الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

حقائق كاذبة بقلم الكاتبة يسرى هاني الزاير

 حقائق كاذبة 

بين نكران الذات والقيمة الوجودية تكمن العقلية التي يمكن أن تكون تحررية، ولكنها منساقة نتيجة جنوحها المتكرر نحو نظريات وفرضيات خارجية تعمل على سلخ عقلية الفرد من واقعه الأمن الخير وحمله  إلى عوالم وهمية تدغدغ أحلام الأنا عنده وترضي غروره، كونه إنساناً له رأي وفكر مستقل، يمكنه من مجاراة الأحداث ومشاركة التحليلات وتقييم الأوضاع والمتغيرات العالمية عامة.

غير مدرك أن كل تلك الحقائق الكاذبة التي يحشوها الوقت في دماغه، هي عبارة عن مادة غسيل كلما ازدادت كثافة فقاقيعها حجبت الرؤية عن حقيقة الأنا تحتها.

قد يكون التشبيه غريباً، لكن يمكن أن يكون الأقرب للفكرة المراد طرحها.

إن نكران الذات هو أول خطوات الانسياق تجاه ما يفرضه المحيط عليك، ومؤكد أنه آخر المطاف.

فما من إنسان أنكر ذاته، وانسلخ من واقعه ووجوده، استطاع العودة كما كان عليه تماماً من قبل.

فنحن إن ملكنا أنفسنا، لا نملك الزمن، الوقت ما أن يمضي أبداً لا يعود.


فما نحن في هذه الكون الفسيح سوى كائنات بشرية انقيادية، جملت الحقيقة كثيراً عن طريق العقول المتمردة على قيودها، لأجل إيجاد مساحة أكبر تحمي فيه وجودها.

فمن حيث أدركنا أم لم ندرك، نحن جميعاً على مختلف الأجناس والأعمار والأماكن، نعيش منذ أول الوعي حالة من الانفصام عن الواقع بشكل لحظي، لأننا بكل بساطة نحيا حياة ازدواجية بين غربة العقل والنفس المستترة داخل هيئاتنا وبين واقع مكتظ بغيرنا.

وأول ما ندرك تلك الحقيقة، نبدأ وبصورة فطرية الصراع لأجل البقاء.

وكلما ارتفع منسوب أهمية الأنا للفرد، كلما عمل على الاستحواذ على مساحة أكبر من الوجود (إثبات الذات) وهذا هو محور التباين بين الناس عموماً.

فا الوعي بقيمة الوجود هو قاعدة أساسية لما سيكون عليه الفرد مستقبلاً.

أما المعضلة الجوهرية التي يواجهها كل فرد واع، فهي سلطة محيطه عليه، بداية من أبويه وصولاً لمحيطه الأوسع فا لأوسع.


لذا كلما اتسع فضاء الفكر لدى الشخص، ضاقت به الدنيا، وغرق في غربة الروح.

تلك الغربة التي تمسي مع تقدم العمر ملجأه ومرفأ أمانيه.

أما من يستعصي عليه فهم غربته ومجارتها، سرعان ما تمزقه. عندها سيجد نفسه لاهثا وراء وجود زئبقي تقديره هم.

يسرى هاني الزاير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق