الجمعة، 6 أغسطس 2021

قَرْنانِ وَ نِصْفٌ مِنَ الشِّعر المُعَتَّقِ في ( اتّحاد الكتّاب التّونسيّين ) أُمَراءُ الكلامِ في ضيافةِ نادي الشّعر..... بقلم الأديب عبد العزيز الحاجّي

 ..... قَرْنانِ وَ نِصْفٌ مِنَ الشِّعر المُعَتَّقِ في

( اتّحاد الكتّاب التّونسيّين ) :
أُمَراءُ الكلامِ في ضيافةِ نادي الشّعر.....
خمْسةُ شُعراء يكادون ينتمون إلى جيل واحدٍ هو الجيل الذي أسّس نادي الشّعر التّابع لاتّحاد الكتّاب التّونسيّين ، منذ سبعينيّات القرن الماضي ، وَ هُم : فضيلة الشّابّي، و يوسف رزوقة، و عزيز الوسلاتي، و سوف عبيد، و المولدي فرّوج شرّفوا نادي الشّعر فُرادى منذ خريف سنة 2017. و هم شعراء يشتركون في كون كلّ واحد منهم سلخ خمسين (50) عاما من عمره في مُقارفة الشّعر، لذلك وصفنا شعرهم اعلاه بكونه مُعتّقا، فمسيرتهم فيه معا تُعطينا حسابيّا مئتيْن و خمسين عاما أخلصوا فيها لِلشّعر، منهم من كتبه موزونا ( على نظام الشّطريّن و في نمط قصيدة التّفعيلة) ، و منهم من كتبه في النّمط الاجدّ ( قصيدة النّثر بنوعيْها الفرسيّ و الامريكيّ)..
وَ إذا كانت استضافة كلّ واحد منهم قد مثّلتْ حدثا بارزا في الأسبوع الذي شرّفنا فيه بالحضور، لقيمته الفنّيٍة و الإبداعيّة عامّة ، و لاهمّيّة إصداره الشّعريّ الاجدّ الذي تلقّفته السّاحة الشّعريّة آنذاك خاصّة ، فإنّ امسية الشّاعرة ( فضيلة الشّابّي) وحدها مثّلتْ ، في نشاطنا الاسبوعيّ، حدثا ابرز بِأكثر من مقياس، أوّلا لانّها راكمت تجربة كبيرة تمخّضتْ عن عشرات الكتب الشّعريّة في الفصيح و في المحكي و في الشّعر الموجّه للاطفال، و ثانيًا لانّها قليلة الخروج إلى النّاس ، بل هي مُتعفّفة اصلا عن الظّهور في المناسبات العامّة، و في التّعامل مع االأضواء إلّا ما حدستْ فيه جدّيّة فتعاملتْ معه بإيجابيّة سعيا منها إلى الانفتاح على قرّائها و خاصّة منهم ابناء الأجيال الجديدة ، وهو ما سعدتْ له هيَ في نادي الشّعر عندما فوجئتْ بانّ مِنْ ضِمْنِ مَنْ قدّمها للجمهور و ناقشوها شعراء الجيل الأجدّ من الجنسيْن...
امّا الشّاعر ( يوسف رزوقة) فقد جاءت استضافته بيننا بمناسبة صدور كتابه الشّعريّ ( الذّئبُ وَ ما أخْفى
تليه
" رشائيّة : الغزال و الزّلزال"
وَ ذلك سنة 2017 ، هذا الكتاب المُجلّد الذي اتّسع للتّعبير عن فاجعتيْن عاشهما الشّاعر عائليّا ( وفاة ابنته و زوجته) و وطنيّا ( انهيار الاوضاع المتتالي في تونس منذ حراك 14 جانفي سنة 2011)... وَ لأنّ شخصيّة الشّاعر ( يوسف رزوقة) معروفة لدى الغالبيّة العُظمى من اصدقائه و زملائه و قُرّائه بكونها غنيّة بالمَلَكات التي لا تُعدّ فإنّ تقديمه في امسيته تلك وتحاور اعضاء النّادي معه لامسا مواضيع و قضايا عديدة تتّصل بمسيرته الشّخصيّة و بواقع الشّعر التّونسيّ، فقد قرّظ الحاضرون الجُهد الكبير الذي بذله ( رزوقة)، وَ لايزال، على مدى نصف قرن ، في نحت قصيدة اصيلة تُميّزه عن اقرانه و مجايليه و تُغني حصيلة الشّعر التّونسيّ المُعاصر... و لم يفُت اغلب المتدخّلين هنا التّذكير بتجويد ضيفنا لمكوّنات قصيدته ، و في مقدّمتها اشتغاله المبكّر على لغته التي كان منكبّا على خلخلتها في سبيل ان ان تتّسع هي النّسبيّة للتّعبير عن المُطلق من تجربة الشاعر في الحياة... كما نوّه اكثر من متدخّل بالدّور الكبير الذي بذله الشّاعر ( رزوقة) في رعاية المواهب الشّعريّة الأجدّ سواء و هو مساهم في تحرير مجلْة ( الشّعر) التّابعة لاتّحاد الكتّاب التّونسيّن في ثمانينيّات القرن الماضي ،او وهو يشرف على الملاحق الثّقافيّة في بعض الجرائد التّونسيّة ( جريدة الصّحافة مثلا)...
ثالث الشّعراء الذين استضفناهم في هذا الإطار هو الشّاعر ( عزيز الوسلاتي) الذي كان حضوره بارزا في بداية تسعينيّات القرن الماضي ، عندما نالت مجموعته الشّعريّة الثّانية الصّادرة آنذاك تحت عنوان ( عسل الدِّفْلى)، جائزة وزارة الثّقافة التّشجيعيّة.
و قد كانت استضافته في إطار الاحتفاء به و بكتابه الصّادر سنة 2015 تحت عنوان ( ريش الايّام ). و قد مثّل تشريفه لنا في النّادي اوّل ظهور له بعد غياب طويل دام عقدا و نصف، بسبب ظروفه الشّغليّة داخل و خارج تونس. لذلك كانت امسيته هذه مناسبة لتجديد العهد مع اصدقائه و مع قرّائه و مع الأجيال الجديدة التي كانت تسمع عنه اكثر من كونها تقرأ له. و إذ تَلَا نماذج مِنْ شعره في كتابه الجديد فإنّنا وقفنا على حِرفيّة شاعر عهدناه منذ ظهوره مُجيدا للتحكْم في مكوْنات قصيدته الموزونة احيانا على نظام الشّطريّن، و احيانا أخرى على نظام الأسطر الشّعريّة المتفاوتة الطّول ( قصيدة التّفعيلة). و لغة الشّاعر ( عزبز) هي ايضا لغة متينة و ثريّة معجما و دلالة ، وهو مالم يستغربه الحاضرون من الأجيال الجديدة عندما علموا أنّه استاذ في اللّغة العربيّة و آدابها متحصّل على شهادة الكفاءة في البحث، و يعمل متفقّدا في هذا الاحتصاص لعقود متتالية... لكن الأبرز الذي وقفنا عليه في كتابه الجديد هذا ( ريش الايّام) هو انّ ضيفنا مازال منهمْا بقصائد التّفاصيل التي تقوم على التْكثيف و على الإلماح و على التّوتّر بين المتباعدات ، كما يُولي الشّاعر في قصائده هذه القفلة اهتماما كبيرا، بحيث إنّ القارئ يهتدي بوضوح إلى انّ صاحب هذه القصائد شاعر ماهر يُحسن التحكّم في نصّه الشّعريّ في جميع اطوار عمله الفنّيّ ...
امّا الشّاعر ( سوف عبيد)، فقد استضافه نادي الشّعر احتفاء به و بديوانه الكبير الذي ضمّ جميع عناوينه الشّعريّة السّابقة و الذي صدر سنة 2017 عن دار الاتّحاد لِلنّشر و التّوزيع ، و قد كانت مناسبة حقيقيّة لتقييم مُنجز هذا الشّاعر الذي تزامنت بداياته مع سطوع حركة الطّليعيّة الأدبيّة في تونس ،والتي يظهر تأثّره بها من خلال اختياره المبكّر لنمط ( قصيدة النّثر).
و إذ عاد ضيفنا إلى القصيدة المزونة التي كتب فيها نماذج عدّة من شعره اللّاحق عنده لقصيدة النّثر فإنّ النّقاش دار حول خيارات الشاعر في توسّله لأنماط الكتابة الموزون منها و غير الموزون، كما توقّف كثير من المتدخّلين عند لغة الشّاعر الهامسة في قصائد النمط السّابق، و عند قدرته كشاعر على ان يقول الجوهريّ من المعنى من خلال العابر و الزّائل من التجارب...
خامس هذه الكوكبة من الشّعراء المؤسّسين في تاريخ الشّعر التْونسيّ الحديث هو الشّاعر الطّبيب ( المولدي فرّوج) و الذي استضافه نادي الشّعر لمُحاورته حول كتابه ( ذاكرة النّار) الصّادر سنة 2019 عن دار المسار لِلنّشر و التّوزيع. وهو يضمّ قصائد كتبها ضيفنا مُتفاعلًا كمبدع مع ما كان يمور في بلادنا التّونسيّة من احداث بعد انتفاضة 14 جانفي 2011.
لذلك فإنّ الحوار دار حول التزام الشّاعر مضمونا و فنّا في علاقته بلحظته التّاريخيّة ، و في علاقته بمكوّنات قصيدته ، خاصّة انّ الشّاعر يُراوح في ( ذاكرة النّار) بين الكتابة الملتزمة بالتفعيلة و بين الأخرى المتحلّلة من الوزن الخارجيّ.... كما لم يفت الحاضرين طرح تساؤلات عن علاقة الشّعر بالمهنة التي يمارسها ضيفنا في حياته اليوميْة منذ عقود ( الطْبّ)...
لن اُبالغ إذا قلتُ إنّ هذه الاماسي الخمس هيّ ممّا يفخر به نادي الشّعر في انشطته السّابقة ، و إذ اطلقتُ عليهم تسمية أمراء الكلام، فليس في ذلك مبالغة، فهم حقّا مبدعون اغنوا الشّعر التْونسيّ المعاصر كمْا و تنوعًا... وَ لا شكّ انّنا لا نُدلّ كثيرا على رئيس الاتْحاد الأستاذ الشْاعر ( صلاح الدّين الحمادي) عندما نقترح عليه إمكانيّة تنظيم أيْام دراسيّة لكلّ واحد من هؤلاء الشّعراء المؤسّسين، و لغيرهم من مجايليهم حتّى يظلّ الاتّحاد ،كما كان دائما، راعيا للتّجارب الشّعريّة النَتّونسيّة الجادّة تليدها و جديدها.
.......... عبد العزيز الحاجّي..........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق