أومأت إليه وهي تشير بكلتا يديها لطفلها الوليد كي تحمله... بنظرة فرح ممزوجة بدمعة وداع....ضمته بين ذراعيها....تنفست عبق عطره الطفولي ..أصغت لصوت صراخه الذي سيظل يتردد على مسامعها ...
راحت تتأمل ملامحه للمرة الأخيرة ...وكأنها ارادت أن تعيد النظر في كل تفاصيله كي ترسمه لوحة خالدة لا يمكن للذاكرة أن تطويها خلف كواليس النسيان تلك الذاكرة التي جردتها من كل شيء وهيأتها منذ زمن بعيد لتنفرد بصورته بعد كل هذا العمر الذي أمضته فوق مقاعد الانتظار...قضته وهي ترقب اللحظة التي ستريحها من تلك الدمية التي استوطنت سريرها وحضنها الدافىء ردحا من الزمن وقاسمتها وسادة نومها لسنين طوال ...
لا أدري كيف يمكن لها أن تستدعي الموت في لحظة ليهب لها الحياة....لا أدري كيف يمكن للروح أن تنصاع له بملء إرادتها وتنحني أمامه الجباه.... هل كان في نكهته ما يستوجب المغامرة ليدفع بها كي تتشبث بجسد يصارع كي يفنى وبروح تتفلت من بين أيديها ترغب بالصعود....
كانت تدرك تماما أن هذه الروح التي حملتها بين حنايا رحمها جنينا ستشاطرها حتما ما تبقى لها من أنفاس الحياة... لكنها اكتفت بأن تكون هذه اللحظة التي وهبتها روحها لتكون (أما) بعد سنين عجاف هي نفس اللحظة التي ستكون امتدادا لحياة أخرى ستظل تصغي فيها لصرخات طفلها الوليد والتي ما فارقت صداها مسامعها ولا حتى النظر لصورة وجهه التي تسمرت أمامها كشمعة ستنير جنبات قبرها بشموع الفرح ....
بقلمي / خالد جويد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق