الخميس، 8 أغسطس 2024

«[2]»ثقافة الندم والتوبة عند أهل الفن«[2]» بقلم د/علوي القاضي.

 «[2]»ثقافة الندم والتوبة عند أهل الفن«[2]»

رؤيتي : د/علوي القاضي.

... تكلمنا فى الجزء الأول عن المعاصي والذنوب المستدامة ، وضرورة الندم عليها والتوبة منها والإنابة إلى الله وعدم الإصرار أو حتى التفكير في الرجوع للمعصية مهما كانت الضغوط والإغراءات ، وكشفنا دور الإعلام الفاسد في نشر الرذيلة ، وهنا نستكمل :

... وأنت أخى الفنان لك وقفة ضرورية قبل الندم ، وعقد النية على التوبة ، حتى لاتعود للمعاصي 

... لماذا يرى بعض البسطاء من الناس أن الفنان الماجن ، الذي يُمارس المنكرات ويجاهر بالمعصية ، في نظره فناناً قديراً وشخصية ذات مكانة مرموقة في المجتمع بل ويعتبره قدوة ؟! ، وتلك الفنانة التي قامت بكل أدوار الفتنة والإغراء ونشرت الرذيلة والفساد ، فنانة محترمة تستحق التقدير والمكافئة والذكر الحسن ؟! ، في رأيي المتواضع ، أن ( أحد ) أهم الأسباب هو ثقافة الوسط الذي يعيش فيه هذا الإنسان البسيط ، ومجتمعه الصغير الذي يرى الدنيا من خلاله ويُقيّم مافيها ، فالذي نشأ في وسط تُعرض فيه الأعمال الفنية بكل مافيها من معاصٍ وانحرافات بشكل طبيعي دون انتقاد مجتمعي ، واعتاد عليها واعتبرها كأنها من المباحات ، وألِف رؤية الفساد والفاسدين ، وهم يمثلون دور الطيبين والمظلومين ، والبسطاء الكادحين ، والأبطال المكافحين ، والصحابة والصالحين ، بل وحتى اللصوص والمجرمين  واعتبرهم في ذلك من المعذورين ! ، فيتعاطف معهم ، والسبب ( الٱخر ) مشاهدة برامج تلميع الإعلام لهم ، ومايلقونه دائماً من ثناء وتكريم بجوائز لايستحقونها ، لدرجة أنهم يفتخرون بتلك الأعمال الهابطة ، بدل أن يستنكر المنكر ويخالف أهله ، وتُقيّم الأمور وفق معايير الأخلاق وتعاليم الدين 

... من الملاحظ أن ‏‏هناك فنانون ‎عرب ندموا وتابوا واعتزلوا الفن بل وتبرأوا من أعمالهم السابقة ، قرأنا في ‎الصحف عن توبة بعض الممثلين في الدراما العربية ، كالأفلام والمسرحيات والغناء والرّقص ، وتركهم هذه الأعمال كليا والعودة إلى الله تعالى واعتزالها تماما ، ‏وهذا تطوّر جيد ومُشجّع

... الممثل المغربي ( هاشم البسطاوي ) إعتزل الفن وعلق ( أنا بريء أمام الله من كل الأعمال التي اشتغلتُ فيها وأسأل الله أن يغفر لنا جميعا ) ، وقام بحذف جميع صوره على حسابه في الإنستجرام ، وبعض الممثلين المصريين والأتراك عندما تابوا وتركوا التمثيل ، إعتنقوا منهج ( المتصوفة )  القبوري ، داوموا على زيارة قبور الأولياء وتمسحوا بها ويطلبون الغوث والشفاء والرزق والمغفرة من أصحاب القبور ، هؤلاء التائبون لم تكتمل توبتهم ، لأنهم تابوا من المعصية ، ليقعوا فى الشرك الأصغر لذا أنصحهم ، أن يتوبوا مرة أخرى ، لأن منهج الصوفية بهذا الأسلوب ، فيه شبهة شرك أصغر بالله فلايجوز أن تطلب من ميت العون 

... بعض الفنانين والفنانات الذين ندموا وتابوا صرحوا : ( ﺃﻓﺮاج اﻟﺤﺼﺮﻱ ) قالت ﻓﻲ ﺳﺮاﻳﻴﻔﻮ ﺭﺣﺒﻮا ﺑﻲ ﺑﺼﻔﺘﻲ إﺑﻨﺔ الشيخ اﻟﺤﺼﺮﻱ ﻭﻟﻴﺲ ﻷﻧﻨﻲ ﻳﺎﺳﻤﻴﻦ اﻟﺨﻴﺎﻡ المغنية ، ( ﺷﻴﻤﺎء ) قالت ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻜﻞ ﻓﺘﺎﺓ ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺏ اﻟﻔﻦ ، ﺃﻧﺖ ﺩاﺧﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﻔﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻔﺮ ﺟﻬﻨﻢ ﻟﻦ ﺗﺨﺮﺟﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ، ﻛﻨﺖ ﺃﺳﺄﻝ ﻣﺎﺫا ﺳﺄﺳﺘﻔﻴﺪ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ اﻟﺸﻬﺮﺓ ﻭاﻟﻨﺠﻮﻣﻴﺔ ؟! ﻭاﻟﺜﻤﻦ ﺿﻴﺎﻉ ﺩﻳﻨﻲ ﻭﺗﺸﻮﻳﻪ ﺳﻤﻌﺘﻲ ، ﻭﺃﺧﻴﺮا ﻗﺮﺭﺕ ﻓﻠﻴﺬﻫﺐ اﻟﻔﻦ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﺤﻴﻢ ، ( ﺳﻬﻴﺮ اﻟﺒﺎﺑﻠﻲ ) قالت ﺇﻥ اﻟﻔﻨﺎﻥ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﻌﺐ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻭﻳﺪﻋﻮ اﻟﻠﻪ ﺑﺄﻥ ﻳﻮﻓﻘﻪ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ، ﻫﻮ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺮاﻣﻲ اﻟﺬﻱ ﻳﺪﻋﻮ اﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻟﻠﺴﺮﻗﺔ ، ( ﺣﺴﻦ ﻳﻮﺳﻒ ) قال ﺣﻴﻨﻤﺎ إﺑﺘﻌﺪﺕ ﻋﻦ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﻔﻨﻲ ، ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺃﺩﺭﺱ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻡ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ اﻟﻬﺎﺑﻄﺔ ﻣﻦ اﻷﻓﻼﻡ ، ﺃﻳﻘﻨﺖ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﺑﺄﻥ ﻭﺭاءﻫﺎ ﻣﺨﻄﻄﺎ ﻣﺮﺳﻮﻣﺎ ﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ﻋﻘﻮﻝ اﻟﺸﺒﺎﺏ ، ﻭﺇﺑﻌﺎﺩﻫﻢ ﻋﻦ اﻟﺪﻳﻦ ، ﻭﺩﻓﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ الإﻧﺤﺮاﻑ ) ، وغيرهم ممن هداهم الله وندموا وتابوا وأنابوا ورجعوا إلى معيته 

... الفنان ( إيمان البحر درويش بعد الإرث الفنى له ولجدة ( سيد درويش ) ، ندم وتاب وأناب ورجع ، بل وبدأ يدعوا غيره ، وأعلن ذلك مرارا في لقاءاته الإعلامية ، ولم يتركه أعداؤه بل حاربوه حتى مات

... الشاعر الكبير بيرم التونسي كتب مونولوجا ( ياهل المغنى دماغنا وجعنا ) ، وفيه يسخر من الفنانين في عصره ،  وازاي أغانيهم كانت بلاقيمة فنية  بالرغم إنها إلى حد ما كانت محتشمة ، وبيقول لهم إرحمونا صدعتونا ، يااهل المغنى دماغنا وجعنا دقيقه سكوت لله 

... قبل وفاة الممثل العالمى ( عمر الشريف ) كان له حوار في قناة فضائية ، قال كلاما بالغ الأهمية ، فقد سخر من كل ماقدمه فى حياته من أعمال فنية وقال نصا ( مش عارف إيه العبط اللى كنت بعمله ده ؟! ، أحفظ كلمتين من السيناريو وأقولهم أمام الكاميرا وأحصل على ملايين الدولارات ! ، ليه يعنى هو أنا عملت أيه للبشرية وألا نفعت الناس بإيه ! ) ، والمذيعة تعارضه وتقول له ( يكفى إن حضرتك أكثر ممثل عربى مشهور ! ) ، فضحك ساخرا ، وقال ( وأيه يعني ؟! ، أنا دلوقت فيه ناس تعرفنى فى اليابان وفى البرازيل وفى جنوب أفريقيا ، ولكن بقعد فى البيت لوحدى فى ضيق وملل ، كنت أتمنى أقعد أتعشى على ترابيزة صغيرة وحواليا زوجتى وأولادى وأحفادي وأحس بناس معايا أحبهم ويحبونى ، وهما جزء من حياتى ) ، واستمر الحوار على هذا النسق ، بتصريحاته حطم عمر الشريف كل التابلوهات المحفوظة عن التمثيل من إبداع ومجد وشهرة

... سبحان الله ، كيف ترون أن هؤلاء الفنانون يندمون ويتوبون ويتركون ويتبرأون من هذه الأعمال الجاهلية  ، وبعد هذا أنتم تشاهدون وتتابعون أخبارهم وأفلامهم وأغانيهم ومسلسلاتهم ، وهم تركوها وتبرأوا منها 

... هؤلاء النادمون كان لكل تائب منهم قصة توبة ، مايسمى نقطة التحول مثل درجة الغليان ، عندها يتحول الماء إلى بخار ، والماجن الزنديق إلى تقي وورع ، بشكل جديد ونمط جديد وقوانين جديدة وروح وفكر جديد ، فمثلا الفنانة ( شمس البارودي ) ، أعلنت إعتزالها بعد عودتها من تأدية العمرة ، رغم شهرتها الفنية بأدوار الإغراء ، ولكنها قررت التوبة إلى الله واعتزال السينما والتضحية بالشهرة والمال ، بل وعملت في الدعوة إلى الله تعالى ، وانهالت عليها الإغراءات من دعاة الفسق والفجور ومن مشايخ السلطان للعودة عن قرارها ولم يفلحوا  

... أهل الفن ، كان من الممكن أن يحققوا الشهرة والمال وبدون إسفاف ومعصية وتجرؤ على منهج الله ، ولكنهم إختاروا طريق الضلال للأسف ، فهناك فن هادف ومحترم وبلا إسفاف وماله حلال 

... قرأت عن الفلاحة (دميانة نصار ) ، هذه السيدة الفقيرة  تعول أسرة وتعيش تحت خط الفقر ، حققت مالم تحققه أي ممثلة مصرية أوعربية طوال تاريخها الفني والسينمائي ! وهي ( أمية ) بلا دراسة ولاإعلام ولابروباجندا ، حينما قرر ( المخرج ) تنفيذ فكرته أن يستبدل الممثلين المشاهير أصحاب الملايين ، وينزل القرى والنجوع ليختار من ينطبق عليه صفات الممثل أوالممثلة التى يريدها للدور ، وبعد الإختيار طلب منهم أن يتكلموا كما هم وعلى سجيتهم وبدون تمثيل ، مع بعض التشجيع والتدريب على مواجهة الكاميرا ، ونجحت الفكرة وتم إنتاج ( فيلم ريش ) ، هذا الفيلم الذى حقق المفاجأة المدوية ، بدون عري ولاإسفاف فكل المشاركين بسطاء فقراء من قاع المجتمع المصري ، فاز الفيلم بجائزة النقاد فى مهرجان ( كان ) السينمائي ، وهى جائزة لم يفز بها أى فيلم مصرى أو عربى من قبل ! ، الفيلم كله لايوجد به فنان أو فنانه من المعروفين أو المشاهير ، كلهم كومبارس من الدرجة الثالثة المغمورين لكنهم شخصيات حقيقية ، تؤدى نفس دورها فى الحياة مثل ( دميانة نصار أم ماريو ) ، التى تصدرت صورها صحف ومجلات السينما العالمية وهى أمية ، لامعهد سينما ولاأكاديمية فنون ولا برامج تلميع في الإعلام ، يعنى الحكاية كلها طلعت كما قال ( عمر الشريف ) فى حواره ، لدرجة أن الفنانين والفنانات أرباب الجونة والأدوار والإعلام ، إنسحبوا من مشاهدة عرض هذا الفيلم الذى فضحهم جميعا وحصل على جائزة لايحلمون بها ، ( أم ماريو ) بدورها في الفيلم عرتهم وفضحتهم  وكشفت للناس الأونطة الكاذبة فى إعلامهم ، ولايحتاج الأمر للتنازل عن المبادئ والمنهج السليم والكرامة وإحترام الإنسان لنفسه 

... وإلى لقاء في الجزء الثالث ، إن قدر لنا ذلك ، وقدرت لنا الحياة

... تحياتي ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق