ويَغْلِبُني حُزْن ..
أرى نائبات الدّهر مدّتْ ليَ يدَا
وَيَغْلِبُني حزْن عليَّ تمرّدَا
نهاري يوَلّي لا تضيء شموسهُ
وليلي طويلٌ مظلمٌ قَدْ تسرمَدَا
أقَلّبُ فكْري في الوجودِ وفي الورى
وأَرْقُبُ في خدّ الزّمانِ تورّدَا
على شاطىء الأحزان ترسو مراكبي
وثار خضمّ الدّهرِ أرغى وأزْبَدَا
على الدّربِ أمشي والضّبابُ يحوطني
ودَمْعي بأطرافِ الجُفُونِ تهَدْهَدَا
تشيخُ بنا الأيّام والعمر ينقضي
أراقبُ من طيف الأحبّة موعدا
وتذبلُ في روض الحياةِ زُهُوره
وأفنانُ عمرٍ فوقها الطّيرُ غرّدا
وأوراقُ عمري قَدْ تساقطَ جلّها
وأزهاره تذوِي يزايلُها النّدى
إلى الله أشْكو شقوَتي ومَتاعبي
وَسُقْمٌ بَرَاني من قريبٍ قد اعتدى
ويلفَحُني قَهْرٌ يفتّتُ خافقي ..
وقدْ بَاحَ صوتُ الدّهر بالويلِ والرّدى
بلادي وقومي تعتريهم نوائب
هو الغدرُ في أرضِ العروبةِ أرْعَدَا
تفرّقُ في الدّينِ المذاهبُ بينَنَا
فصرنَا شتَاتًا شملُنَا قد تبدّدَا
وقل للنّفوسِ المترعاتِ مطامِعًا
يطاوعكم دهرٌ .. متى شاء عربدا
وَكيفَ تخونون العهودَ وقومكم
قد استوثقوا فيكمْ ومدّوا لكم يدَا
وما العزُّ في فوْزٍ بمالٍ ومنصبٍ
وأن تسلكَ الدّربَ القصيرَ المعبّدا
وأنْ تسحقَ المستضعفينَ تدوسَهُمْ
وتَسْقي الورى كَاسَاتِ مرٍّ لِتَسْعَدَا
ويغلبُني حزْنٌ على شامخٍ .. كبا
وعوّدتموهُ الذلّ .. حَتّى تعوّدا
عتادي لرفع الهمّ حَرْف أصوغُه
ولي في هوى الأوطَانِ حرفٌ تَفَرّدَا
تقيمُ القوافي في خَيَالي وخاطرِي
أصوغُ حروفًا كالجُمَانِ منضّدَا
ولا يعرفُ اليَأسُ الطّريقَ لخَافقي
وإنْ خانني دهرٌ .. عليَّ تمرّدَا
إذا طارَ بي سحر الخيالِ وعطرهِ
أرى الدّهر حتما سوفَ يبدي تودّدا
وأحسنُ ظَنّي بالإله ولطفهِ
وأرجو به عندَ الشّدائدِ مُسْعِدَا
رفا الأشعل
البحر الطّويل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق