شناشيل /
السعيد عبد العاطي مبارك الفايد - مصر ٠
==================
((( مع المعارك الأدبية ٠٠!! )))
عزيزي القارىء الكريم ٠٠
في البداية نحلق معا حول الإنتاج الإنساني وسط المتغيرات التي خَلَّفها لنا هذا الإنسان موروثا ثقافيا داخل البنية و البيئته نتجت عنها بعض المعارك و الصراعات الفكرية و الأدبية و الدينية و الفنية و الثقافية بجانب المعارك السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و المعارك الوجودية كل هذا له أثر إيجابي و سلبي على الأحداث دوما ٠٠
و من ثم عرف أدبنا العربي قديما المساجلات و النقائض و في عصرنا العربي المغاصر شهدنا معارك أدبية بين أقطاب الثقافة في مصر المحروسة و تناقلتها المجلات و الصُحف فكانت بمثابة حراك فكري أدبي ثقافي متنوع فتح لنا مسارات في كافة الاتجاهات ٠٠
و قد كتبت عن تلك هذه المعارك الأدبية عدة سلسلة مقالات تجمع وجهات النظر و الرد على الشبهات و الآراء التي تحمل تفسيرات لتلك الظواهر التي أثمرت عن هذه المعارك التي سجلها التاريخ الأدبي نرجع إليها من باب النقد الذاتي و تصحيح بعض التجارب و مدى تحقيق الأهداف من تلك النتائج التي ربما تحولت من معارك أدبية إلى شخصية لكن أرى في مجملها مادة خصبة للتعرف على مبادىء و تحولات خطيرة هكذا ٠٠
و لذا يبقى بذور الصراع الفكري و الأدبي و الفني في أدبنا العربي منذ الاحتكاك بين أنصار البحتري و بين أنصار أبي تمام من خلال عمود الشعر و الموازنة ٠
و إلى ما طرحه القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في كتابه ( الوساطة بين المتنبي وخصومه ).
و التي تجلت على يد ( الآمدي ) في كتابه أيضا لرصد هذا و ذاك ٠٠
بين القديم و الجديد ٠٠
و المعارك الشعرية التي اتخذت في غالبها وجهة الهجاء بين جرير والفرزدق، وما قاله مالك بن الأخطل في تبيان المباعدة الفنية بين شعريهما بقوله :
" الفرزدق ينحت من صخر، وجرير يغرف من بحر " ٠
و تعد المعارك الأدبية الحقيقية نموذجاً دالاً على حيوية الثقافية من جهة، وقدرة الثقافة ذاتها على استيعاب مساحات أشد من التعدد، والاختلاف من جهة ثانية.
وربما مرت المعارك الأدبية بأطوار متعددة، أبرزتها السجالات الأدبية والفكرية الممتدة في ثقافتنا العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر وصولاً إلى اللحظة الراهنة، عبر تحولات في الكيفية، وعِظم المعارك وهوانها، بل وآلياتها المستخدمة.
و تعد معارك ( د٠ زكي مبارك و د٠ طه حسين ) من أهم المعارك الأدبية في تاريخنا الأدبي المعاصر بل تفرعت الى عملية متباينة ٠٠
فهذا الدكاترة زكي مبارك الذي لم ينل حظه من المناصب نتيجة معاركه الأدبية مع أقطاب عصره كطه حسين، وعباس العقاد، والمازني وغيرهم.
واصطدم طه حسين مع زكي مبارك (1892-1952) اصطداما قويا شديدا عنيفا.
كانت المواجهة بين الرجلين فكرية ثم تحولت إلى خلاف شخصي حاد دام ما يقرب من 9 سنوات، وعُرِفَتْ في الأدب العربي بمعركة لقمة عيش.
ثم تتوالى المعارك الأدبية محمود شاكر و لويس عوض و الرافعي و المازني و سلامة موسى وغيرهم كثيرون ٠٠
و هذا الموضوع يحتاج لمقالات كل مقالة تجمع بين اثنين من عمالقة الفكر و أساطين الأدب ٠٠
و على أية حال نعود في اختصار إلى الخلاف الفكري بين طه حسين وزكي مبارك يرجع إلى أمرين :
= الأمر الأول :
كان طه حسين يرى أن العقل اليوناني هو مصدر التحضر وأن عقلية مصر هي عقلية يونانية ولا بد لمصر أن تعود إلى احتضان ثقافة وفلسفة اليونان ٠٠
في حين كان زكي مبارك ضد هذه النزعة اليونانية واتهم طه حسين بنقل واتباع آراء المستشرقين والأجانب.
= أما الأمر الثاني :
فيتعلق بأطروحة النثر الفني؛ فحسب زكي مبارك، فإن أصل النثر الفني عند العرب يمتد إلى ما قبل الإسلام، على عكس طه حسين الذي ذهب مذهب المستشرقين ودافع عن الرأي القائل إن النثر الفني فن اكتسبه العرب بعد الإسلام ولم يُعرَفْ إلا في أواخر العصر الأموي حين اتصل العرب بالفرس.
و قد جاء في كتاب "المعارك النقد بين المجددين" لـ"أنور الجندي"أن هذه أضخم معركة أدبية دارت من جانب واحد بين زكي مبارك وطه حسين، واستمرت منذ 1931 إلى 1940 على مراحل متعددة منها الخصومة الفكرية ثم خصومة "لقمة العيش" حين أقصى طه حسين زكي مبارك من الجامعة، وأثار ذلك سلامة موسى وإبراهيم المازني ثم أصبحت خصومة حقيقية وصداقة تشوبها خصومة ممتدة كلما أنتج طه حسين شيئا أو كتب عن شيء" ٠
و شاهدنا طه حسين وهجومه اللاذع على ديوان وراء الغمام لشاعر الأطلال الطبيب ابراهيم ناجي ثم هدأت هذه الثورة الأدبية و قدم شعر ناجي من الوجهة الرومانسية و اتجاه الأنفاس المحترقة و تحسنت العلاقات ٠٠
و مما لا شك فيه و لا جدال نرى أن( المعارك الأدبية ) يتم توصيفها و توظيفها لاثراء الحركة الثقافية المتنوعة كما تعد جزءاً من النسيج العام للثقافة العامة ٠٠
والتي يرها الكثير من أهل الأدب و النقد لا تعرف الثبات، أو الجمود، أو التصورات الأحادية صوب العالم، والواقع والأشياء، ولذا ليس بغريب في هذا السياق أن تصبح قضايا من قبيل الصراع بين القديم والجديد، الأصالة والمعاصرة، التراث والحداثة ٠٠
تعمل عناوين جمالية لها مردود جمالي في الواقع و الخيال ٠٠
فالمعارك الفكرية هنا علامة على انحيازات لرؤى و متغيرات شكلا و مضمونا و كيفا و كما ٠٠
وليست المعارك الأدبية حكراً على أمة دون غيرها، أو صنواً لثقافة عدا الأخرى ٠
مع أشهر المعارك الأدبية و الفكرية نتوقف معها من خلال خطوط عريضة و لا سيما في العصر الحديث بدأت المعارك الأدبية منذ أواخر القرن التاسع عشر تقريباً، بدأت مع محاولة التقريب اللغوي بين الفصحى و العامية في الحوار داخل الأدب و فنونه و مدارسه و مذاهبه ٠٠
و بدأت هذه المعركة في ميدان ( المسرح ) معرمسرحيات مارون النقاش تدير حواراتها الدرامية بالعامية، وبما أفضى إلى ممانعة ورفض من قبل البعض، وإذا كان المسرح بحكم طبيعة تلقيه وإعداده وتنفيذه في إطار إشكالية الفصحى والعامية قد اتسع صداها في السرد أكثر، وتحديداً عبر الاتهام الصارخ المبكر نسبياً الذي رمى به الأديب عيسى عبيد القاص محمد تيمور، حين استعمل اللغة المحكية في نصوصه القصصية، ووصف عبيد الكتابة بالعامية بالفكرة " المتطرفة الخطرة " ٠ و هذا وفق ما أورده الأديب يوسف الشاروني في مؤلفه «لغة الحوار بين العامية والفصحى في حركات التأليف والنقد في أدبنا الحديث».
ولم تكن معارك الفصحى والعامية كتلة واحدة، بل حوت تنويعات متعددة داخلها، انتقلت فيها من حيز التجريم لاستخدام العامية في الأدب، والاتهامات التي أخذت صيغاً دينية وقومية، من قبيل العداء للغة القرآن الكريم، ومحو العربية، وظلت هذه الاتهامات متداولة بين أوساط النخب، ومثلت سردية جاهزة يمكن أن تراها في الهجمة الشرسة التي طالت سلامة موسى وعبد العزيز فهمي؛ ومن بعدهما لويس عوض.
ومن أبرزها ( معركة الفصحى والعامية ) :
و تبنى البعض هذه المعركة تحديداً، الشيخ المحقق محمود شاكر الذى يرى التساهل في اللغة للنزول بها في محيط العامية و إغراقها في تصورات عصفت بها ٠٠
و من خلال اقتناعه تعد
وجهة نظره حرباً على العقيدة ذاتها، وقد قدم الشيخ دفاعاً رصيناً في معظمه عن اللغة العربية، لكن فاته أنماط التطور الدلالي التي تمر بها أي لغة من اللغات، فاللغة كائن حي، تنمو بالممارسة اللغوية، ومن ثم فهي قرينة التحولات السياسية والثقافية، وليست إطاراً جامداً على الإطلاق.
وقد تعددت معارك الشيخ شاكر في هذا السياق، ولعل من أبرز معاركه ما كتبه معقباً على دعوة عبد العزيز باشا فهمي بشأن كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، وهي دعوة خرقاء لا محل لها من الممارسة الاجتماعية قبل التعبير اللغوي ذاته. وقد دعا سلامة موسى إلى ما سماه «التسوية» في سياق تصوره للتقريب بين الفصحى والعامية، وهذا ما أغضب الشيخ شاكر، وجعل من موسى محلاً دائماً للهجوم.
( و للحديث بقية إن شاء الله )
و على الله قصد السبيل ٠