفين...اللامبالين رغم كل ما يدُعون ....جيل لا يعني الذئب ولا الصياد في شيء..جيل توقف عن الحلم ....
فوزية البوبكري ( الأم فوزية )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق