الاثنين، 14 نوفمبر 2022

الشعر..يتحدى -الزمن الكوروني العجيب- بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 الشعر..يتحدى -الزمن الكوروني العجيب-

"الشعر لم يدَّعِ خلاص البشرية ولم يدّع الدخول إلى ممالك الأرض والسماء"
"الشعر متواضعٌ مفتوحُ الأبواب لمن يريد أن يتأسّى به.إنه لا يستوقف أحدا ولكنه يرحّب بكل من يريد الاستراحة في ظلاله إنْ كان شجرةً أو خيمةً أو ظلَّ جدار أو غير ذلك".
(الشاعر العراقي المقيم بلندن عبد الكريم كاصد)*
من المعروف أن الشعر مرآة عاكسة لكل شيء في الحياة،من العوالم السرية في باطن الإنسان إلى الكوارث الكبرى،ومنها انتشار وباء كورونا على مستوى عالمي غير مسبوق،وهو ما انعكس بشكل عفوي في المدونة الشعرية التي باتت تحملها إلى القارئ منصات التواصل الاجتماعي قبل أي محمل آخر،وهذا ما ذهب إليه الشاعر والطبيب المصري أحمد زكي أبو شادي،مؤسس مدرسة أبولو للشعر الرومانسي،في كتابه “الشاعر النموذجي” إذ عرّف الشاعرية بقوله “هي القدرة على الإحساس بالحياة والنفاذ إلى أعماقها عن طريق المنطق والعقل،وصياغة هذا الإحساس”.
وإذن؟
الشعر إذا،هو الفن الجميل الذي يثير الجمال في النفس،ويحث على مواجهة المصائب،ويبعث الأمل في الانتصار عليها،كما أنه يخفف الهموم،ويشرح الصدور،وينقي الوجدان من شوائب العاطفة،ويغري بالخير ويدفع إليه.وهو لا يحتاج من المتلقي إلى جهد كبير في فهمه وحفظه، كما أن الشاعر لا ينتظر انتهاء الحدث أو مرور مدة على حدوثه حتى يكتب عنه،بل إنه قد يتأثر بما يجري أمامه فيفيض قلبه في الحال شعرًا،بخلاف الروائي فيحتاج إلى مدة طويلة قد تطول شهورًا وربما سنين على انقضاء الحدث حتى يتناوله بالكتابة.
لم يكن الحجر الصحي عائقا أمام الأفكار الجميلة والمبادرات التي ترسّخ تواصل الفعل الثقافي والإبداعي رغم كل ما ألمّ بالبشرية من صنوف التضييق على الحركة واقتصار الفعل البشري على أمور مخصوصة تهمّ أبسط ضرورياته.
وفي تونس كما في دول أخرى كان للأفكار المبتكرة فرصة للبروز والظهور وتقديم البديل عن واقع بدا متجهّما غير واضح المعالم،فانطلقت المبادرات من هنا وهناك،لنعيش طقوسا أخرى للفعل الثقافي.
في الأردن كذلك،حرّك فيروس كورونا اللعين عواطف الشعراء،فنشروا قصائد لهم في الصحف والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي معبرين عن تضامنهم مع الناس في مواجهة هذا الوباء،ومقاومة انتشاره.
من الشعراء الذين استطعنا الوصول إلى قصائدهم،ودراستها الشاعر إسلام علقم**،ففي قصيدة ظهرت على الفيس بوك بعنوان» سيرحل كورنا ..
يؤكد بقوة ومباشرة أن فيروس كورونا سيرحل،بقدرة إلهية:"لا شك كورونا سيمضي راحلًا والله رحمان رحيم.ويرى في هجوم هذا الفيروس فرصة للإنسان أن يغير من نمط الحياة،وأن يصحو ضميره،فيحسن من سلوكه؛ويعود إلى طبيعته الإنسانية؛ فهو يحتاج أن يمضي عمره القصير في هدوء وهناء،وأن تخلو حياته ممن يفسدها: نحتاج أكثر للحياة بلا غبار المسرعين التائهين،نحتاج أكثر من سقوط المجرمين…نحتاج للعمق المسالم والقديم لكي نشمّ جذورنا..نحتاج أن ننسى ثواني أو عصورا..
نحتاج أن يصحو الضمير،فلربما نجد الحياة كما يناسب عمرنا عمرا ومهما طال في أحلامنا يبقى قصيرا.."
هكذا رأينا تأثر الشاعر في الأردن بما بعثه فيروس كورونا من آلام في نفوس الناس،وأجساد بعضهم،وبما جره من تضييق على حرية الإنسان،وإجباره على البقاء في البيت،فسال قلبه شعرًا يعانق الإنسان،ويعبر عن آلامه وأحزانه،ويدعم صموده في معركة الحياة،ويدعوه إلى مواجهة هذا الفيروس الذي وصفته منظمة الصحة العالمية بعدو الإنسانية.
سيبقى فيروس كورونا يلهب مخيلة الشعراء والفنانين لا في الأردن فحسب بل في مختلف أقطار العالم أيضًا،وننتظر في المستقبل ظهور روايات وأغان ومسرحيات ولوحات تشكيلية تتغنى بانتصار الإنسان على هذا الوباء اللعين.
ويحضرنا في هذا المقام ما جرى في مقر المفوضية الأوروبية حين أنهى ايريك مامير المتحدث باسم الجهاز التنفيذي الأوروبي مؤتمره في خضم الاحتفال بيوم الشعر العالمي،بمقطع باللغة الإنكليزية من قصيدة للشاعرة الأمريكية ايميلي ديكنسن يتحدث عن المقاومة وذلك لرفع معنويات الذين أصيبوا بجائحة كورونا أو عانوا من آلامها.
وكان مامير نفسه قد أنهى مؤتمرًا سابقًا بمقطع من قصيدة” الربيع” للشاعر الفرنسي فيكتور هيغو،يتحدث عما يوحيه الربيع من الحب والفرح والأمل؛ليخفف أيضًا من الأوجاع النفسية التي استبدت بالناس في ظل إجراءات العزل التي نفذت في معظم الدول الأوروبية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.
وهنا أضيف:كشف تفشي فيروس كورونا الجديد عن نقاط ضعف في الاستجابة العالمية لتفشي الفيروسات،في ظل تزايد الإصابات المؤكدة بالفيروس،إلى جانب حالات الوفاة.
وعلى مرّ التاريخ البشري،أثّرت الأوبئة على الحضارات منذ أول تفش معروف عام 430 قبل الميلاد خلال الحرب البيلوبونيسية (بين حلفاء أثينا وحلفاء إسبرطة).وكان للعديد من هذه الأوبئة تداعيات كبيرة على المجتمع البشري،بداية من قتل نسب كبيرة من سكان العالم، وصولا إلى جعل البشر يفكرون في أسئلة أكبر عن الحياة والوجود.
ولكن..
لعل هذه التحولات التي شهدتها الحياة الإنسانية بفعل فيروس كورونا المستجد،أعادت إلى الشعر أهميته،وأظهرت دوره في المحافظة على الروح الإنسانية من الانكسار في معركة الصمود أمام الكوارث التي أحدثها هذا الفيروس اللعين.
في هذا السياق،أجمع باحثون مغاربة في ندوة «الشعر ومستقبل الثقافة بعد فيروس كورونا» على أهمية الموضوع وراهنيته،واعتبروا أن للشعر قدرة على إبداع المستقبل،وأن فترة الحجر التي تعيشها الإنسانية في بقاع كثيرة من العالم،فرصة سانحة تدعونا إلى التأمل أكثر،وإلى إمعان النظر في مصيرنا الإنساني المشترك.
وذهب المشاركون في ندوة نظمتها دار الشعر في تطوان،وبثت على منصات التواصل الاجتماعي،إلى أن الشعر يسعفنا في النظر إلى المسقبل،ما دام «الفن يستطيع أن يتطلع إلى ما لا يوجد،أو ما لم يوجد بعد»،كما قال الباحث واللساني المغربي مصطفى الحداد،في مستهل تلك الندوة.
الشاعر الإماراتي المعروف محمد عبدالله البريكي*** مدير بيت الشعر بالشارقة ومدير تحرير المجلة عبّر عن علاقة الشعر بالحياة في ظل جائحة كورونا من خلال مقال جاء فيه: «الشعر ينهض قبلًا كل يوم ليتلو نشيد المحبة»،ويضيف: «غدًا أحلي غدًا أجمل مهما أجتاحت الأرض الأوبئة،لأن الشعر مثل السحابة تمشي وهي تبحث عن الجموع الكثيرة لتظلهم وتؤمنهم من الخوف،فما الذي يمكن أن يطلقه الشعر من خيوط وأشعة وكلمات ونسائم وحقول لكي يفرح البسطاء في زمن الجوائح والزهور المرهقة؟».
ختاما أقول:
قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ الشعراء يمتلكون طاقة المخيلة التي هي أهم من الواقع كما يقول انشتاين،فالأبطال الجماليون لهذه المرحلة هم الأدباء والفنانون والشعراء بما يمتلكونه من طاقة جمالية تستطيع تحريرنا من بؤس الوباء أشبه بعملية تطهيرية من كل ما يسبب البؤس، ولعلها فرصة ثمينة في العزلة المؤقتة أن تتحول إلى عزلة جمالية واشتغال مشروع على كل ما يحفّز ويغذي المخيلة الإنسانية ويوصلها لذروتها الإبداعية كون الفن والجمال مشروع خلاصي حقيقي..
محمد المحسن
*الشاعر عبد الكريم كاصد (1946) شاعر وكاتب ومترجم وناقد أدبي عراقي.ولد في البصرة ونشأ بها.أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها. حصل على ليسانس في الفلسفة من جامعة دمشق سنة 1967،وعلى الماجستير في الترجمة من جامعة وستمنستر بلندن سنة 1993.عمل مدرساً لعلم النفس واللغة العربية في العراق والجزائر، وفي سنة 1978 غادر العراق إلى الكويت ثمّ إلى عدن حيث عمل محرّراً في مجلةالثقافة الجديدة اليمنية،وفي نهاية 1980 رحل إلى سوريا ثمّ إلى لندن أواخر 1990 حيث يقيم بها. له دواوين شعرية عديدة وترجمات أدبية ونصوص. يكتب بالعربية والإنجليزية ويتقن الفرنسية.
**الشاعر إسلام علقم،أردني الجنسية والمولد،فلسطيني مقدسي الأصل.• قال الشعر منذ نعومة أظفاره وألقى القصائد من منصات مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في عمّان سنة 1986 وكانت قصيدته الأولى وهو لم يتجاوز الثلاثة عشر عاما.• التحق بالجامعة وحصل على الدرجة الجامعية وكان الأول في علم الحاسوب وأنظمة المعلومات ثم حصل بعدها على الاعتمادية الأمريكية في إدارة المشاريع.• نشر قصائده في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والمجلات الورقية والإلكترونية وشارك في الكثير من الأمسيات الشعرية وقدّم الكثير منها في مدينتي عمّان والزرقاء،في رابطة الكتّاب الأردنيين و البيت الأدبي للثقافة والفنون وبيت الثقافة والفنون ومسرح عمّون وغيرها.• تناول بعض النقاد الأردنيين و العرب أشعاره ونشرت وترجمت بعضها إلى عدة لغات كما قام بعض الفنانين بتلحين قصائده وغنائها لما فيها من السلاسة والعذوبة والايحاء الجميل.
***الشاعر محمد عبدالله البريكي هو مدير بيت الشعر في الشارقة وأشرف على العديد من الملاحق الشعرية و له مسيرة هامة مع الاعلام و الصحافة الثقافية فضلا عن دواوينه الشعرية و كتبه التي منها ديوان “زايد” إهداء للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله و "همس الخلود" “شعر شعبي”. و " سكون العاصفة “شعر شعبي”. و " ساحة رقص” شعر شعبي”.و " كتاب “على الطاولة” قراءات في الساحة الشعرية الشعبية.و ديوان “بيت آيل للسقوط” شعر فصيح. و " بدأت مع البحر" فصيح و كتاب الشارقة غواية الحب الأبدي و كتاب بيوت الشعر مشاهد وإضاءات.و له حضور مميز و مشاركات في العديد من الفعاليات الشعرية العربية والثقافية كذلك..
Peut être une image de 1 personne

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق