حدث مرّة أن نزلت إلى البحر وأنا ألبس نظّارة
نظارة سقطت مني لما سبحت وأصبح كل الماء فوقي..
كنت أراها تنزل ،ببطء تنزل،
ورأيت بطن البحر
رأيت صدره،
ورأيت رأسه وقلبه وعنقه،
كما أنه يحدث لأول مرّة أن أنظر
بكل ما فيّ من ثقل
كنت أنزل،
أنزل،
ويزداد الصّحو
يصفو يصفو ذاك النظر
وكانت طبقات الماء
تستعرض الأعوام في عيني
طبقات، طبقات لعمر
كأنه معجم أو كراس أمام ناقد يعرّف
كنت أنزل
وكانت النظارة تنزل قبلي
وكانت طحالب وحشائش كثيرة
وكانت سلاتّ سوداء تنتفخ تعلو، تصول، تجول،
تنخفض،
وكانت عيون السّمك رمادية
وكان الأسى يسكن أذيالها
وكانت رقصتها كما لوكانت قسرّية
لم أكن أدري أنها كانت سترقص لي على
مضض ،ولم أكن أدري أن البحر هو أيضا
يقيم حفلات استقبال وهمية
كانت النظارة تنزل
ذكرتني عندما عكست ما كانت تعكس
بحفلة استقبال على شرف بعثة لبلاد عربية
بتلك العجوز المنهكة التي كانت ترقص بالليل
على نقر الدّف ، كانت تنوس مثل قنديل قديم
مغبرّ غشاه الزيت والعرق
يستعجل انتهاء الحفل
يستعجل الانطفاء ليلوذ بالظّلام
يعدد فيه ذكريات النهار
ولتعدّ فيه العجوز نقودا كلفتها ماء خصرها
واجتاحني الأسى لما تذكّرتها وكنت أنزل
خلف نظّارة مارقة
نظّارة لا تستعجل النزول
شيئا فشيئا كانت تقترب من رمل يشبه الطين
ثم رأيتها ترتطم بوجهه وتنكفئ على وجهها
هل كان ينبغي لها أن تسقط لكي أتعرّف على
قلب البحر ووجهه وكتفيه ورأسه
هل كنت أدري أنني سأرى أكثر ،بوضوح أكبر
ونظّارتي تفلت من وجهي
تسقط أمام عيني
يجرفها ماء البحر
نحو القاع حتى، تريني ما أرى !
من كان يدري أن العين بدون البلور
تنفتح أكثر ،وهي في حضرة الملح
تستحم بملح ماء البحر
وهي الأكثر احتراقا
الأكثر صفاء
الأكثر حمرة وألما
والأكثر دمعا
تغتسل
تغتسل المرّة تلو الأخرى
تمرّ بكل مراحل الماء
بكل طبقات الملح
لكي ترى ماترى..
سمك حزين، أذياله منكسرة
وحاويات كثيرة ،سوداء منتفخة
تقيم حفلات رقص في عمق البحر
قريبا جدا من طينه الذي كان رملا مذهّبا
منى الماجري ..نوفمبر ..2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق