حبل الوصال 8
في اليوم الموالي يستيقظ أحمد باكرا ويغادر ضفّة النّهر إلى المدينة وقد وضع على عاتفه أن يبذل ما في وسعه للحصول على ما يرضي زينب ويرضيه من أخبار فيما يخصّ عائلتها من جهة وفيما يخصّ علاقته المسقبليّة بها.. يصل أحمد إلى المدينة بعد قرابة ساعة من السّير على الأقدام ، ويمرّ بمقهاه بطبيعة الحال ويطلب قهوته من صديقه النّادل . كان الوقت مبكّرا وكان المقهى تقريبا شاغرا إلاّ من أحمد وبعض الشّيوخ الّذين أدّوا صلاة الصّبح ومرّوا على المقهى ليحتسوا قهوة ويتجاذبوا بعض الحديث و"ليتنافسوا "حول قدرات كلّ واحد منهم في تحليل آخر الأخبار وكان صوتهم يسمع إلى خارج المقهى . اختلفت مواضيع حديث الشّيوخ منها ما جعل أحمد يضحك و جعل النّادل يتدخّل ليؤجّج الوضع بينهم وينفجر ضاحكا. ومنها ما يشدّ الانتباه ليجعل كلّ الموجودين يركّزون ويهتمّون. وهمس أحد أولئك الشّيوخ بين أصحابه:" هل سمعتم بعودة احمد ابن المرحوم. يقولون أنّه عاد وسوف ينتقم ممّن قضوا على أبيه وسوف يستردّ مسكنه ، ذلك المسكن الّذي طالما آوى الجائع والضّائع ولجأ إليه المظلوم ليتظلّم . ليت أحمد يجد من يسانده. وليته يقضي على أولئك الأشرار " . استمعوا له أصحابه ثمّ نهوه من أن يواصل الحديث في هذا الموضوع، " فالجدران لها آذان" . ومع أنّ صوتهم كان خافتا حسب تقديرهم إلاّ أنّه لم يكن خافتا بالنّسبة لأحمد فقد سمع كلّ ما قالوه ولم يردّ الفعل أوحتّى يوحي أنّه وصله ما قالوه. أثناء ذلك يدخل بعض أصدقاء أحمد القدامى وكادوا لا يتعرّفون عليه بلحيته وشعره الطّويلين ولباسه المتواضع . لكنّ رائحة فعله الطّيب ونقاوة روحه جذبتهم نحوه فعانقوه طويلا وقبّلوه فهم مشتاقون له. ولم يمنعهم شوقهم إليه من لومه على غيابه ونسيانه لأحبابه. هدّأ أحمد من روع أصدقائه عندما اعتذر عن غيابه معلّلا إيّاه بضرورة فرضها عليه ضعفه وقلّة حيلته أمام جبروت أولئك المجرمين. ولكنّه أكّد لأصحابه أنّه عاد الآن ولن يرحل أبدا ولن يهرب مهما كان الثّمن. الجلبة الّتي أحدثها أصدقاء أحمد عندما تعرّفوا إليه نبّهت كلّ الموجودين أنّ أحمد " ابن المرحوم " عاد وهو الآن في المقهى فنهض إليه الشّيوخ وسلّموا عليه راجين له التّوفيق في حياته ثمّ رحلوا الى شؤونهم . ويدخل النّادل في ذلك الوقت مسرعا وقد كان بصدد توزيع مشروبات على طالبيها أمام المقهى وبعض الدّكاكين المجاورة للمقهى .دخل وهتف في أذني أحمد" لقد أقبل ذلك السّيد الذّي قابلته في المرّة الفارطة والّذي تأسّفت أنّي لم أعلمك به." عندها اعتذر أحمد من أصدقائه معلما إيّاهم أنّه سيتركهم لبعض الوقت ثمّ سوف يعود وأكّد عليهم بأن ينتظروه. يدخل المحامي أخو زينب ويحيّي الجميع ثمّ يطلب قهوة وقارورة ماء بعد أن جلس إلى طاولة قام النّادل بتنظيفها جيّدا عندما رآه يجلس إليها. اتجه إليه أحمد وسلّم عليه فيقوم المحامي احتراما له ويصافحه ويدعوه إلى مجالسته لبعض الوقت فيلبّي طلبه ولكن في الحقيقة هي رغبته هو منذ خروجه من بيته عند ضفّة النّهر. ويكتفي أصدقاؤه بالملاحظة رغم أنّهم استغربوا من هذه العلاقة. لماذا استغربوا ؟ هذا ما قد يفسّروه لصديقهم عند رجوعه إليهم حين ينتهي من مقابلة رفيقه عند تلك الطّاولة .يتواصل هذا اللقاء تقريبا لمدّة نصف ساعة تكلّم فيه المحامي أكثر ممّا تكلّم أحمد. ثمّ ينتهي اللّقاء بتصافح الرّجلين وضربا موعدا قادم في مقرّ الجمعيّة. عاد أحمد بعد ذلك للجلوس مع أصحابه وهو منشرحا وتبدو عليه علامات الرّضا والسّرور.
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق