الجمعة، 15 أبريل 2022

دور المثقفين العرب بقلم الأديب عزالدين الشابي

 دور المثقفين العرب

عزالدين الشابي
انا على يقين من جسامة دورنا كمثقفين عرب واعلم ان مسؤولياتنا كبيرة على كل المستويات ومنها
اختيار التمشي الاستراتيجي للتعريف الجاد والصحيح بمكتسباتنا ومنها ماثورنا العلمي والثقافي المنتشر في كل اقطار البلاد العربية والذي يستوجب منا صحوة ومراجعات جدية لدراسته دراسة جادة ومعمقة والتعريف به في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا وحتىغدفي الاوساط الغربية
واني لأعجب الى اليوم كيف لا يعلم طلابنا العرب وكل الغرب على سبيل الذكر لا الحسر ان الخليل بن احمد كان رياضيا بالاساس أي أستاذ رياضيات قبل ان يكون شاعرا وانه أول من اكتشف مفهوم المجموعات ألذي تعتمد عليه كل قواعد ما يسمى اليوم بالرياضيات العصرية وقد تمثل انجازه في التفطن الى تقسم المنطوق البشري ومنها اللغة العربية الى مجموعتين مجموعة الحروف المتحركة ومجموعة الخروف السأكنة مفرقا بين الصوت الذي يكون مجرد ضجيج فاذا صاحبناه بالحركة يصبح صوتا
ولكي يرمز على ذلك أختار علامة 0 للحرف الساكن وعلامة 1 لكل حرف متحرك واعتبر الأشباع خرفا ساكنا فكان بلإضافة إلى انه أول من سن قانون المجموعات في الرياضيات فقد اضاف الى هذا الاكتشاف أختراعا آخر ليصبح بلا منازع أول من شرع في ارساء دعائم المنظومة الثنائية والتي ستصبح فيما بعد أساس كل الاكتشافات الرقمية بدء من التلفاز ووصولا الى الهواتف الجوالة والتطبيقات المختلفة وتخزين كميات كبيرة من المعلومات في أصغر الأحجار والتحكم في الاشياء عن بعد وما حصل من تقدم مذهل وما سيحصل عن هذا التطور المذهل من اختراعات واكتشافات مازالت لم تكشف عن اسرارها بعد كل ذلك بفضل ذلك الرجل الذي بقي لحد اليوم مجهولا ومغيبا تماما عما تسبب فيه بل بقي مجرد ذلك الذي حدود الشعر العربي بعض اوزانه وتكرم عليه فقط فضلا بتسمية الشعر العربي الموزون والمقفى لأنه شعر خليلي و أكتفي بالتعريف به لدى كل الاجيال المتعاقبة بتلك التسمية واعتبرت أقصى ما كرم به الرجل في كامل الاصقاع العربية وغيب اكتشافه الأول المتمثل المتمثل في استنباطه لمفهوم المجموعات كما تم تغييبه تماما عن اكتشافه الثاني والمذهل والمتمثل في انه كان أول من حدد شكل المنظومة الثنائية صفر وواحد وخرح الرجل من التاريخ بلا حمص من جراء تقصير العرب كل العرب بما فيهم كل علمائهم السابقون واللاحقون بلا استثناء لحد هذه الساعة ولعلي أول من تعرض لهذه المواضيع وان من يقرؤني الآن سيكون بطبعه أول من علم بذلك
وفي ذلك اكبر تهنيش واستهتار بالعلم وبالموروث العلمي العربي على الإطلاق وأنا اسوق ذلك بخجل كبير وحرج اكبر خوفا من ان يصبح حتى شكركم لي مخجلا لكل الاطراف مع الأسف ومع ذلك يبقى الخليل بن احمد. رغم انفنا جميعا أول من حدد للعرب وللعالم هذبن الانجازين العظيمين في غفلة منا جميعا طيلة كل هذه السنوات منذ حياته الى اليوم فكان اول من جسم هذا الاكتشاف الرائع وفاجأ الدنيا بالترميز لذلك بواسطة وضع علامة 1 للصوت المتحرك وعلامة 0 للصوت الساكن بالجزم أو المد
وبذلك كان أول من ارسى معالم المنظومة الثنائية العصرية والتي تعتمد على الواحد والصفر مع العلم ان مفهوم الصفر وعلامته اكتشاف عربي صرف
كل هذه الحقائق غيبها الفكر العربي بل حرفها الى درجة جعلت من اجيالنا المتعاقبة بما فيهم علماؤنا يكتفون باعتبار الخليل بن احمد مجرد واضع لاوزان الشعر واكتفوا بالتكرم عليه بتسمية الشعر الموزون والمقفى بالشعر الخليلي مكتفين بهذا الحد وهو تقصير منهم بل واجحاف في حق القيمة العلمية الحقيقية لذاك الرجل العظيم الذي ضاع سيطه عوض ان يذيع صيته من جراء عقلية عدم التقدير وقلة التعمق و انكار الابداع والتغاضي عن تثمين الاكتشافات والاختراعات وهو قصور ذهني ما بعده قصور نسيت ان أقول لكم ان الخليل بن احمد كان يعلم أن اهله كلهم قصروا في شأنه لذلك توفي مقهورا منكسر الخاطر يوم ان اسطدم بأحدى سواري المسجد الذي كان يدرس فيه
وحتى هذه المعلومة غفل عن التنيه إليها كل الرواة ولم يسمع بها من قبلكم أحد على الاقل من حيث ربطها بما كان يحس به علامتنا اجليل
عزالدين الشابي
تونس
Peut être une image de 1 personne, position assise et intérieur

المدار ضيق _بقلم __ توفيق حجلاوي

 ______ --المدار ضيق--_____

تجتاحني موجة برد
والرياح عاتية
اردت الهروب
المدار ضيق ...
اينما اردُو يحضنني الوحل
حتى اليابسة تعسفت ...
المعطف رث ،ممزق
حتى شجرة التين لفظت أوراقها
الربيع مات ... لقد أُجهض ...
الشمس اختفت وراء تلك الصخرة الجاثمة
ارادت الانزياح
رأفةً بحالي
لعلها تجدد الطاقة للمعدمين مثلي
و تغمرني بدفئها الموسمي
مكبلة هي..
بتصاريف الطبيعة مشدودة
الغيوم دائمة المداد
و الأخرى تحدّت الزمان لم ينقص منها شيء
باقي الفصول امتزجت انصهرت في بعضها ببعضها
كيف لي أن اقاوم
لم أعد اقدر ....
الرب على مقربة مني
لم يحرك ساكنا
اكتفى بالنظر و المراقبة ...
لا اظنه شامت ...
هو من بعثني
هو من انزلني ...
هو من ارادني خليفته
اورثني الأرض و من عليها
أسئلة عديد ...
هل انا في فرض تأليفي يحتاج الى وقت اطول
و ان كان كذلك
لمَ الساعة أبت الحراك
ان كانت مناظرة أين نظيري...؟
و ان وجد... العتاد مختلف....
الفصول عديدة ....
ولكن أين هي ...؟؟؟
لماذا كل الناس ازهرت ..؟؟؟
وانا ربيعي تأخر ...
و عجلة القطار في تسارع ...
المال إلى الغيض ينحدر
العمر في تقلص
الجسم كل يوم يزداد نحولا
الرموش على وشك الالتحام
القلب يترنح في دقاته
الدماء في تخثر
الحراك في تثاقل
و في الحلق شهيق و زفير
و السبابة في حراك متزامن...
وانا.... اردد ربي انعمت فزد
و اما بنعمة ربك فحدث
--__بقلمي __ توفيق حجلاوي
2022 / 04 /14
Peut être une image de 1 personne, position assise et intérieur

صدرُ المعاني شعر/ فؤاد زاديكى

 صدرُ المعاني

شعر/ فؤاد زاديكى
صدرُ المَعَاني لِحَرْفِي حينَ يَنْطَلِقُ ... والصّدرُ يشهدُ كيف السّحرُ والألَقُ
حَرْفُ ابتهاجٍ عطاءٌ منهُ مُنْهَمِرٌ ... فَيضًا غَنِيًّا وفي تعبيرِهِ طُرُقُ
زانتْ حُضُورًا رُؤىً أغْنَتْ روافِدَهُ ... تَسْتَلْهِمُ الطّلْقَ مِمّا عنهُ يَنْبَثِقُ
مَا مِنْ جمالٍ بهذا الكونِ أغْفَلَهُ ... حَرْفِي بِيَومٍ وآفاقٌ لهُ أُفُقُ
صَدرُ المعاني بِمعناهُ صَدَارَتُهُ ... والفِكرُ يقدَحُ نورًا حينَ يَنْطَلِقُ
أسْعى حَريصًا على وعيٍ لِأنْشُرَهُ ... نَهْجًا لِيَسمو بِهِ الإنسانُ والخُلُقُ
حَرْفٌ تَجَلَّى في مقاصِدِهِ ... يَسْتَهْدِفُ الجهلَ حُكمًا ما بِهِ قَلَقُ
الشِّعرُ يرفَعُ بالمعلومِ مَنْزِلَةً ... إنْ كانَ فِعْلًا بِهَمِّ النّاسِ يَلْتَصِقُ
هذا أكيدٌ إذا أحْبَبْتَ تُدْرِكُهُ ... إنّي أُحاوِلُ هذا لَسْتُ أَنْغَلِقُ
فِكرُ انفِتاحٍ وقلبٌ كُلُّهُ أمَلٌ ... كُلِّي يَقينٌ بِما في مَنْطِقٍ أَثِقُ.

قراءة فنية في قصيدة الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود-زخّات قلم- بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 قراءة فنية في قصيدة الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود-زخّات قلم-

تصدير:
لا يمكن للأدب أن ينمو ويزدهر..إلا في ظل مجتمع منفتح على الآخر..ويبحث عن الرقي والتقدم في الفكر والسلوك..(الناقد)
زخات قـــلـــم...
ليتك تفهم قصدي
إذا ما صمتّ
وطال صمتي
وسافر نبضي
لعمق المنافي
ليتك تفهم أنًني
ماء عذب زلال
وصافي
وأنت بركان لهيب
حين أصافحك
تلتهب أطرافي...
***
وأنا مسافرة
ومعي قلبك وأمنية
وصدى حلم يحتضر
ولحن حزين
لأغنية....
***
ولما لاحت علينا
تباريح هواه
غضضنا الطرف
فظن أنّنا نسيناه
كيف ننساه
كيف ننساه
وبعضنا وكلنا
يذوب شوقا للقياه
***
حين حملت بك روحي
قلبي انتبذ بك
مكانا قصيَــا
وعاقرنا كأس الهوى
والكون من حولنا
بات نسيا منسيَــا
وتعاهدنا على الوفاء
وكان أمر العشق مقضيَــا
***
جاءتني بين فجر وسحر
تمشي على استحياء
وراءها تجرّ
هالة النجوم
وسحر القمر
مرت أمامي تختال
ومنّي سرقت القلب
وأيام العمر
وباتت روحي لها وطنا
وباتت لي المستودع والمستقر
عربية
أبية
لا شرقية ولا غربية
أتراها معجونة
من نار الجن وطين البشر
***
يا جميل الطيف
لِــمَ تهوى الظلام
تقف على جفوني
فلا أهجع ولا أنام
دعني أطبق عينيّ
لأرتاح بسلام
لا تحُل دوني ونومي
فعلك هذا حرام..
***
وكنت أحسب أن وصلك
هيِّن
وفي عرفك
الهجر بيِّـــنْ
والوصال بيِّـــنْ
وتبيّن أن دينك النوى
وقلبك صعب المراس
وما هو
بالطيِّع الليِّــــن...
***
كم قلت أنك تحبني
وتهواني
وأغرقتني في عذب
الكلام
وسذاجة مني أرخيت لقلبي
حبل الغرام
وأمّنتك على نبضاتي
رتجرّعتُك بلسما
لأسقامي
أتراك سمّا زعافا
زحف على روحي
ودكّ عظامي
حب مزيّف سدّ منافذ النجاة
من خلفي ومن أمامي..
***
يا من نويت على قتلي
لا تقتلني
وتبوء بإثمـــي
دعني أقتلك
وأقتل نفســي
لأبوءَ بإثمك وإثمـــي
وتكون أنـــت شهيد الهوى
ويُخلّد اسمك
وينسى اسمـــي..
***
ارحل ايها الحب
ما عدت في العشق
صبيَــا
كبرت وشاب القلب منّـي
وكنت عليَّ جبّارا قسيَّــا
ما نابني منك إلٌا
السهاد والدمع
والنوم العصيّــا
وكنت قبلك يا حبّ
القوي الكريم الأبيَّــا..
***
ذات حلم
رقّ قلبـــي وانتشى
نهض تمطّى
وإلى الحبيب مشى
ولما غشي الروح ما غشى
أسرع العقل وصاح
كان حلما وانتهى...
***
أعطنيحرفك ودعني
اكتب السَّفر
الجديد
عن نسيم ذات فجر
ولد الصبح
الجديد
ترقص فيه القوافي
ابتهاجا
بالقصيد
فائزه بنمسعود
(28/3/2022)
إذا اعتبرنا الخيال عند افلاطون هو الجنون العلوي وان الشعراء متبعون وان الارواح التي تتبعهم قد تكون خيرة او شريرة،لكن أرسطو هو الذي اعترف لصاحب الحرف في قوة الخيال وبالمكانة اللائقة به واثنى على قدرته في المجاز واعتبر الخيال قوة وطاقة ضرورية في القول الشعري،فحين نتعمق في النص الذي امامنا(زخات قلم ) نحن اما ثنائية المجاز والعشق الذي دلت عليه أبيات القصيد التي نسجَت بمهارة عالية،فالشعر النثري لا يعتمد على التوصيل فحسب بل يسعى الى الجمالية،اذ ترتفع بالذات الشاعرية عند معالي مصاروه بلغة رشيقة، وصور رامزة،وايحاءات كامنة في دلالات لا تخلو من فيض الاحاسيس والرؤى والخيالات القلقة التي تشير ولا تفصح ( ليتك تفهم قصدي/إذا ما صمتّ/وطال صمتي/وسافر نبضي/لعمق المنافي/ليتك تفهم أنًني/ماء عذب زلال/وصافي وأنت بركان لهيب/حين أصافحك/تلتهب أطرافي..)والمدرك منها يكفي لفهم أبعاد الرؤيا وتحسس ما هجست به وعنه في معادلة بالغة العمق جوهرية الدلالة ..
محبة/عاشقة..متمردة،وثائرة توشوش الغيم وتغني للسماء..تكتب الشعر بأنفاس حارة واسئلة عميقة عن ماهية القلب،الجسد والروح ..
إمرأة-من الزمن الجميل-مصلوبة على حافة الشوق تشتعل كشعاع الشمس في خمرة البحر، تبوح في الحب رغم الغلاف التابوي المسلط على عناق الحب بسيف الخطيئة والقبيلة..
نعم نص حار بلغته وبأسئلته الكبرى والحزينة وحرف حفيف ومشتعل كاشعة الشمس ..
لغة متقنة وبلاغة صاخبة تزف الهوى على اجنحة الغمام تكتب بضوء القمر ما تعثر من وجد في طوق اليمام وتغزل من سنابل وطنها ومن هذا السكون قصائد عشق صامتة،رغم بوحها في اوردة الروح،فيسيل الحبر الاحمر على قراطيس العشق المباح في الخطى السماوية ويحكي للعابثين بالحب،وللراقصين على الجمر بأن العشق كذب ان لم أمن بمن سواك..
هي لا تريد ان تدفن هذا الحب في طين الجاهلية في التوابيت فهي لا تخجل من ضوء الشمس وتغزل القمر لحنا وتطرز المغيب وردا ..
على غرار رواد القصيدة الحديثة كأدونيس و امل دنقل و صلاح عبد الصبور و محمود درويش وغيرهم،اقتحمت الشاعرة التونسية-فائزه بنمسعود-عالمَ الغياب و التشظي كمفهوم اكثر اتساعا وعمقا في شعرها وربطته بحياتها الواقعية،كدلالات تعبيرية ومكونا اساسيا وبعدا محوريا للأنثى من نسيج العالم الواقعي الحديث او المعاصر،وأضحى وجودها الانساني كالإشباع الروحي،يمتاز بكونه حاجة ملحة،حاضرة،مبعثرة،متشظية وممزقة الاوصال ومشحونة بالتناقضات والمفارقات..و كذا احكام المجتمع الذكوري،والقبلي..
فالشاعرة رسمت بالكلمات والعبارات صورا مخالفة لأسطر تعودنا قراءتها مما تؤدي الى التأمل البصري التشكيلي الذي يستدعي وقوفا أمام النص/ القصيدة مدة اطول،لتعيد القراءة مرات و مرات،لتجعلَ من القارئ شاعرا،يعيد رسم صور إن لم نقل تناصا خياليا،وإلهاما لإعادة صياغة قصيدة او بيت على طريقته..
انطباعي الأولي أن الشاعرة -فائزة بنمسعود-مفعَمَة بالاحاسيس المرهفة والصادقة والمعبرة، وأحاسيس الحب الصادق،وللحب مصاديق كثيرة،قد نفصح عنها ونحن نقف في بعض محطات الحياة وقد نكتم(ولما لاحت علينا/تباريح هواه/غضضنا الطرف/فظن أنّنا نسيناه/كيف ننساه
كيف ننساه /وبعضنا وكلنا/يذوب شوقا للقياه..)،الإنسان الرجل والانسان المرأة يسيران في هذه المحطات متقاربين أو متباعدين،فهما جناحا الحياة،وهما محور الحب في جميع درجاته،قد يسيران متحالفين متعاونين متحابين،وقد يكونان متعاندين أو متخاصمين،وقد يكون التعامل بينهما وفق معيار المالك والمملوك،والسيد والعبد،فقد تدفَن امرأة حيّة مع زوجها المتوفى كما في بعض البلاد الأفريقية،وقد يتكلمان ويتفهمان أو يلزمان الصمت،وأحيانا يعطي الصمت إشارات أبلغ من الكلام،وقد يكون الصمت قاتلا.
وإذن؟
نحن إذا أمام انعطافة فنية جديدة وحادة ليس في تجربة الشاعرة التونسية-فائزه بنمسعود-الخاصة فحسب،وإنما في تجربتنا الشعرية في تونس بشكل عام،وذلك على مستوى الشكل والمضمون معاً.فنحن قبل كل شيء أمام قصيدة نسجَت أبياتها ببراعة واقتدار،وكتبت في نفس شعري وزمني واحد توزعت أبياتها على مساحة شاسعة لا يزيد كل منها في الغالب على بضع كلمات مما يسمى بالشعر المنثور الذي لا يخضع لقانون الوزن أو الموسيقى الخارجية.
وهذه القصيدة-التجربة بأقانيمها المتعددة هي للشاعرة-فائزه بنمسعود-التي أبدعت-كما أشرت-في نحتها بمهارة تحسَب لها.
وأول ما يلفت نظر القارئ،ولا نقول القارئ المتذوق أو الناقد،لهذه القصيدة هو طبيعة الانفعال الذي يوجه الشاعرة ويقف منطلقاً لهذه التجربة وينبوعاً تصدر عنه في كل منحنياتها وأبعادها وبنائها.وهي طبيعة تتسم بالأنوثة والعفة،في مجتمع ذكوري يتعالى عن الأنثى ويخاتلها جاعلا منها في معظم الأحيان وعاءا للذة ليس إلا(كم قلت أنك تحبني/وتهواني/وأغرقتني في عذب الكلام/وسذاجة مني أرخيت لقلبي/حبل الغرام/وأمّنتك على نبضاتي/رتجرّعتُك بلسما/لاسقامي
أتراك سمّا زعافا/زحف على روحي/ودكّ عظامي /حب مزيّف سدّ منافذ النجاة
من خلفي ومن أمامي..) وهي طبيعة قد يتمازج فيها الماء بالنار والجموح بالجنوح والممكن بالمستحيل والواقع بالحلم.
إلا أن هذا المزيج المتضرع الشاهق بمختلف حالاته المتجادلة يصدر من نبع انفعالي واحد
هو: الحب،وإن تعددت اتجاهاته وطرق التنفيس عنه وجداول تدفقه : حب المرأة،حب الإنسان،حب الكلمة،حب الحبيب،حب العفة والشرف...تمرد المرأة على الموروثات البالية في النظرة الدونية إلى المرأة.. إنه الحب فحسب،هذا الينبوع الدافق بكل جنون،مفجراً معه الشعر والكلمات..
وبالعودة الى قصيدة الشاعرة :فائزه بنمسعود- نجد قوّة الشخصية المتماسكة والواعية والمحبّة والحالمة،تبدأ الشاعرة قصيدتها السرديّة التعبيريّة هذه وهي تحلّق بعيدا في سماوات الجمال واللغة العظيمة،في سردٍ يبتعد كثيرا عن مفهوم السرد الحكائي المتعارف عليه،سرد تتجلّى فيه طاقات اللغة،المشحونة بالإيحاء والرمز والابهار،وتجلّي واضح لعوالم الشعور والاحساس،فها هي تقول يا جميل الطيف/لِــمَ تهوى الظلام/تقف على جفوني/فلا أهجع ولا أنام/دعني أطبق عينيّ/لأرتاح بسلام/لا تحُل دوني ونومي/فعلك هذا حرام...!
نلاحظ هنا كيف قامت الشاعرة بتعظيم طاقات اللغة،وتكثيفها وانزياحاتها العظيمة المبهرة، وتعود تحلّق بعيدًا في سماوات الابداع وهي تصوغ قناديلَ مضيئة من كلماتها ..
- فائزه بنمسعود-شاعرة متمكنة من لغتها،متمردة حتى على ذاتها.وبعكس الكثيرين ممن يكتبون قصيدة النثر،نجدها تكتب بلغة متماسكة واستعارات جميلة،وتستخرج الموروثات الثقافية وأحيانا الدينية ( حين حملت بك روحي/قلبي انتبذ بك مكانا قصيَــا) (مرت أمامي تختال/ومنّي سرقت/القلب/وأيام العمر/وباتت روحي لها وطنا/وباتت لي المستودع والمستقر
عربية أبية/لا شرقية ولا غربية/أتراها معجونة/من نار الجن وطين البشر..)
وكذا المغاربية وتوظفها بشكل موفق يخدم النص،ويسهل وصوله إلى المتلقي بطريقة فنية وهذا يؤدي الغرض الأول من الكتابة الأدبية .
وأود أن أشير إلى أن الكثير ممن يكتبون قصيدة النثر،لا يعرفون للأسف الشديد ألف باء القصيدة،فتأتي نصوصهم ركيكة ومفككة،وتدعو القارئ المتمكن من لغة الخطاب الشعري إلى التساؤل والحيرة : لماذا يكتبون؟ولمن يكتبون؟وهذه مسألة تستدعي مقاربة خاصة..!
وهناك من شعراء قصيدة النثر مَنْ حافظوا على شعرية النص وإيقاعاته الداخلية والخارجية، واستخدموا أدوات الشعر بشكل موفق.كما ساعد تحررهم من أوزان الخليل بن أحمد على التوسع في رسم الصورة الشعرية.
وشاعرتنا-فائزه بنمسعود- تعتبر من هذا الصنف،حيث لاحظت الكثير من الأبيات في قصائدها موزونة تماما..
وتبقى القصيدة هي المرآة التي من خلالها نتمكن من رؤية العوالم الداخلية للذات الشاعرة، وتبقى القصيدة التي تكتبها الأنثى قصيدة مشفّرة,تحمل رموزًا قد لا تستطيع الشاعرة أن تبوح بمكنونات ذاتها علنّا،لذا تلجأُ الى تشفيرها(ذات حلم/رقّ قلبـــي وانتشى/نهض تمطّى/وإلى الحبيب مشى/ولما غشي الروح ما غشى/أسرع العقل وصاح/كان حلما وانتهى..) وصياغتها بما يتناسب مع رؤياها وأفكارها وتطلّعاتها،فتحاول أن تجتاز الحواجز التي وضعتها البيئة والمجتمع في طريقها،وقد تلجأ الذات الشاعرة الى استخدام القناع وتوظيفه بما يتلاءم مع ما تريد التصريح به،كي تتمكن من التعبير عما تريد قولهُ،وإيصال صوتها الى المتلقي،صوتًا عذبًا واضحًا غير مشروخ،لتجعل المتلقي يتشوّق،وتمحنه فسحة ليحلل ويؤّل ما تحمله القصيدة من دلالات ورؤى وافكار..
إن الانوثة عند الشاعرة التونسيةالفذة- فائزه بنمسعود-تتحقق استتباعاً على أرض الرمز اكثر مما تفعله على ارض الواقع،وهي تبعاً لذلك تستكنه اسرارها عبر تحولها الى ميثولوجيا وطقوس وتجليات،وبالتالي تمردا-كما أسلفت-على طقوس بائسة تنتصر-لفحولة الرجل-على حساب رقة الأنثى..
إنّ تركيز الكلام الشعري في القلب و تجلّياته الظاهرة و المخفية يؤسّس لبناء نص الحرية التي تعلقت بها الشاعرة و داومت التعبير عنها في صياغات تتعدّد لكنها تتآلف و تتنادى في تجاوب مستديم.
و الشاعرة-فائزه بنمسعود-حين تنتصر-لأنوثتها وتغتسل بها،إنّما ترسم صورا موحية لمشروعها الشّعري الذي تُشيّده على مهل،وهي تسند هذا المعمار بركيزة فكرية حداثية تعدّ نقيضا لرؤية تمتهن الجسد والأنوثة وتعمل على حجبهما توقّيا من الفتنة والإغواء والوقوع في الدّنس..فحين تخاطب فائزه بنمسعود ابنة آدم الكامنة فيها وفي كل أنثى من البشر بهذه النّبرة المعاتبة والمحبطة : (ارحل ايها الحب/ما عدت في العشق صبيَــا/كبرت وشاب القلب منّـي/وكنت عليَّ جبّارا قسيَّــا/ما نابني منك إلٌا /السهاد والدمع/والنوم العصيّــا/وكنت قبلك /القوي الكريم الأبيَّــا..)
و تستعيدُ أمشاجا من القصّة الدّينية على سبيل التّضمين أو التناص تحوّل مجرى الكلام وتشحنّه برؤاها..
على سبيل الخاتمة :
لقد جاءت قصيدة الشاعرة التونسية القديرة-فائزه بنمسعود- بأنظمة نصّية متعددة ومتناسقة ومتناغمة فيما بينها,وكذلك بزخم شعوري عنيف وبعمق تجريدي وتعبيري وحّد مكونات القصيدة .
تناوبت في هذه القصيدة السردية التعبيرية لغة التجريد واللغة التعبيرية والسرد المشحون بالزخم الشعوري,وبلغة قاموسية بألفاظ تعكس ما في روح الشاعرة وما في روح القصيدة، فخلقت لنا بذلك صوراً حيّة برّاقة وببوح عميق.
و قبل أن أنهي هذه القراءة،لا بد أن أشير الى أن الشعر هو عمل لغوي بالأساس و من لا يكون له حس مرهف باللغة و عشق لها لا يمكن أن يتعاطى فعل الكتابة.
و الشاعرة-فائزه بنمسعود-تسعى دوما الى الإنفتاح على أفاق تعبيرية جديدة تفصح من خلالها عن تجربتها كشاعرة متميزة،تقول غائر مشاعرها بأناقة لغوية لافتة .
لها مني باقة من التحايا المفعَمَة بعطر الإبداع..وأدعو لها إلى مزيد من الإشعاع والتألق..
وأخيرا أهدي لشاعرتنا أبياتا جميلة للشاعر أبو الطيب المتنبي،أرى أنها قريبة المعنى والمقصد من قصيدتها:
أبلغ عزيزا في ثنايا القلب منزله أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
وإن طرفي موصول برؤيته وإن تباعد عن سكناي سكناه
ياليته يعلم أني لست أذكره وكيف أذكره إذ لستُ أنساه
يامن توهم أني لست أذكره والله يعلم أني لست أنساه
إن غاب عني فالروح مسكنه من يسكن الروح كيف القلب ينساهُ؟
ولنا عودة إلى تجلياتها الشعرية الخلاقة عبر مقاربات نقدية مستفيضة..
محمد المحسن

هب انّ ... بقلم الشاعرة روضة بوسليمي

 * هب انّ ...

هب ، انّك تضع " حالتي "
في الحسبان
فرضا ، انّ نفخة ربّي
تشفع لصاحبها عندك
لنقل ، انّك تذكر
رغيف خبز تقاسمناه
وتذكر بالخير
لحظة جمعتنا في الجنان
هب انّي معجونة بالجنون
قل ، انّني نكد وانّ لي منه فنونا
هب انّك صدقت حين قلت في عيني
انّهما مملكتان انت ساكنهما
وانّهما ذاتا مجد يغويك
فما جدوى القول ؟!
إن لم يكن مرهما للجرح يبرئه ..؟!
وما حيلة عيوني الباكيات
في زمن لا عين فيه للبكاء أستعير؟!
أبكيتني ...حتّى أبكيتني ...
يا قلبا حسبته أرحب من وطن
" روضة ' البكاء صرت أنا
وقد عُبث ببراعم أزهاري وهي تحلم
ولأنّ الرّيح تسرق منّي بذور أحلامي
اتّخذتها خصيما....
وآتخذت الرّجاء معولي البتّار
ورحت أقرأ قصّة آبن آدم
بكلّ ما أوتيت من صمت
في زمن توارت فيه الشّمس طويلا
خلف سحب الظّنّ وقلقي
وتصديقا للهدهد
ولأنّ " القلوب إذا صفت رأت "
جعلت نوافذي مشرّعة للدّفء
حماية لجسد يخشى برودة العدم
اقول قولي هذا
وانا أبتسم في عزّ وعكتي
••••••••••••*•••••••••••••••روضة بوسليمي
Peut être une image de 1 personne et foulard

رمضانيات الحلقة 12 بقلم الكاتبة والصحفية السورية رنا قلفه

 رمضانيات

الحلقة 12
من تظن بأنه قوي ويروي لك حكايات عن بطولاته ربما هو ليس كذلك
النسر الذي هو ملك الطيور فإنه لا يموت بل ينتحر
والنملة الصغيرة يمكن أن تحمل مالا تستطيع أكبر حشرة أن تحمله
وكم من شخص كان واثقا من أنه هو شخص أحسن أهله تربيته وهو مؤمن لا يرتكب الذنوب وفي لحظة كان فيها ضعيفا وقع في ذنب كبير فيقف أمام المرأة فيتعجب لمن هذه الصورة المعكوسة وكأنه يرى نفسه لأول مرة
الذئب يقال عنه بأنه مفترس ولكن هذا المفترس لا يقوم بفعل الخيانة ليتنا نعلم أولادنا بعض صفاته علموهم بأن لا يأكلوا بقايا من تركوا طعامهم علموهم بأن يد الله مع الجماعة علموهم الإخلاص فالخيانة لا تغتفر و هي من الديون التي ستصل إلى يد الخائن في ظرف كتب عليه هذا عدل ربي
علموا أولادكم الوطن هو ليس أرض وحجارة أنتم الوطن بأجسادكم وأرواحكم وأفعالكم
أنتم الوطن يحيا كما تريدون أن يحيا ويموت عندما تموتون
الكاتبة والصحفية السورية
رنا قلفه
Peut être une image de texte