من يوميات مربية زمن الكورونا
باتت ليلتها تفكر كيف ستذهب إلى العاصمة لأخذ موعد لامها مع الطبيب كانت خائفة من الكورونا ذاك العدوّ الذّي بات يتربٍص بالجميع و لكن :يا رضاية الله و رضاية الوالدين
نهضت مبكّرا تعطّرت بما كان بحوزتها من معقّم ثم لبست كمامتها الوردية انسجاما مع ملابسها فليس عيبا أن تستجدي الأناقة هربا من التفكير في الكورونا اصطحبت ابنتها معها لعلّها تجد في صحبتها تخفيفا من التفكير في الوباء
وصلت المحطة فاذا هي مكتظة طابور طويل عريض و الكل منضبط أمامه يسبح في بركة عرق ماذا هناك؟ إنّ السيارات المقلّة الى العاصمة غير متوفّرة انتظرت و ابنتها .. و أخيرا جاء دورها و اقتطعت تذكرتين يا فرحتها يا هناها إنّها أخيراستقدّم خدمة لأمّها المريضة لكن حدث ما لم يكن في الحسبان بدأ التخاصم من أجل الاماكن الأمامية الكل يهرب من المقاعد الخلفية خوفا من الوباء فقد باتت الكورونا محددة لآمالنا باعثة لمخاوفنا مذكية نار الفتنة بيننا وقف امام المربية شاب مفتول العضلات طويل القامة أسمر اللون صامت لكنّ نظراته كانت تبعث ببعض الكلم الذي لا يفهمه الا من خبر لغة العيون و إذا بصوت حرّك فيه شيئا ما :هل هناك مكان أمامي انفرادي؟ نظرنا جميعا في اتجاه الصٍوت فاذا هي فتاة في الثلاثين من عمرها ممشوقة القامة لكن الملفت للانتباه أنّ كل ما فيها اصطناعي رموش اصطناعية تثقل جفونها وشم على بطنها المكشوف شعر أشقر صبغ بلون اصفر لم تستحسنه المربية التي ألفت نفسها كل ما هو طبيعي... و كررت مردّدة هل من مقعد امامي فاذا بذلك الشاب الذي نعتته المربية بالديناصور يفسح المجال لها و كأن لا أحد يهمه غيرها وبكل عفوية سالتها المربية هل هناك مكان شاغر بجانبك فاجابت على الفور : لالا
تمتمت المربية في سكون :هذا ما جنته علينا حيوانية هذا الدينصور و رمقته بنظرة أشبه بالسهام المسمومة اذ رات فية حضور الرجل و غياب الرجولة ثم جاء السائق بعد ان توزعت الكراسي حسب ميولات لا علاقة لها بالنظام او العدل و كان نصيب المربية و ابنتها أن تجلسا في المقاعد الخلفية فمع الرموش المصطنعة تغيب التلقائية و الطبيعة و العفوية و المصيبة ان ذاك الديناصور كان يجلس امام المربية فهذا الحائط سيمنع عنها حتى الهواء المنبعث من النوافذ الأمامية لكن ماذا تقول "يا رضاية الله و رضاية الوالدين"
،ولكن قبل انطلاق السيارة نادى السائق هناك مكان شاغر... لا أحد فهم اين ذلك فقدم شاب رث الثياب غريب الهندام يحملق في السيارة أين المكان ؟ فقال السائق إنّ مكانك في الأمام بجانب تلك الشقراء ...نزل الخبر عليها نزول الصّاعقة لكن ما باليد حيلة عليها ان تفسح المجال لذلك الشاب حتى يأخذ مكانه بجانبها فوجدت المربية الفرصة سانحة لردّ اعتبارها و أرسلت قهقهة لا تناسب ما كانت عليه من وقار لكن بلغ السيل معها الزّبى!!!!
انطلقت السيارة تطوي الارض طيّا و كان الديناصور قد أغلق منافذ الهواء عليها ثم كان من حين لآخر يغلق النافذة متعللا بريح الشهيلي المقيت اللافح للوجوه ما تعلل به صحيح لكنّ المربية ما فتئت تبحث عن وسيلة لتقزيم ايّ فعل ينشأ عنه و كانت من حين لآخر تهمس في أذن ابنتها:أجسام البغال و عقول العصافير نعم ولكنه يواجه مشاكستها ببرودة دم تنسجم مع ثقل وزنه.. في الطريق فتح السائق المذياع فاذا باغنية تراثية جميلة :الأيام كيف الريح في البريمة"
فهمست المربية في أذن ابنتها :"واحسرتاه على أيام زمان فالأيام الماضية لن تعودحيث كل شيء طبيعي تعلو الوجوه القناعة و الرضا و تتوجها الابتسامة الصادقة واحسرتاه على ايام زمان ترنمت المربية بتلك الأنغام و بين مدّ الغضب و زجر الرّضا بالمكتوب وصلت السيارة الى العاصمة و كان على الجميع الان الركض و التزاحم
من أجل الحصول على "تاكسي" ومن بعيد أشار سائق تاكسي للمربية أن اركبي فهرولت مع ابنتها و هي لا تصدّ ق ان الله قد اراد أن يبين لها ان الخير مازال موجودا رغم كلّ شيء ثم اكتشفت ان الديناصور نفسه قد ركب تاكسي ولم يلتفت لتلك الشقراء التي بقيت بمفردها لعلّها تحظى بديناصور آخر يساعدها ورددت المربية هذه المرة بصوت مرتفع "يا رضاية الله و رضاية الوالدين"
بقلمي سهام الشبعان بن حميدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق