الاثنين، 24 يناير 2022

سميرة بنصر: -كائن أبيض جميل بقلم الناقد محمد المحسن

 الشاعرة التونسية سميرة بنصر:

-كائن أبيض جميل،لا يليق السواد إلا بفساتينها.-
"أشتغل في كوني الشَّفيف،ولا أسرارَ مهنية لي..كلَّ يوم، أتعلّم وأعلّم. يُقال لي وأقول،أتبادل المعطيات والخبرات والمعارف،لي فضيلة التبادل وسخاء الشراكة وحسُّ الإنصات.."
سميرة بنصر.هذا الكائن الأبيض الجميل،لا يليق السواد إلا بفساتينها..تنتظر الآن،كما لم تنتظر بحياتها وطنا عربيا حرا لتدعو الجميع لوليمة السلام والحرية..
سميرة بنصرالشاعرة التونسية المتميزة..من مواليد ولاية بنزرت المطلة على بحر متماوج يروي أقاصيص وأمجاد من عبروه في رحلات عبر الأقاصي يحدوهم أمل في غد مشرق تصان فيه كرامة الإنسان..،نشأت وعاشت صباها هناك،في بيت نهلت منه الأدب والجمال والشعر..
بدأت في عمر المراهقة فخطت أحاسيسها على الورق وكبرت قصائدها شيئا فشيئا وباتت اليوم أكثر ابداعا وجمالا..
وإذن؟
الذهاب إلى الشعر إذا عن طريق النثر،يشبه تمام الإبحار غربا إلى الهند،ففي كلتا الرحلتين ستصل إلى أرض لم تتوقعها،لست بحاجة لأورد هذا التعريف،حتى أتكلم عن الطريقة المبتكرة التي تسوغ فيها الشاعرة التونسية سميرة بنصر قصيدتها،في مضمار هو بمطلقه نثر..أتذكر سعد سرحان،هذا الشاعر المغربي هو أيضا من هواة هذه المغامرة،إلا أن الفاعلية التي تحصن بها سميرة قصيدتها،التي تبدو هي من ينتصر في النهاية على ثوبها،ما يجعلها تنبع من عملية إطلاق معنى ذاتية، يتشكل من خلالها،فلا يخضع لعمليات خارجية أو أي اعتبارات أخرى، نتكلم عن معنى يورده على هيأة شطح، نعلم أن الأول (المعنى) منوط بالقارئ الذي يضطلع بإنتاجه،حتى أنه لا يتأتى له ذلك من منطلق تأويلي صرف وإنما بالتفاعل الذي يحدث بين طرفي العملية الإبداعية القصيدة / القراءة
ما الشطح ..فقد لا نسلم أنه عملية بناء وإنتاج،داخل مفهوم أفق الانتظار،حيت يتفاعل تاريخ الأدب،والتصوف،والخبرة الجمالية،والرؤية الفلسفية، بفعل آلية الفهم لدى المتلقي،فالشطح عند -سمية بنصر- الذي يتبدى أكثر في قصيدتها (همس النسيم) ليس مراكمة نتف بعض التعاليم السريالية البيضاء،بقدر ما هو فعل حر لعلاقة حب واضحة،مثل فضيحة، تخلعها القصيدة وتبغي بها نفسها لقارئها.
فهذه الشاعرة التونسية سخية،على مستوى كتابتها الشعرية ومنجزاتها الإبداعية كثيرة الظهور في الملتقيات و الموائد الثقافية،لكنها تنأى بنفسها عن الزعيق العام،للاشتغال الهادئ والمتواصل داخل مرسمها،بعيدا عن الأضواء ومتحالفة بقوة مع متنها وفنها،الذي خطته لنفسها انتباها كاملا داخل الساحة الثقافية التونسية،قصيدتها بقدر ما فجرت فيها طموحها الشخصي،على مستوى تطويع اللغة،وكسر بنيتها،بقدر ما حققت مكاسب أكثر لقصيدة النثر،إنها إلى حد بعيد أشبه بذلك الطفل الذي ينخرط بشغف في حفر الأرض؟،أكثر من شغفه بما سيفضي إليه هذا الحفر،فهذه الشاعرة التي جاءت لتؤسس لا لتقتفي أثر غيرها،برهنت للعقلية النقدية المستشرية،أن المفاهيم المدرسية كما القراءة الانطباعية على السواء،لا يمكن أن تخفي مهما استرعت من معاول،ذلك الضوء الهارب من القصيدة،ذلك الذي تخبئه عميقا في ثوبها حتى تشعر هي نفسها بالدفء،وتعرف أنها مازالت على قيد الشعر.
قصيدة غاصة بالموجات التعبيرية للمجاز الجمالي،هكذا أسميها،فالشعر الذي تستخدمه كضوء، تشعله حتى نراها،لا يمكن أن يصبح مرئيا إلا في علاقة بالبناء المولد له..والبناء في هذه القصيدة هو سلسلة من الإرغامات التي توجهنا إليها الشاعرة، حتى نقوم من خلالها بإنتاج وتداول واستهلاك المعنى التعبيري،عبر لغة جديدة عمدها كامل أجزاء المتن السطري خاصته،وهي لغة مشرعة مثل نوافذ، يتسلل من خلالها القارئ إلى عوالم الدهشة في هذا المتن،على اختلاف أشكالها ومكوناتها وكيميائها،وهي كفضاء تشكل في الوقت نفسه لحظة الفعل الخصوصي العميق للشعرية،
فهي بهيئتها المتفردة،بزيها الجديد المبتكر،تجعل فعلا أولئك الذين يدركون دور الشعر في إضفاء المعنى وإعطاء حياة موازية،وجعل العالم أكثر إنسانية،يعرفون بالتأكيد أن هذه القصيدة بالذات قصيدة فادحة،فهي تبغي الالتفات إلى بنيتها الدلالية الظاهرة والعميقة،ضمن أبعاد ومداخل وأنماط نقدية جديدة،ترخي ضوءها أيضا على الطرح البصري،الذي تشيده،لا الإرتكاز على المعجم اللغوي ومشاغله التبئيرية فقط.
لا يفوتنا أن الشاعرة التونسية سميرة بنصر شاعرة وكاتبة دون مفاضلة، تقول بهذا الخصوص في حوار كنت أجريته معها (أصور نفسي مثل شخص ينام فوق سرير يتسع لوسادتين، بحيث يتيح لي هذا الوضع المريح التمدد فوق هذا السرير،بوسادتيه الوتيرتين الناعمتين،بما لا يسبب لي تشنجا في الرقبة أو المكوث على نفس الوضعية المحكومة بالضيق، أثناء النوم وفي الأحلام أيضا.بحيث أستطيع أن أنتقل من وسادة الشعر إلى وسادة التشكيل،وأنا فوق نفس سرير الإبداع بمعناه الواسع.هذا على سبيل المجاز..)
فهذه الشاعرة القادمة-كما أسلفت-ولاية بنزرت الحالمة مهد الحب والجمال والكرم الفيّاض عودتنا على اللعب الحر والطليق فوق المنعرجات الحارقة للحافة في المضمون،كما في التقنية الموظفة،ترغب بشدة في هزم جسور التواصل مع القارئ،بل تقترح عليه أن يندمج معها في أجواء المكابدة الشعرية،قلت عنها ذات يوم في إحدى مقارباتي (تتأمل-سميرة بنصر-مسارها الشخصي فيما هو يتمثَّل مسار الحركة التشكيلية في بلدهِا،وفي العالم.هكذا ينبغي أن يتصرَّف كل فنّان يريد أن يتطوَّر.ولذا نراها تختزل الهِبات كلَّها في هِبَتها.وهي تشتغل في كونها الشَّفيف،ولا أسرارَ مهنية لها.كلَّ يوم، تتعلّم وتعلّم. يُقال لها وتقول، تتبادل المعطيات والخبرات والمعارف، لها فضيلة التبادل وسخاء الشراكة وحسُّ الإنصات،لا تضجر ولا تقلق ولا تتهيّب من روح التَّتلمُذ.ومن ثم،نراها تتطوّر باستمرار،وتتحوّل دونما توقف في عملها الفني،وفي رؤيتها التِّقنية والجمالية.. )
على سبيل الخاتمة:
تتميز الشاعرة العربية التونسية سميرة بنصر بوضوح نصوصها والتكنيك اللغوي باستخدامها المفردة المفرطة بالجمال البعيدة عن الترهل القريبة من الابتكار،فهي لها موهبتها المتفردة في تأثيث بيتها الشعري وتزيينه بالفكرة والصورة والتكثيف والانزياح ،لكن برأيي أهم ما يميزها في اشتغالاتها الشعرية هو "الاستنباط " الذي تعتمده كدائرة مركزية في توزيع أدوارها المستمدة من الحياة المعاشة،وهي بذلك توفر ذخيرة كبيرة من الأدوات لاستخدامها ضمن المنظومة العامة للقصيدة..
نقرأ واحدة من قصائدها الجديدة المفعمة بالتكثيف والترميز :
كان هنا... حدّثت عنه أثار قدميْه
كان هنا... أجابت الشّجرة التي غرسها من ألف عام
كان هنا...قالت الريح التي شربت بقايا كأسه ، فـترنحت
كان هنا.... قالت الصخرة
قالت حبّة الرّمل : لا تستهن بي فإني الصّخرة الكبرى قبل حقبة
رأيته... كان يمرُّ من هنا....
أخيرا..أكتفي بالقول:قبعتي..يا سميرة بنصر..يا من تكتبين بحبر الروح..ودم القصيدة..
محمد المحسن




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق