الاثنين، 1 ديسمبر 2025

قراءة في نص فلسفي وجودي بين النور الداخلي و الضوء الضرير الشاعر و الروائي و المترجم الكردي :كامران حرسان/سوريا/المقيم بالسويد بقلم الأستاذة سعيدة بركاتي/ تونس

قراءة في نص فلسفي وجودي بين النور الداخلي و الضوء الضرير

الشاعر و الروائي و المترجم الكردي :كامران حرسان/سوريا/المقيم بالسويد 

بقلم الأستاذة سعيدة بركاتي/ تونس


عن مارتن هايدغير يقول : الوجود هو السؤال : فالأسئلة الوجودية جزء لا يتجزأ من كياننا البشري ، جميعا نواجه لحظات نطرح فيها على أنفسنا أسئلة عميقة حول الحياة و ما يوجد فيها من صراعات و تضادات .

 القراءة : 

  في عنوان لنص شعري فلسفي للروائي و المترجم و الشاعر الكردي كامران حرسان : " حينما يغرق الماء تطفو الحياة على السطح  ":  نحن بين مكانين حددهما الكاتب تدور فواصل هذا النص فتتدفق الأسئلة لرأس المتلقي :الماء يغرق و تغرق فيه الأشياء و أنى للحياة تطفو على سطحه ؟

أول ملاحظة ومن خلال عتبة النص نحن مع نص يبحث عن حل لعقده و التي تظهر عصية من خلال الغرق و الطفو و الذي جمعهما الماء .

يتضح أن هذه الأفعال ليست مادية فارتباط الماء بالحياة ليس عبثا ، يقول تعالى : " وجعلنا من الماء كل شيء حي " النبأ30 " . فكل ما يتحرك على وجه هذا الكون في حاجة أكيدة و ملحة للماء.

فتفكيك السطر يجعلنا مع حياة غرقت و تشبعت بالماء لترجع بقوة و تطفو على سطحه من جديد .

و تحلق الفراشات بعيدا عن أزهارها ، صوب نور،أحرقت نيرانه أجنحة نفسي .

تُعد الفراشة رمزا للتحول و الحرية و البعث ، و لطالما اعتبرت رسلا من عالم آخر ، بشائر هي للخير و الفرح ، و الكلمة للفراشة ،"نفسية" هي نفسها المستخدمة للروح : فهل من هذه الفراشات فيها من ذات الشاعر ما حلق بعيدا عن أزهارها ؟ يحيلني هذا السؤال إلى الرجوع إلى عتبة النص :بين غرق الماء و طفو الحياة على سطحه ليطرح سؤالا آخر :هل العمق الموجود في غريق الماء هو بحث في ذاته و تفتيش عن حياة أفضل في آخر نقطة فيه عسى تعود الحياة بقوة ؟ فأي شيء يخرج من الأعماق ليطفو إلى الفوق سيرى النور و الحياة .

فالفراشات حلقت بعيدا عن الأزهار بمعنى بعيدا عن الأمان و مصدر غذاءها و اتجهت صوب النور فيولد سؤال آخر : لماذا النور ؟ هل هو بحث عن الأفضل و الأسمى و ربما الأكبر مساحة للإحتواء رغم أنه مصدر للاحتراق أحيانا ؟ فالسطر مُسقط على ذات الكاتب أين أقر باحتراق أجنحة نفسه بهذا النور قبل أن يحرق أجنحة الفراشات . و كما ذكرت أعلاه كلمة الفراشة نفسية هي ذاتها الروح .

هل بدأ الصراع بين الأضداد التي تعيشها ذات الشاعر؟ ذات كالفراشة تميل إلى النور و بما أنه شاعر يضرب في ظلمات العماء  فهو يتوق و يشتاق للضوء و العلم و المعرفة و حين تُحرق هذه  الأجنحة سيفقد النور و التحليق أين ستخيم العتمة و تُشل الحركة . 

آه  أيتها النفس النائمة على ظهرها ،لا تستيقظي من حلم الحياة 

الآهة ؟هي اسم فعل مضارع  ، يقولها المرء سرا و علانية عند التألم و التوجع و الحسرة ، و سياقها في السطر التحسر على أحلام مضى عليها الزمن ، لو كان السطر دون التأوه لكان الحلم مستمرا .

نفس الشاعر كانت مستلقية على ظهرها ، هي في لحظة تأمل و طمأنينة و حلم يقظ بعينين مفتوحتين إلى سقف بيت أو تحت السماء و نجومها ، فالحلم شامل لحياة كاملة و ليس بعضا منها محدثا ذاته "لو استمر هذا الحلم " ، قد تكون فترة التحليق بالفكر فترة " النور و المعرفة قبل أن تدرك النار أجنحة نفسه فتحرقها حتى يستدرك بنور الذاكرة اشعاع الماضي . 

أمر يعيدنا إلى التأوه : أيتها الحياة النائمة ، استيقظي، فالخرافة قادمة تسبح أسماكها في نور إليك : فههنا نرى الشاعر يتوجه بنداءه إلى الحياة : محركا بإرادته ملكة  الإستيقاظ في صغة الأمر ، فما  من نوم مادي يجوب النص ، لكنه ترك النفس في حلم آمرا إياها النهوض منه إلى الحياة.  

الخرافة هي الإعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم و المعرفة ، فهل انقلب هذا الواقع من حقيقة إلى خرافة ؟ ثم مع الأسماك التي تسبح في نورها أعادها الشاعر الى عالمه الحقيقي : قد تكون هذه الأسماك  مجموعة الأفكار و الرؤى التي يحملها فكر الشاعر في اللاوعي فتعود  لتطفو في الوعي بين الحلم و الواقع "  و الأسماك لا يمكنها العيش إلا في الماء ، ماء العبرات و علاقتها بعتبة النص" ، وربما بين الماضي و الحاضر يعيش الشاعر صراعا ذاتيا متحسرا على ماض ولى و حاضر هرب في لوعة النور فيه . 

آه ، يا نور النائم إزاء الحياة يحلم بنور آخر يغطي الظلمات العميقة 

قد نقرأ السطر في علاقة وثيقة بالعنوان  و ذات الشاعر في نفس الوقت ،فالنداء موجه إلى داخل الشاعر "نور النائم " الذي غطى نوره المادي عتمة عميقة استحالة أن يصل إليها النور و كأنه يقول دون نور لا تُعاش الحياة و ربما مع نور آخر يُعمق أسئلة المتلقي فنور النائم هذا عرفنا ماهيته فكيف للنور أن يحلم بنور آخر ؟ النور الأول قد انطفأ فتيله " في الحياة" . "إشارة إلى فقدان البصر عند الشاعر .

لمَ أنتِ بعيدة هكذا ؟لمَ لا تظهرين محياك المرصع بأجرامك الصيفية ؟التي أضاءت دروب النوم باشارات لا تخطئها العين مذ أوقدت نيرانها فيٌَ؟! .

في النور حياة و من فقده فقد تساوى عنده الزمن ، فهل تساوت لديه الأشكال و فُقِدُ الزمن في الشاعر ؟ بالعودة إلى "النفس النائمة على ظهرها كان حلم اليقظة " ، فتتضح الصورة أن الحلم كان يسبح مع الأجرام المرصعة في السماء زمن الصيف أين كان الإلهام غزيرا و الأحلام كثيفة و نور النائم نورا في داخله . سماء الصيف صافية يحلو معها السفر و السباحة عبر قراءة النجوم و اللعب مع جدائل القمر .

حين نتأمل عالم النص نجد حضور الكاتب و النور و الحياة في علاقة وطيدة تتدخل النار لتحرق الأجنحة فتشل الحركة ثم توقد من جديد في شكل نور : "استمرارية الحياة ".

  يعود الشاعر للتأوه في آخر النص : متوجها إلى الفراشة في داخله و إلى اللهفة  التي  وصفها بالرياح و إن مرت تطفئ الأنوار .

عن اللهفة : هي ذلك  الشعور الأعشى الذي يدفعنا للقيام بأي شيء مجنون وقد ينبغي علينا الاهتمام به إرضاء لأحاسيس مبهة ، وهي كذالك عواطف تمت بصلاتها إلى  القلق مرده الانتظار في حضرة أمر لا بد من التثبت منه  : فلهفة الشاعر مجموعة رياح و هي ألطف من الريح مقترنة بفعل" مر" لم يقطع منها أمل الحياة كليا فالشاعر يحافظ على الجزء الحالم في ذاته إذ يأتي السطر الأخير بالعمق و البعد الفلسفي و الوجداني للنص ، ما انعكس  في تعبيره مطايا الرغبة معمقا بها طاقة النص و قوته الداخلية للمقاومة إزاء الغوص في أعماق الأشياء و النهوض بها إلى السطح من جديد .

عودة إلى الضفة الأولى من النص :   العنوان و ما لاح خلل كلماته الأولى الطافية على السطح بفعل الماء له علاقة وطيدة بهذه الرغبة : رغبة في النور الذي ينبع من  داخل الشاعر فقد  ترفرف أجنحة روحه و التي مثلها بأجنحة الفراشة مع التحذير الشديد للابتعاد عنه علها تحترق .

تكررت العديد من المفردات في النص :كالآهة ، و لام النهي و الاستفهام و الفراشة و الحياة و خاصة النور : أحيانا تَرِدُ مفردة أو جمعا . 

فإلى أي مدى وُفق الشاعر في هذا التناول ليجعل منه أداة فاعلة في نصه الشعري ؟

تكرار الآهة تشير إلى دلالات نفسية عميقة مثل الحزن و الأسى و الشوق و الحسرة و الضيق مما يجعلها صدى الآلام الداخلية ، تماسكت بها  بنية النص و  أضفت عليه تناغم موسيقي ، حيث وُفِقَ الشاعر في جلب انتباه المتلقي مُكررا الصوت و المفردات و أحيانا الجمل :فبعض الجمل تنتهي بمفردة لتبدأ بها الجملة الموالية ، النهي و الاستفهام يوقظا حاسة البحث و التساؤل في نفس الوقت في خبايا النص .

يتضح مما تقدم أن النص يندرج ضمن النصوص الفلسفية الوجودية التي تتعمق في تربة الذات و تنقب في دواخلها عن لُقَى ليعايش صاحبها تجربة ترتحل بين الخيال و الواقع حتى تكتمل الصورة بين نور و عتمة و حياة و نور آخر بإصرار من الشاعر الذي حلقت روحه بأجنحة الفراشات  و غاص عميقا في أمواه ذاته كي تطفو مجددا و بقوة على سطح الماء ، لقد سافر الشاعر في بحثه عبر النص خلف المعنى الحقيقي للنور سيرا بهديه على  دروب الحياة أين عاش صراعا داخليا بين الرغبة في الاستقرار و الرضا و بين السعي للتحرر من سلاسل العتمة التي قيدت نوره و حبست عنه أشكال الحياة المتوزعة في قيم مستجلبة من الضوء .النص المتبل بفلسفته عبارة عن  رحلة داخلية أضحى  الشاعر فيها حثيث البحث عن النور و ما فيه من معاني بهية  للحياة .

رموز النص و دلالاته عميقة جدا كالنور و العتمة و الفراشة و أجنحتها ، رحلة جعلت من القارئ في حيرة بين هذا النور داخل ذات الشاعر و الضوء الضرير ، فالنص رغم دائرية شكله و إيقاع جرسه الذي كان مع التكرار و النداء و الاستفهام بقي مفتوحا لتزداد الحيرة التي بثها الشاعر في المتلقي .

بقلمي سعيدة بركاتي/ تونس 


النص:

حينما يغرقُ الماءُ 


حينما يغرقُ الماءُ، تطفو الحياةُ على السطح!،

وتحلّقُ الفراشاتُ بعيداً عن أزهارها صوبَ نورٍ، أحرقت نيرانهُ أجنحةَ نفسي!.

آهٍ! أيّتها النفسُ النائمةُ على ظهرها، لا تستيقظِ من حلم الحياة!.

آهٍ! أيّتها الحياةُ النائمةُ، استيقظي؛ فالخرافةُ قادمةٌ تسبحُ أسماكُها في نورٍ إليكِ.

آهٍ! يا النورُ النائمُ إزاءَ الحياةِ يحلمُ بنورٍ آخرَ يغطّي الظلماتِ العميقةَ.

لِمَ أنتِ بعيدةٌ هكذا؟!، 

لمَ لا تظهرين محيّاكِ؛ المُرصَّعَ بأجرامكِ الصيفيّةِ التي أضاءت دروبَ النوم، بإشاراتٍ لا تخطئها العين؛ مذ أوقدت العتمةُ نيرانها فيَّ؟!.

آهٍ! يا الفراشةُ في داخلي 

لا تحرقي أجنحتكِ بها، 

لا تقتربي منها بطيشٍ ولا تحملي مطايا الرغبةِ 

بلهفةٍ أكبر؛ فاللهفةُ رياحٌ تطفئ الأنوار!.

***    تشرين الأول 2025

كامران حرسان /السويد 


المراجع: 

https://lpsonline-sas-upenn-edu.translate.goog/features/discovering-purpose-positive-approach-existential-questions?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=rq 


https://aimeeschreiber-com.translate.goog/blogs/news/butterfly-symbolism?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=tc 


https://www.arabdict.com/ar/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A2%D9%87

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D9%81%D8%A9 


https://journals.qu.edu.qa/index.php/ANSQ/article/view/4040/2705 


https://jahs.qu.edu.sa/index.php/jah/article/view/430#:~:text=%D9%88%D9%82%D8%AF%20%D8%A3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9%20%D8%B9%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D8%B6,%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%85%D8%A9%D8%8C%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D8%8C%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AD. 


https://qamus.inoor.ir/ar/1D978F/%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%D9%81%D8%A9#sameRoot



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق